هل يمكن إلغاء الضربة العسكرية؟
في خطابه الذي ألقاه السبت، أعلن الرئيس الأميركي بأنه سيطلب دعم الكونغرس لقراره بشن ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، موضحا أن الضربة ستحدث إن كان بعد يوم أو بعد أسبوع أو بعد شهر، وجاء توضيح رئيس مجلس النواب بأن المجلس سيبدأ مناقشة الأمر في الأسبوع الذي يبدأ في التاسع من شهر سبتمبر الجاري ليؤكد أن الضربة قد تأجلت من الناحية العملية لأكثر من 10 أيام في أقل تقدير.
بعد هذا التطور ذهب البعض نحو الشك في وقوع الضربة، معتبرين أن سيناريو كاميرون مع البرلمان البريطاني قد يتكرر هنا مع أوباما، تبعا لحقيقة الرفض الشعبي لها؛ ما يتبدى أيضا في فرنسا التي يتحمس رئيسها للضربة.
والحال أن الجماهير في الشارع الأميركي والغربي لا تبدو في وارد تأييد الضربة، ليس فقط لأن الملف الخارجي لا يلقى اهتماما لدى قطاع عريض من الجمهور، بل أيضا لأن ذاكرة ما جرى في العراق وأفغانستان لا تبدو مشجعة على الإطلاق، وقد لوحظ في بريطانيا مثلا أن كافة الصحف حتى اليمينية منها لم تكن مع الضربة؛ ما ترك ظلاله على البرلمان الذي صوت ضد قرار خارجي كما لم يفعل منذ أكثر من 200 عام، وفي سياق يتعلق بالتحالف مع أميركا الذي يُعد من الإستراتيجيات الثابتة في السياسة الخارجية البريطانية بصرف النظر عن هوية الزعيم في 10 دواننغ ستريت؛ أكان عماليا أم محافظا.
في سياق التطور الجديد في موقف أوباما ثمة سؤالان؛ الأول هو: لماذا طلب أوباما دعم الكونغرس في عملية قال إنها محدودة، ما يعني أنها لا تستحق ذلك (هو ليس مضطرا لطلب موافقة الكونغرس بحسب الدستور)، والثاني هو: هل يمكن أن يصوت الكونغرس ضد الضربة؛ ما يعني إلغاءها بالكامل؟
بالنسبة للسؤال الأول، يمكن القول: إن طلب أوباما دعم الكونغرس يبدو ناتجا في شق منه عن مخاوف تتعلق بمفاجآت غير محسوبة قد تضر به في حال ذهب من دون غطاء برلماني، أما الجانب الآخر فيبدو متعلقا بتفاهمات أو ضغوط من قبل الحلفاء المشاركين في الضربة، والذين لم يتفهموا التصريحات الأميركية حول رمزيتها ومحدوديتها، وفي المقدمة من هؤلاء تركيا التي ذهب رئيس وزرائها حد القول إنه “لا يجب أن تكون الضربة محدودة أو قصيرة، بل يجب أن تؤدي هدفها، وهو إسقاط النظام أو على الأقل تمهيد الظروف على الأرض؛ كي تستطيع المعارضة إسقاط النظام”.
أما الأطراف العربية المشاركة والممولة في آن، فهي لا تريد ضربة محدودة وحسب، بل تريد تغييرا في ميزان القوى يفضي إلى حل سياسي يقصي بشار الأسد، ويرتب لانتقال سلمي نحو نظام ينضم إلى منظومة الاعتدال العربية التي ناهضت الثورات، وبالتالي فالموقف هنا يبدو منسجما بين تركيا وبين تلك الدول، ربما لأن أولوية تركيا هي الحل السياسي، بصرف النظر عن هوية النظام التالي خوفا من التقسيم ونشوء دولة كردية، فضلا عن استمرار الاستنزاف، وربما لأنها تعول على أن الشق التالي من السيناريو يمكن التأثير فيه بهذا القدر أو ذاك.
يبقى الكيان الصهيوني كعنصر تأثير في العملية، وهو هنا يبدو رابحا في كل الأحوال، فلو بقي النظام وعادت لعبة الاستنزاف التقليدية سيكون رابحا، وإذا تم تغيير القوى تمهيدا لحل سياسي يأتي بنظام ينسجم مع منظومة الاعتدال العربية، فسيكون الأمر جيدا أيضا، لاسيما أنه سيدعم مسيرة الحل السياسي للقضية الفلسطينية، والتي تبدو مختلفة هذه المرة، بوجود مؤشرات على توصلها إلى حل مؤقت، وهو المرجح، أو دائم، وفي الحالين سيكون بمثابة تصفية للقضية بغطاء عربي.
من هنا، يمكن القول إنه ربما كان لطلب أوباما الغطاء من الكونغرس علاقة بتجاوز فكرة الضربة المحدودة إلى ضربة أكبر تغير ميزان القوى وتمهد لحل سياسي يقصي بشار والنواة الصلبة لحكمه، من دون أن تدفع البلد نحو فوضى يستفيد منها الجهاديون وتؤثر سلبا على الكيان الصهيوني، وعلى الدول المؤيدة للضربة وكذلك الدول الممولة.
بالنسبة للسؤال الثاني يمكن القول: إن من المستبعد أن يتكرر سيناريو بريطانيا، فالكونغرس سيؤيد الضربة على الأرجح لسبب بسيط هو أن اللوبي الصهيوني يؤيدها، وفي الملف الخارجي، والشرق أوسطي تحديدا لا يتورط غالبية أعضاء الكونغرس في مخالفة التوجهات الصهيونية، وإن قيل إن اللوبي الصهيوني لم يتدخل بقوة تبعا لوجود حساسيات بين نتنياهو وأوباما.
خلاصة القول هي إن الضربة قد تأجلت لبعض الوقت، لكنها لا تزال مؤكدة، وأقله شبه مؤكدة ما لم تحدث مفاجآت جديدة خارج الحساب كما هو حال تسوية مع بوتين في قمة بطرسبورغ، أما تطوراتها ونتائجها ومآلاتها فتبقى قصة أخرى كما هي حال معظم الحروب، لكننا في أي حال لا نزال على موقفنا الرافض لها من ناحية مبدئية تتعلق برفض التدخل الأجنبي، إلى جانب منطلقاتها التي لا صلة لها بالحرص على الشعب السوري، فضلا عن مصالح الأمة، ومن ضمنها القضية الفلسطينية، من دون أن يدفعنا ذلك إلى المزايدة على السوريين؛ الذين ينتظرونها أملا في أن تخلصهم من نظام مجرم ولغ في دمائهم حتى الثمالة.
(الدستور)