تنافس الإسلاميين وفتاواهم في الانتخابات المصرية
ياسر الزعاترة
جو 24 : ينشغل المصريون بانتخابات الرئاسة إلى حد كبير (وربما بقية العرب أيضا)، حتى أن مناظرة عمرو موسى مع عبد المنعم أبو الفتوح قد حظيت بنسبة مشاهدة ربما تفوقت على مباريات المنتخب المصري الحاسمة في المنافسات الدولية.
من جانب آخر ينشغل الشارع الإسلامي (نسبة إلى الإسلاميين وليس المسلمين لأن الغالبية الساحقة من الشعب مسلمون، بل ربما متدينون أيضا)، ينشغل بسؤال المرشح الأكثر جدارة بالمساندة: هل هو محمد مرسي (مرشح الإخوان)، أم عبد المنعم أبو الفتوح (القيادي الإخواني السابق)، أم المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا، لاسيما بعد أن خرج الشيخ حازم أبو إسماعيل من السباق بسبب جنسية والدته الأمريكية.
هنا تنهض الفتاوى والمواقف المتباينة على نحو واضح، ليس بين التيارات المختلفة، وإنما داخل التيار الواحد أيضا، وقد تجلى ذلك بشكل أكثر وضوحا داخل التيار السلفي الذي تباينت مواقف رموزه وتجمعاته، بين من يساند عبد المنعم أبو الفتوح، وبين من يساند محمد مرسي، ولكل من الطرفين وجهة نظره في المسألة، أكانت شرعية أم “مقاصدية” مثل قول أحدهم إنه يؤيد (أبو الفتوح) لأنه الأكثر قابلية للفوز خشية خسارة الطرفين وصعود عمرو موسى وأحمد شفيق للدور الثاني، وكلاهما من رموز النظام السابق.
أسوأ ما في هذه الحملة هي الفتاوى وذهاب البعض نحو التحليل والتحريم، بل التجريم أحيانا، الأمر الذي يمكن أن يكون مفهوما في حال التنافس بين مرشح يؤمن بالمرجعية الإسلامية ومرشح آخر لا يؤمن بها أو يرى تهميشها في أضيق نطاق. أما استخدام تلك الفتاوى في سياق تنافس بين رجال يؤمنون بتلك المرجعية فلا يمكن أن يكون مقبولا بحال، وقد ذهب أحدهم في رسالة إلى من سماهم “شيوخ الدعوة السلفية” حد القول إن الله سيسألهم لماذا لم يساندوا مرسي لأن عبد المنعم أبو الفتوح مرشح علماني، مع أنه ليس كذلك.
لست على الصعيد الشخصي منحازا لا لهذا ولا لذاك، وأتمنى كما تمنت جبهة علماء الأزهر المعروفة بمواقفها الطيبة في الإطار الإسلامي أن يُجمع الإسلاميون على مرشح واحد، لكن ذلك يبدو حلما بعيد المنال. وإذا كان خيرة الصحابة في سقيفة بني ساعدة لم يتفقوا على مرشح واحد للخلافة (دعك من غياب الإمام علي عن المشهد والذي كان يرى نفسه الأحق بها بين الجميع)، فكيف سيتفق الناس على شخص بعينه في هذا الزمان. وإذا قيل إن عمر بن الخطاب بشخصيته القوية قد حسم الموقف بمبايعة أبي بكر، فأين هم أمثال عمر بن الخطاب في هذا الزمان؟ مع أن الموقف لم يُحسم تماما، إذ تردد الإمام علي طويلا في البيعة، فيما رفضها سعد بن عبادة زعيم الأنصار، وأصرَّ على موقفه حتى مات رضي الله عن الجميع.
كارهو الظاهرة الإسلامية يتشدقون هنا وهناك بكلام ينطوي على الكثير من الرعونة يتحدث عن الإسلاميين بوصفهم طلاب سلطة، وأنهم يتقاتلون عليها، لكأن أحدا قد زعم أنهم جحافل من الملائكة الذين يترفعون على حطام الدنيا، الأمر الذي لم يحدث، ودعك هنا من انتماء بعضهم إلى تجمعات ترى نفسها الأكثر قدرة على خدمة الأمة ومشروعها في الوحدة والنهوض؟!
من المفيد القول إن قضية المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع ليست قضية طاعنة في التاريخ، بل هي مسألة حديثة بدأت مع ملامح التحديث العثماني مطلع القرن التاسع عشر، وتأكدت بعد سقوط الخلافة، فيما كانت تلك المرجعية موضع إجماع بين الناس رغم اقتتالهم على السلطة طوال القرون، وفي اعتقادي أن زمنا لن يطول حتى يتم الاتفاق بين المسلمين على الحد المُجمع عليه من تلك المرجعية، فيما يجري التنافس بين المرشحين داخل إطارها، تماما كما يُجمع أهم المرشحين في الغرب على حقيقة أن الثقافة المسيحية اليهودية هي الموجّه لحركة الدولة والمجتمع.
