محمد قطيشات يقدم مطالعة قانونية حول قرار مجلس نقابة الصحفيين بوضع حدّ أدنى لراتب رئيس التحرير
جو 24 :
أعدّ المستشار القانوني السابق لرئاسة الوزراء، المحامي محمد قطيشات، مطالعة قانونية حول قرار مجلس نقابة الصحفيين بوضع حدّ أدنى لراتب رئيس التحرير في المؤسسة الإعلامية مقداره (500) دينار.
وتاليا نصّ المطالعة القانونية:
قرار مجلس نقابة الصحفيين بوضع حدّ أدنى لراتب رئيس التحرير مقداره (500) دينار
إن المادة الرابعة من قانون نقابة الصحفيين بينت وبشكل واضح أن نقابة الصحفيين تمارس نشاطها لتحقيق عددٍ من الأهداف، ثم تناولت المادة السادسة والثلاثون من القانون ذاته صلاحيات مجلس النقابة والمهام المناطة به، ثم حددت المادة السابعة والثلاثون من القانون ذاته ما يتولاه مجلس النقابة، ولم يرد في هذه المواد أي نص صريح أو ضمني يمنح مجلس نقابة الصحفيين الموقر سلطة إصدار أي قرار يحدد الحد الأدنى لأجور رئيس التحرير، وبما أن القرار الإداري وفق ما استقر الفقه والقضاء الإداريين على تعريفه بأنه إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكنًا وجائزاً قانوناً، فإنه ينبغي ابتداءً أن يمنح القانون لمجلس النقابة سلطة إصدار هذا القرار وأن يتوسد القرار على سبب قانوني مشروع.
و الأجر بمفهومه الشامل هو كل ما يستحقه العامل لقاء عمله نقداً أو عينا مضافاً إليه سائر الاستحقاقات الأخرى أيا كان نوعها إذا نص القانون أو عقد العمل أو النظام الداخلي أو استقر التعامل على دفعها باستثناء الأجور المستحقة عن العمل الاضافي. وقد استقر الفقه في تفسير الأجر على أنه الأجر الثابت المقرر في العقد مضافا إليه المبالغ التي أجازت تعليمات صاحب العمل أو جرى العرف أو نص القانون على اعتبارها جزءا من الأجر. قرار ديوان تفسير القوانين رقم (5/2003).
وفضلاً عن ذلك فإن من المبادئ التي أجمع عليها الفقه والقضاء أن العقد شريعة المتعاقدين ودستورهما. لذلك كان ولا يزال مبدأ سلطان الإرادة يسود الفكر القانوني، ويلازم ذلك أن ما اتفق عليه المتعاقدان متى وقع صحيحًا لا يخالف النظام العام أو الآداب أصبح ملزمًا للطرفين، فلا يجوز نقض العقد ولا تعديله من جهة أيٍّ من الطرفين، إذ أن العقد وليد إرادتين وما تعقده إرادتان لا تحله إرادة واحدة، وهذا هو الأصل، كما يمتنع ذلك على القاضي - أيضاً - لأنه لا يتولى إنشاء العقود عن عاقديها وإنما يقتصر عمله على تفسير مضمونها بالتزام عبارات العقد الواضحة وعدم الخروج عنها بحسبانها تعبيراً صادقاً عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين، وذلك احتراماً لمبدأ سلطان الإرادة وتحقيقاً لاستقرار المعاملات.
وباستعراض نصوص النظام الداخلي لنقابة الصحفيين نجد أن المادة السادسة والأربعون من النظام قد نصت على أن تقوم الجهة التي يعمل الصحفي لديها بتزويد النقابة بنسخ من عقد عمل الصحفي أو قرار تعيينه وتبليغ النقابة بأي عقد جديد يبرم مع أي صحفي او أي تعديل يطرأ عليه بهدف تثبيت ذلك في سجله الخاص.
وبالتالي فإن الأجر الذي يتقاضاه رئيس التحرير من الجهة التي يعمل لديها هو الأجر المحدد في العقد، ولو أراد المشرع أن يمنح مجلس نقابة الصحفيين حق تحديد الحد الأدنى لأجر رئيس التحرير لنص على ذلك صراحة في المادة المشار إليها أو في مادة مستقلة بذاتها" فالمُشرّع إذا أراد قال وإذا أبى سكت"، ولا تستطيع أن تقوّله ما لم يقله.
وبما أن أجر رئيس التحرير وفق التشريعات النافذة وما استقر عليه التعامل يتم تحديده بموجب عقد عمل خطي تحفظ نسخة عنه في سجل الصحفي الخاص، فإن أجر رئيس التحرير وليد اتفاق وإرادة حرة، وإن إصدار القرار بتحديد الحد الأدنى لأجر رئيس التحرير دون أن يكون لهذا القرار أي مصدر قانوني أو سبب قانوني مشروع يؤدي إلى تعريض القرار لعيب مخالفة القانون والنظام. مما ينبني عليه عدم إلزامية هذا القرار برأينا القانوني.
وقد يثور التساؤل في الأذهان عن حدود المسؤولية القانونية الناشئة عن عدم الامتثال لهذا القرار، فإننا نرى أن المسؤولية القانونية لا تنشأ إلا بعد مخالفة رئيس التحرير للقانون أو النظام، وقد بينت المادة السادسة والأربعون وحددت بشكل واضح الأفعال التي تستدعي مساءلة الصحفيين أمام سلطة التأديب، فإذا أخل الصحفي بواجبات مهنته المبينة في القانون أو في أي نظام صادر بمقتضاه أو خالف ميثاق الشرف الصحفي أو تجاوز أو قصر في أداء واجباته المهنية أو أقدم على عمل أو تصرف ينال من شرف المهنة يعرض نفسه للعقوبات التأديبية.
ولا يعد اتفاق رئيس التحرير مع الجهة التي يعمل لديها على مقدار الأجر عملاً مخالفاً لواجبات المهنة أو ميثاق الشرف الصحفي، ولا يؤدي هذا الاتفاق بأي حال من الأحوال إلى النيل من شرف المهنة، والقول بخلاف ذلك يعني أن الأجر جزءٌ من رسالة الصحافة وهذا ما لم يقل به أحد.