في ظل عودة التصعيد بالشيخ جراح.. ما هي السيناريوهات المتوقعة؟
من جديد تقفز الأحداث والمواجهات في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة بعدما نفذ عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف "إيتمار بن غفير" تهديده وافتتح مكتبا له بالحي بالإضافة لاقتحام عشرات المستوطنين، ما أدى إلى تجدد الاشتباكات بين السكان من جهة وجماعات اليمين الكهاني وقوات الاحتلال من جهة أخرى.
وتسعى سلطات الاحتلال لإنشاء تواصل جغرافي استيطاني والحدّ من الترابط الجغرافي الفلسطيني مع أسوار القدس القديمة من خلال تفريغ سكان الحي الذي يكتسب أهمية استراتيجية كونه ملاصق لحدود الرابع من يونيو عام 1967 من وجهة نظر الاحتلال.
ومنذ عام 1956، تقيم 27 عائلة فلسطينية في منازلها المهددة بالمصادرة في حي الشيخ جراح، بموجب اتفاق بين وكالة "أونروا" مع الحكومة الأردنية -التي كانت تحكم الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، قبل احتلالها عام 1967.
وتزعم جماعات استيطانية إسرائيلية أن المنازل الفلسطينية أقيمت على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهو ما ينفيه سكان الحي.
ورأى محللون مختصون بالشأن الفلسطيني والإسرائيلي أن احتمالات وصول هذه الأحداث لمواجهة مع المقاومة في قطاع غزة قائمة في حال وصول جهود نزع فتيل وصواعق الانفجار إلى نقطة اللاعودة واستنفاد كل السبل لردع المستوطنين وحكومتهم.
وأوضح هؤلاء في أحاديث منفصلة لـ "صفا" أن المقاومة في غزة استخلصت الدروس من معركة "سيف القدس" والتي كانت أحداث القدس والشيخ جراح سببا رئيسا فيها، وتفضل استنفاد كل السبل وأشكال المقاومة في ساحات أخرى قبل اللجوء لساحة غزة كجدار أخير.
سيف القدس حاضرة
الكاتب والمحلل وسام عفيفة ذكر لـ "صفا" أن آثار معركة "سيف القدس " حاضرة في المشهد وترجمته الأصوات الإسرائيلية من المستويات السياسية والعسكرية ومن الكتاب والمحللين بعدم السماح لجر حكومة "بينت" لمواجهة من أشخاص متطرفين مثل" بن غفير".
وقال عفيفة "واضح أن اليمين الإسرائيلي الكهاني والمتطرف "بن غفير" يعبثون ويناورون بمحاولات لا تتوقف لجر الحكومة الإسرائيلية من جهة والشعب الفلسطيني ومقاومته من جهة أخرى لمواجهات، ولولا ردع المقاومة في معركة سيف القدس والاستخلاصات لكانت المحاولات أكبر مما يجري الآن" .
وأضاف "الاحتلال يحاول الالتفاف على الالتزامات التي قطعها للوسطاء بعد معركة سيف القدس لسحب فتيل الانفجار في القدس وحي الشيخ جراح عن طريق محاولات قضائية وتمرير قرارات على المدى البعيد ومن ضمن هذه المحاولات الترغيب والترهيب لأهالي الحي".
ووفق تقدير الموقف للكاتب والمحلل عفيفة والذي يقع من شقين، أولهما أن سلطات الاحتلال مصرة على تنفيذ أطماعها في القدس المحتلة ولا سيما في حي الشيخ جراح، ولكن المقاومة تقف رادعا أمام هذه الأطماع.
ونوه إلى أن المقاومة في غزة تدرس وترصد المشهد باتجاهين، الأول استنفاذ كافة الوسائل وأشكال المقاومة الشعبية المختلفة وإتاحة الفرصة للمقاومة الشعبية وقدرة المقدسيين على تثبيت حقهم ولفت الأنظار لهذه القضية على أكثر من مستوى بالإضافة لإعطاء فرصة للمقاومة في ساحات أخرى مثل الضفة الغربية في ظل توسع خارطة المقاومة.
أما المشهد الثاني وفق عفيفة، أن المقاومة شددت أنها على جهوزية واستعداد للدفاع عن مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني، لكنها تضع مقدراتها في جبهة غزة تحديدا خلف المقاومة في القدس والضفة الغربية وال 48 باعتبارها جدار يستند إليه الجميع في آخر مرحلة .
ولفت إلى أن من مصلحة المقاومة أن تقوم كل الساحات بأدوارها وقدراتها وفق الظروف المتاحة وخصوصية كل منطقة.
وتعتقد دوائر أمنية وعسكرية إسرائيلية أن استمرار التوتر والمواجهات في حي الشيخ جراح في القدس لن يساهم في استمرار الاستقرار الأمني على جبهة قطاع غزة والذي استمر على مدار 9 أشهر ماضية.
ومع ذلك، ترى محافل أمنية إسرائيلية أنه من السابق لأوانه الحديث عن تصعيد قريب مع غزة وأن حركة حماس تفضل المحافظة على الهدوء في هذه الفترة لأسباب خاصة بها ومن بينها ترميم قدراتها العسكرية وزيادة دقة الصواريخ وترميم الانفاق وزيادة التسلح.
وقالت صحيفة "معاريف" العبرية إن الاحتلال يأخذ تهديدات حماس بخصوص أحداث الشيخ جراح على محمل الجد حيث يسود الاعتقاد بأن تدهوراً إضافيا على الأوضاع في الشيخ جراح يستوجب الاستعداد لسيناريو تصعيد مع غزة.
المواجهة مع غزة قائمة..ولكن
ويتفق الباحث والمختص بالشأن الإسرائيلي أليف الصباغ خلال حديثه لـ "صفا" مع ما قاله الكاتب عفيفة بأن لدى اليمين الإسرائيلي مصلحة في توتير الأجواء في القدس وفي الشيخ جراح تحديدا في ظل الدعم المتواصل من الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ولم يستبعد أن تصل الأمور لمواجهة عسكرية مع المقاومة في غزة كخيار أخير في ظل التعنت الإسرائيلي واستخدام الوسطاء لتحييد جبهة غزة عما يجري بالقدس والشيخ جراح.
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين بأن تدعم توجهات بن غفير وزمرته أو تقوم بجهود للتهدئة مؤقتا عن طريق الوسطاء حتى لا تتحول هذه الأحداث لمواجهة موسعة مع المقاومة في غزة.
وأضاف " في المقابل، ليس أمام الفلسطينيين سوى الصمود والمقاومة بشتى السبل وفي مقدمتها المقاومة الشعبية رغم ضعف الرد الرسمي من قبل السلطة والتطبيع العربي الذي يضعف الموقف الفلسطيني.
ورأى الباحث الصباغ أن الالتفاف الشعبي مع أهالي الشيخ جراح هو الذي سيوقف تطرف الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها.
وتابع " المقاومة في غزة استخلصت الدروس خلال المواجهة الأخيرة ولا يجوز اقحامها في عملية عسكرية إلا بعد استنفاذ كل الخيارات، وعلى الجماهير الفلسطينية أن تأخذ دورها لأقصى مدى لتجنيد رأي عام دولي وعربي داعم".
وختم " في المرة السابقة كانت المقاومة في غزة سريعة الرد وربما هذه المرة ستعطي فرصة لأنواع أخرى من وسائل الضغط على الاحتلال للتراجع، ولكن لا يمكن إيقاف الاستيطان وتغول المستوطنين دون رادع قوي" .