هل هناك حد أدنى للفترة التي يمكن أن تقضيها في وظيفة واحدة؟
جو 24 :
تشهد سوق العمل تغييرات هائلة، فهل ما زالت فكرة ضرورة البقاء في الوظيفة لمدة عام واحد على الأقل سارية حتى الآن؟
تتمثل إحدى القواعد غير المكتوبة لتولي وظيفة جديدة في الاستمرار بها لمدة عام واحد على الأقل، حتى لو كنت تكرهها. وحتى لو كانت بيئة العمل صعبة، فيتعين عليك إظهار الالتزام المهني والمثابرة قبل الانتقال إلى وظيفة جديدة.
لكن في ظل التغيير الهائل الذي تشهده أسواق وأماكن العمل بسبب تفشي وباء كورونا، هل ما زالت هذه القاعدة صحيحة؟
يرى خبراء أن ذلك ربما لا يزال صحيحا، نظرا لأن العوامل التي تستند إليها قاعدة العمل لمدة عام على الأقل لا تزال سارية، فصاحب العمل يعتبر الموظف الذي يبقى لمدة عام على الأقل استثمارًا أفضل من الموظف الذي يرحل قبل تلك المدة، كما يُنظر إلى ولائه للشركة بصورة إيجابية.
ومن جانب الموظف، يعني البقاء لمدة 12 شهرًا البقاء لفترة معقولة من الوقت تمكنه من اكتساب المهارات والكفاءات التي لا يمكن تعلمها في ثلاثة أشهر فقط.
ومع ذلك، فإن الطريقة المتغيرة التي نبني بها وظائفنا - جنبًا إلى جنب مع التأثير غير المسبوق للوباء - جعلت الأمر أكثر مرونة. ورغم أن أصحاب العمل قد لا يزالون يفضلون السيرة الذاتية الأكثر تقليدية، يقول خبراء إن العمل لفترة قصيرة أو اثنتين في وظائف سابقة لا ينبغي بالضرورة النظر إليه على أنه عيب طالما يمكنك تقديم تفسير جيد للانتقال من وظيفة لأخرى.
لقد وضُعت قاعدة ضرورة البقاء في الوظيفة لعام واحد على الأقل بعد تطبيق عملي أثبت أن بدء العمل في وظيفة جديدة يعد تغييرا كبيرا بالنسبة للمرء، وبالتالي يستغرق الأمر بعض الوقت للتعود عليه تماما.
تقول أليسون سوليفان، مديرة الاتصالات بموقع "غلاسدور" للوظائف: "بعد عام، يشعر الموظفون عادةً أنهم قطعوا خطوة داخل العمل ويعرفون الآخرين في فرق عملهم وفي الأقسام الأخرى بالشركة. العمل لمدة عام يمنح الأشخاص الوقت الكافي لإحداث تأثير في الشركة، وتعلم مهارات جديدة، وإظهار كيفية نموهم وتطورهم".
وتضيف: "وعند البحث عن الترقي والقيام بالدور التالي، يمكن أن يساعدك ما فعلته خلال العام في تقديم حجة عن سبب كونك الشخص المناسب لوظيفة ما، وفي تزويدك بأمثلة من العالم الواقعي".
لكن إثبات التطور والنمو يكون أكثر صعوبة إذا بقيت في وظيفة ما لبضعة أشهر فقط، بالإضافة إلى أن العمل لفترة قصيرة في الشركة يمكن أن يثير أسئلة غير مريحة حول طبيعة الشخصية والقدرة على العمل باحترافية.
يقول مايكل سميتس، أستاذ الإدارة في كلية سعيد للأعمال بجامعة أكسفورد: "ارتبط الأشخاص الذين يتنقلون بين الوظائف بسرعة، في الماضي، بعدم الالتزام أو غياب المرونة، وعدم القدرة على النمو والازدهار في مواجهة الشدائد أو حتى الاستعداد لترك فريق العمل وهو في وضع صعب".