إلى ذلك الحين، ينبغي أن يبقى التنافس في حدود المقبول من دون التراشق بالتهم بين المتنافسين الإسلاميين ومؤيديهم، وليُترك للشارع حق أن يختار ويجرب ثم يختار من جديد ما دام أن أحدا لن يبقى في منصبه دون شرعية شعبية.
الدستور
من جانب آخر ينشغل الشارع الإسلامي (نسبة إلى الإسلاميين وليس المسلمين لأن الغالبية الساحقة من الشعب مسلمون، بل ربما متدينون أيضا)، ينشغل بسؤال المرشح الأكثر جدارة بالمساندة: هل هو محمد مرسي (مرشح الإخوان)، أم عبد المنعم أبو الفتوح (القيادي الإخواني السابق)، أم المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا، لاسيما بعد أن خرج الشيخ حازم أبو إسماعيل من السباق بسبب جنسية والدته الأمريكية.
هنا تنهض الفتاوى والمواقف المتباينة على نحو واضح، ليس بين التيارات المختلفة، وإنما داخل التيار الواحد أيضا، وقد تجلى ذلك بشكل أكثر وضوحا داخل التيار السلفي الذي تباينت مواقف رموزه وتجمعاته، بين من يساند عبد المنعم أبو الفتوح، وبين من يساند محمد مرسي، ولكل من الطرفين وجهة نظره في المسألة، أكانت شرعية أم “مقاصدية” مثل قول أحدهم إنه يؤيد (أبو الفتوح) لأنه الأكثر قابلية للفوز خشية خسارة الطرفين وصعود عمرو موسى وأحمد شفيق للدور الثاني، وكلاهما من رموز النظام السابق.
أسوأ ما في هذه الحملة هي الفتاوى وذهاب البعض نحو التحليل والتحريم، بل التجريم أحيانا، الأمر الذي يمكن أن يكون مفهوما في حال التنافس بين مرشح يؤمن بالمرجعية الإسلامية ومرشح آخر لا يؤمن بها أو يرى تهميشها في أضيق نطاق. أما استخدام تلك الفتاوى في سياق تنافس بين رجال يؤمنون بتلك المرجعية فلا يمكن أن يكون مقبولا بحال، وقد ذهب أحدهم في رسالة إلى من سماهم “شيوخ الدعوة السلفية” حد القول إن الله سيسألهم لماذا لم يساندوا مرسي لأن عبد المنعم أبو الفتوح مرشح علماني، مع أنه ليس كذلك.
لست على الصعيد الشخصي منحازا لا لهذا ولا لذاك، وأتمنى كما تمنت جبهة علماء الأزهر المعروفة بمواقفها الطيبة في الإطار الإسلامي أن يُجمع الإسلاميون على مرشح واحد، لكن ذلك يبدو حلما بعيد المنال. وإذا كان خيرة الصحابة في سقيفة بني ساعدة لم يتفقوا على مرشح واحد للخلافة (دعك من غياب الإمام علي عن المشهد والذي كان يرى نفسه الأحق بها بين الجميع)، فكيف سيتفق الناس على شخص بعينه في هذا الزمان. وإذا قيل إن عمر بن الخطاب بشخصيته القوية قد حسم الموقف بمبايعة أبي بكر، فأين هم أمثال عمر بن الخطاب في هذا الزمان؟ مع أن الموقف لم يُحسم تماما، إذ تردد الإمام علي طويلا في البيعة، فيما رفضها سعد بن عبادة زعيم الأنصار، وأصرَّ على موقفه حتى مات رضي الله عن الجميع.
كارهو الظاهرة الإسلامية يتشدقون هنا وهناك بكلام ينطوي على الكثير من الرعونة يتحدث عن الإسلاميين بوصفهم طلاب سلطة، وأنهم يتقاتلون عليها، لكأن أحدا قد زعم أنهم جحافل من الملائكة الذين يترفعون على حطام الدنيا، الأمر الذي لم يحدث، ودعك هنا من انتماء بعضهم إلى تجمعات ترى نفسها الأكثر قدرة على خدمة الأمة ومشروعها في الوحدة والنهوض؟!
من المفيد القول إن قضية المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع ليست قضية طاعنة في التاريخ، بل هي مسألة حديثة بدأت مع ملامح التحديث العثماني مطلع القرن التاسع عشر، وتأكدت بعد سقوط الخلافة، فيما كانت تلك المرجعية موضع إجماع بين الناس رغم اقتتالهم على السلطة طوال القرون، وفي اعتقادي أن زمنا لن يطول حتى يتم الاتفاق بين المسلمين على الحد المُجمع عليه من تلك المرجعية، فيما يجري التنافس بين المرشحين داخل إطارها، تماما كما يُجمع أهم المرشحين في الغرب على حقيقة أن الثقافة المسيحية اليهودية هي الموجّه لحركة الدولة والمجتمع.
إلى ذلك الحين، ينبغي أن يبقى التنافس في حدود المقبول من دون التراشق بالتهم بين المتنافسين الإسلاميين ومؤيديهم، وليُترك للشارع حق أن يختار ويجرب ثم يختار من جديد ما دام أن أحدا لن يبقى في منصبه دون شرعية شعبية.
الدستور