مع الغرب (إيد واحدة)
فهمي هويدي
جو 24 : لست متأكدا من صحة الخبر الذي نشر عن اجتماع سري عقده في عمان رؤساء الأركان العرب مع نظرائهم الغربيين لمناقشة الضربة العسكرية المفترضة الموجهة إلى سوريا. إذ باستثناء ما ذكرته بعض الصحف اللبنانية فإنني لم أجد الخبر في مصادر الأخبار الأخرى التي أتابعها.
بالتالي فغاية ما يمكن أن أقوله إنه ليس مستبعدا لأسباب يعلمها الجميع أهمها أننا منذ وقعنا في فخ «الاعتدال» المعروف في السياسة العربية، فإن حكوماتنا صارت والدول الغربية «يدا واحدة». إذا استخدمنا المصطلح الشائع في أدبيات زماننا.
رغم أنه ليس بوسعنا أن نتأكد من دقة الخبر، إلا أن أهم ما يحسب له أنه ذكرنا بأن في العالم العربي رؤساء للأركان، الأمر الذي يستدعي ملفا ملغوما مسكوتا عليه. يثير أسئلة عديدة عن حقيقة دورهم وعلاقاتهم بنظرائهم الغربيين، وما تقوم به الجيوش التي تقودونها في الدفاع عن أوطانهم وعن الأمة العربية التي ينتمون إليها.
والكلام في هذه الحالة لا ينصب على شخوصهم وجيوشهم التي لها تقديرها وينبغي أن تحظى بما تستحقه من احترام. وإنما يتعلق بسياسات الدول التي ينتمون إليها والتي تحدد الأدوار ومجالات الحركة والاستراتيجية التي تعمل في إطارها.
من هذه الزاوية لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن أمن الأقطار العربية بل أمن الأمة العربية ما عاد موكولا إلى الجيوش العربية، وإنما صارت تتولاه الدول الغربية، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا، التي باتت تؤدي دور «الكفيل» للدول العربية.
ومنذ أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أن حرب أكتوبر (قبل أربعين عاما) هي آخر الحروب، فقد بدا ذلك إعلانا عن إجراء تعديل جذري في العقيدة العسكرية، اتجهت فيه الأنظار إلى الداخل بأكثر مما انشغلت بالخارج.
وأنا هنا أفرق بين الاحتشاد وبين الاهتمام. والاحتشاد موجه نحو هدف وطرف، أما الاهتمام فهو يركز على القدرات الذاتية والأنشطة غير العسكرية، وذلك أوضح ما يكون في الدول العربية النفطية التي توجه اهتماما واضحا لإنفاقها العسكري فتشتري أحدث الطائرات والمدرعات وتقتني أفضل الخبراء، لكنها تفعل ذلك لمجرد تعزيز القدرة العسكرية (إن شئت فقل إنه لأجل الوجاهة العسكرية) في حين أنها تعتمد في أمنها وحماية حدودها على القواعد العسكرية الأجنبية والعطاء الغربي.
حين خرجت مصر من الصف العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وبعدما أطلق السادات شعاراته سواء تلك تحدثت عن آخر الحروب أو أعلنت عن أن 99٪ من أوراق اللعبة في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية، حدث أمران مهمان للغاية، الأول أن مصر انكفأت على ذاتها وأدارت ظهرها للعالم العربي. والثاني أن بعض الدول العربية ــ الخليجية بوجه أخص ــ أدركت أنها أصبحت بلا ظهر ولا غطاء، فاعتمدت على الحماية الغربية. لأن «الكفيل» صار غربيا فلم يعد الأمن القومي العربي محلا لأي اهتمام، الأمر الذي فتح الأبواب واسعة للتغول الإسرائيلى، كما مهد الطريق لمحاولات الفتك بالعالم العربي وتمزيقه (العراق والسودان مثلا ولا تسأل عن فلسطين).
من باب الفضول وإنعاش الذاكرة أجريت بحثا حول معاهدة الدفاع العربي التي وقعتها الدول العربية في عام 1950، ضمن عناوين أخرى عديدة للعمل المشترك، ظلت جميعها ضمن الأحلام المؤجلة إن لم يكن المستحيلة.
وحين لاحظت أن العنوان له وجود على الانترنت، فإنني سارعت إلى فتحه، لكني اكتشفت أنه يتحدث عن الدفاع المشترك الالكتروني، وكانت تلك دعوة أطلقها الدكتور موسى إبراهيم أحد أعوان العقيد معمر القذافي في صيف عام 2011 لحث أنصاره على التصدي للثوار عبر الانترنت.
لاحظت أيضا أن الدكتور محمد مرسي أشار في خطاب تنصيبه في 30/6/2012 إلى تفعيل منظومة الدفاع العربي، ضمن وعده بتنشيط العمل العربي المشترك.
واستوقفني أن الدكتور محمد البرادعى الذي كان قد تردد أنه بصدد الترشح لرئاسة الجمهورية، قال في حديث تليفزيوني (أزعج الإسرائيليين) في 7/4/2012 إنه سيدعو إلى تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك في حال تولي الرئاسة وتعرضت غزة للعدوان. وهو كلام أطلق في الفضاء ولم يختبر في الواقع.
إلى غير ذلك من الخلفيات التي همشت فكرة الدفاع عن الأمن القومي، وجعلت التركيز على الأمن الداخلى يحظى بالقدر الأكبر من الاهتمام، الأمر الذي أخرج الجيوش العربية من دائرة الضوء.