وتعتقد سوليفان أنه في حين يمكن تفسير السبب وراء البقاء لفترة قصيرة واحدة أو اثنتين في العمل في السيرة الذاتية، يمكن لأصحاب العمل "تفسير العمل في أكثر من وظيفة لفترات قصيرة بأن المرشح للوظيفة قد يتجنب التحديات أو لا يمكن الاعتماد عليه".
وعلاوة على ذلك، لا ترغب الشركات في استثمار الوقت والمال في توظيف الموظفين وإعدادهم فقط لرؤيتهم يغادرون بعد ذلك بفترة وجيزة، وهو ما يعني أنهم سيميلون إلى تعيين الموظفين الذين ظلوا لفترات طويلة مع شركات سابقة.
تقول سوليفان: "إذا كنت تشعر بعدم اليقين بشأن وظيفتك، فحاول الاستمرار فيها لمدة عام واحد على الأقل. أي فترة أقل من عام يمكن أن تكون بمثابة علامة حمراء لمدير التوظيف في الشركة الجديدة".
وبينما تظل قاعدة العام الواحد هي الأفضل، هناك بعض الدلائل على أنه لا يُنظر إلى هذا الأمر كما كان في السابق. في الواقع، بدت هذه المتطلبات تتراجع إلى حد ما حتى قبل تفشي الوباء، إذ بدأت اتجاهات التوظيف بين العمال تتغير أيضا.
يقول جيمي لادج، أستاذ مشارك في الإدارة والتطوير التنظيمي في جامعة نورث إيسترن في بوسطن: "عادةً ما كان يقضي جيل طفرة المواليد والأجيال السابقة معظم حياتهم المهنية في مؤسسة واحدة. لكن الأجيال الحالية غيرت هذه الطريقة في التفكير".
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات واضحة لدعم الفكرة القائلة إن العمال الشباب يتنقلون بين الوظائف أكثر من الأجيال السابقة، يتوقع معظم العمال اليوم تغيير وظائفهم عدة مرات على مدار حياتهم المهنية كوسيلة للارتقاء أو اكتساب مهارات جديدة أو الحصول على مزايا أفضل.
ويعد التنقل بين الوظائف أكثر شيوعًا أيضًا في بعض الصناعات، مثل التكنولوجيا.
يقول سميتس: "أصبح التنقل بين الوظائف اختيارًا، وغالبًا ما يقول الكثير عن صاحب العمل، وليس الموظف".
ويبحث العمال بشكل متزايد عن أماكن العمل التي تعطي الأولوية لرفاهية الموظف والتواصل معه بشكل جيد، بدلاً من البقاء في شركة "سيئة".
وزاد الوباء من سرعة هذا التحول، وسط الحساسيات المتزايدة بشأن الإرهاق والاحتراق النفسي وممارسات العمل غير الصحية - وفي هذه البيئة جاء ما يسمى بـ "موجة الاستقالات الكبرى"، وهو ما جعل بعض أصحاب العمل يكافحون للعثور على موظفين للوظائف الشاغرة لديهم.
تقول سوليفان: "في الوقت الحالي، لم يعد التنقل بين الوظائف أو العمل لفترات قصيرة في بعض الشركات يُنظر إليه على أنه وصمة عار كما كان في السنوات السابقة. لقد ساهم الوباء في هذا الأمر بشكل كبير، إذ تسبب في ترك العديد من الأشخاص لوظائفهم أو تسريحهم أو تركهم العمل لأسباب عديدة تتعلق بالرعاية أو الصحة والسلامة".
ويعتقد سميتس أنه لا يزال يُنظر بشكل سيء إلى حد ما إلى من يتركون وظائفهم خلال أقل من عام، لكن الأفكار التقليدية بشأن المدة المثالية للبقاء في الوظيفة أصبحت موضع تساؤل، وسط "تحول ملحوظ في ميزان القوى بين أصحاب العمل والموظفين".
