jo24_banner
jo24_banner

في حديث الحكومة عن الإصلاح الإداري

د. ماجد الخواجا
جو 24 :

 لا نبالغ حين نقول أن معظم أزمة الوظيفة العامة سببها الرئيس الحكومات المتعاقبة وسلسلة إجراءاتها المرتجلة القائمة على مفهوم إطفاء الحرائق والفزعة ودبرها.

نعم إن القطاع العام تم استهلاكه واستنزافه وإضعافه لأهداف آنية غرائزية تتطلبها المرحلة عند كل حكومة. وهذا الأمر ابتدأ مع بدايات التخاصية التي تشوهت عند التطبيق وأصبحت من أردأ أشكال الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي نتيجة النزعات الشخصية والمطامع والطموحات وشبكة العلاقات الزبائنية التي احتوت عمليات التخاصية لتأخذ شكل مشاريع شخصية لا غاية منها إلا جني العوائد والمكاسب والمناصب، فجاءت ما سميت بالهيئات ومجالس المديرين واللجان التوجيهية والمجالس العليا، ليتم توزيعها وتوارثها بين ذات النخب والمتنفعين، وليحصدوا أية مكاسب ممكنة من كل مشاريع التخاصية، لنكتشف سريعا أن برامج التخاصية لم تكن إلا سهما مصوبا تجاه القطاع العام والموارد العامة لتصبح مشاعا ومحل مزاودات وعطاءات وتلزيمات. إلى أن ظهرت الصورة بعد انقشاع غبار التحول الاقتصادي . فكان المشهد أن الدولة باعت أركانها ومؤسساتها الحيوية، وأضعفت أجهزتها الوظيفية كي تتيح المجال لكل الانتهازيين بأن يقضموا كعكة التخاصية من الجانب المناسب لأفواههم وأمعائهم. وساعدهم في ذلك من كانوا يسمون برموز الدولة الذين تم استحضارهم على عجل ومنحهم رئاسة مجالس الإدارات والمديرين والمستشارين مع رواتب فلكية ومكافآت أسطورية، فأصبحنا نصحو كل صباح على تشكيل هيئة أو مجلس أعلى أو مفوضيات أو سلطات خاصة، لا تدري كيف تم ومن هم الأشخاص الذين تبوؤوا مناصبها وقطفوا مكاسبها، فصار لكل جهة رسمية نظير لها على شكل هيئة أو مجلس أعلى.
قلت لم يمض الوقت سريعا إلا وكانت الأمور واضحة بأن الدولة تم استغفالها وتعريتها وتقييد حريتها، فلم تعد كما كانت المانح المانع، ولم تجن أية ثمار تستطيع أن تقنعنا بجدوى الممارسات التي بيعت بموجبها موارد الدولة الحيوية والثانوية.
وعندما بدأت الضغوط على الدولة تزداد حيث الوعود قد تبخرت وظهر المرج اليابس بعد الثلج البارد. وتبين أن الدولة لم يعد بمقدورها الصرف على نفسها، ولم يعد بمقدورها تعيين العاطلين عن العمل والأمل، فبدأت مرحلة جديدة سميت بمرحلة المشاريع، وهي دوامة دخلناها منذ عقد من الزمان واكثر، مشاريع متعاقبة للتدريب والتشغيل وإيجاد فرص عمل وهمية وآنية تنتهي بنهاية المورد المالي من قبل المانحين.
لقد انكشف ظهر الدولة تماما، وأعلنت على حياء عجزها التام عن تلبية أية مطالب اقتصادية أو اجتماعية أو خلق فرص العمل ناهيك عن تحفيز الاستثمار وإقامة المشاريع الصناعية الإنتاجية.
ومع امتداد الوقت، وحيث ظهر عجز القطاع العام وضعفه واستنزافه، مع وجود زبائن تم تسميتهم بالقطاع الخاص الذين هم في حقيقة الأمر في معظمهم ليسوا إلا نوعا ممن يهرولون خلف الحصادة الحكومية علهم يلتقطون بعض السنابل من هنا أو هناك.
إن طبيعة التغيير الحكومي في الأردن وعدم استقرارها لفترات طويلة، أسهم في ارتجالية القرارات التي أصبحت كل حكومة مضطرة لتقديمها من أجل تبرير وشرعية تشكيلها. وأصبحت الحكومات عبارة مجموعة مشاريع ممولة من جهات مانحة، وأصبحت الأولويات للحكومات بأن تقدم التقارير الزاهية والعروض التقديمية المبهرة الممتلئة بالمؤشرات الدالة على إنجازات وهمية تأخذ شكل البيانات والأرقام والنسب بما يرضي الجهات المانحة من أجل تجديد المنح والعطايا ليس إلا.
لقد أصبحت الحكومات في كثير من أدائها عبارة عن منفذ لإرادة ورغبة المانحين، ولم تعد بقادرة على وضع خططها واستراتيجياتها المستقلة المعبرة عن الإرادة الذاتية الحرة لها، وهذا يعود إلى أنه تم استنزاف مقدرات الدولة، وبالتالي إرتهان جزء من الإرادة الرسمية لتلك الجهات المانحة.
قلت في عنوان المقالة أن الحديث عن الإصلاح الإداري الذي تزعم الحكومات أنها معنية به. وهذا سيكون موضوع الحلقة القادمة من الحديث.


تابعو الأردن 24 على google news