حتى إنه في أقطار عربية عدة صار حضور نوادي كرة القدم في الوجدان العام أقوى من حضور القوات المسلحة، وأصبح نجوم الكرة أشهر من رؤساء الأركان الذين باتت أسماؤهم معروفة لدى نظرائهم الغربيين بأكثر منها عند الجماهير العربية.
(السبيل)
بالتالي فغاية ما يمكن أن أقوله إنه ليس مستبعدا لأسباب يعلمها الجميع أهمها أننا منذ وقعنا في فخ «الاعتدال» المعروف في السياسة العربية، فإن حكوماتنا صارت والدول الغربية «يدا واحدة». إذا استخدمنا المصطلح الشائع في أدبيات زماننا.
رغم أنه ليس بوسعنا أن نتأكد من دقة الخبر، إلا أن أهم ما يحسب له أنه ذكرنا بأن في العالم العربي رؤساء للأركان، الأمر الذي يستدعي ملفا ملغوما مسكوتا عليه. يثير أسئلة عديدة عن حقيقة دورهم وعلاقاتهم بنظرائهم الغربيين، وما تقوم به الجيوش التي تقودونها في الدفاع عن أوطانهم وعن الأمة العربية التي ينتمون إليها.
والكلام في هذه الحالة لا ينصب على شخوصهم وجيوشهم التي لها تقديرها وينبغي أن تحظى بما تستحقه من احترام. وإنما يتعلق بسياسات الدول التي ينتمون إليها والتي تحدد الأدوار ومجالات الحركة والاستراتيجية التي تعمل في إطارها.
من هذه الزاوية لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن أمن الأقطار العربية بل أمن الأمة العربية ما عاد موكولا إلى الجيوش العربية، وإنما صارت تتولاه الدول الغربية، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا، التي باتت تؤدي دور «الكفيل» للدول العربية.
ومنذ أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أن حرب أكتوبر (قبل أربعين عاما) هي آخر الحروب، فقد بدا ذلك إعلانا عن إجراء تعديل جذري في العقيدة العسكرية، اتجهت فيه الأنظار إلى الداخل بأكثر مما انشغلت بالخارج.
وأنا هنا أفرق بين الاحتشاد وبين الاهتمام. والاحتشاد موجه نحو هدف وطرف، أما الاهتمام فهو يركز على القدرات الذاتية والأنشطة غير العسكرية، وذلك أوضح ما يكون في الدول العربية النفطية التي توجه اهتماما واضحا لإنفاقها العسكري فتشتري أحدث الطائرات والمدرعات وتقتني أفضل الخبراء، لكنها تفعل ذلك لمجرد تعزيز القدرة العسكرية (إن شئت فقل إنه لأجل الوجاهة العسكرية) في حين أنها تعتمد في أمنها وحماية حدودها على القواعد العسكرية الأجنبية والعطاء الغربي.
حين خرجت مصر من الصف العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وبعدما أطلق السادات شعاراته سواء تلك تحدثت عن آخر الحروب أو أعلنت عن أن 99٪ من أوراق اللعبة في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية، حدث أمران مهمان للغاية، الأول أن مصر انكفأت على ذاتها وأدارت ظهرها للعالم العربي. والثاني أن بعض الدول العربية ــ الخليجية بوجه أخص ــ أدركت أنها أصبحت بلا ظهر ولا غطاء، فاعتمدت على الحماية الغربية. لأن «الكفيل» صار غربيا فلم يعد الأمن القومي العربي محلا لأي اهتمام، الأمر الذي فتح الأبواب واسعة للتغول الإسرائيلى، كما مهد الطريق لمحاولات الفتك بالعالم العربي وتمزيقه (العراق والسودان مثلا ولا تسأل عن فلسطين).
من باب الفضول وإنعاش الذاكرة أجريت بحثا حول معاهدة الدفاع العربي التي وقعتها الدول العربية في عام 1950، ضمن عناوين أخرى عديدة للعمل المشترك، ظلت جميعها ضمن الأحلام المؤجلة إن لم يكن المستحيلة.
وحين لاحظت أن العنوان له وجود على الانترنت، فإنني سارعت إلى فتحه، لكني اكتشفت أنه يتحدث عن الدفاع المشترك الالكتروني، وكانت تلك دعوة أطلقها الدكتور موسى إبراهيم أحد أعوان العقيد معمر القذافي في صيف عام 2011 لحث أنصاره على التصدي للثوار عبر الانترنت.
لاحظت أيضا أن الدكتور محمد مرسي أشار في خطاب تنصيبه في 30/6/2012 إلى تفعيل منظومة الدفاع العربي، ضمن وعده بتنشيط العمل العربي المشترك.
واستوقفني أن الدكتور محمد البرادعى الذي كان قد تردد أنه بصدد الترشح لرئاسة الجمهورية، قال في حديث تليفزيوني (أزعج الإسرائيليين) في 7/4/2012 إنه سيدعو إلى تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك في حال تولي الرئاسة وتعرضت غزة للعدوان. وهو كلام أطلق في الفضاء ولم يختبر في الواقع.
إلى غير ذلك من الخلفيات التي همشت فكرة الدفاع عن الأمن القومي، وجعلت التركيز على الأمن الداخلى يحظى بالقدر الأكبر من الاهتمام، الأمر الذي أخرج الجيوش العربية من دائرة الضوء.
حتى إنه في أقطار عربية عدة صار حضور نوادي كرة القدم في الوجدان العام أقوى من حضور القوات المسلحة، وأصبح نجوم الكرة أشهر من رؤساء الأركان الذين باتت أسماؤهم معروفة لدى نظرائهم الغربيين بأكثر منها عند الجماهير العربية.
(السبيل)