لكنه يشير أيضًا إلى أن صاحب العمل الجديد سيرغب في الحصول على تفسير لبقاء المرشح لفترة قصيرة في وظيفته السابقة، ويقول: "يتمثل جزء مهم من هذا التفسير في الحديث بمصداقية عن السبب الذي يجعل الوظيفة الجديدة وجهة مفضلة، وليست طريقًا للهروب من الوظيفة السابقة".
كل هذا يعني أنه في حين أن الانتقال المبكر من وظيفتك السابقة لا ينبغي أن يمنعك من التنافس كمرشح لوظائف أخرى، فإن شرح الأسباب وراء رحيلك بشكل جيد يعد أمرا بالغ الأهمية لكسب مديري التوظيف الذين يفضلون المتقدمين الذين أظهروا قدرة أكبر على البقاء في العمل لفترات طويلة.
يقول سميتس: "يريد مديرو التوظيف معرفة سبب رغبتك في العمل في شركتهم، والشعور ببعض الطمأنينة بأنك ستبقى في الشركة".
قد يرغبون أيضًا في معرفة كيف تركت الأمور في شركتك القديمة. يقول سميتس: "اشرح لهم كيف قررت ترك مؤسستك السابقة، وكيف بقيت منظما حتى آخر لحظة، وكيف اتفقت على تاريخ للرحيل دون أن ترحل فجأة وتترك فريق العمل في مأزق - حتى لو كان ذلك بعد شهر واحد فقط".
ويضيف: "إذا كان بإمكانك القيام بذلك، فيمكنك إثبات أنك شخص ملتزم ويمكن الوثوق به، على الرغم من أنك تركت عملك السابق بعد فترة قصيرة".
وإذا كانت الوظيفة التي تركتها مختلفة تمامًا عما أُعلن عنه، فلا بأس من توضيح ذلك، كما يشير لادج، الذي يقول: "في كثير من الأحيان، لا تستغرق الشركات ومديرو التوظيف الوقت الكافي للإعلان عن المواصفات الدقيقة والواقعية لوظيفة ما، أو قد لا يقومون بالعمل القانوني لمعرفة الوظيفة جيدًا ونقل ذلك إلى الموظف بشكل دقيق. لذا، قد يكتشف الموظف أن الوظيفة مختلفة تماما عما كان يتوقعه".
وتعتقد سوليفان أيضًا أنه بشكل عام، عند شرح الأسباب وراء ترك الوظيفة بعد فترة قصيرة، فإن "الأهم هو أن تكون صريحا وتشرح الأمور في سياقها الصحيح".
لكنها تشير إلى أهمية التركيز على الموضوعات الإيجابية المرتبطة بالوظيفة الجديدة بدلاً من التعمق في الأخطاء التي حدثت في الوظيفة السابقة.
تقول سوليفان: "إذا سألك صاحب العمل المحتمل عن التجارب السابقة التي تعلم أنها لم تكن مثالية، فمن الأفضل إبقاء المناقشة دبلوماسية والتركيز بدلاً من ذلك على سبب حماسك تجاه الوظيفة الجديدة أو الشركة المحتملة".
وتضيف: "ما ستقدمه إلى الوظيفة الجديدة ولماذا أثارت اهتمامك هما الأهم الآن بالنسبة لمدير التوظيف مما حدث في الوظيفة السابقة".
إن إقناع صاحب العمل المحتمل بأنك الموظف المناسب، على الرغم من التنقل بين الوظائف بعد فترة قصيرة، قد يعتمد في النهاية على ما إذا كان يعتقد أن المهارات التي ستجلبها للعمل تفوق المخاطر المتعلقة بما إذا كنت ستبقى أم لا.
تقول سوليفان: "يريد أرباب العمل شخصًا يمكنهم الاستثمار فيه، وبالتالي يبقى وينمو داخل الشركة وداخل وظيفته".
(BBC)