لا أطعمهم من جوع ولا آمنهم من خوف!
الفوضى غير الخلاقة التي يعيشها العرب هذه الأيام، تستفز النخب والشارع على حد سواء للبحث عن بديل لكل ما هو موجود، بعد أن استقر في الذهن ان البنية الحالية فقدت شرعيتها القائمة على ذراعي المعادلة «الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، فهذا النظام العربي بمجمله لم يعد قادراً على تأمين لقمة الخبز الكريمة لأبنائه، رغم المليارات الهائلة التي تدفقت على خزائن دوله، ان من باطن الأرض او من المساعدات الخارجية، او من جيوب المقهورين والغلابى الذين يدفعون تقريبا ثلثي ناتج عرقهم وكدهم - ان وجدوا عملا! - لخزينة الدولة، اي دولة، ثم لا يحصلون الا على منّ متواصل وإذلال وقمع وتكميم أفواه وإرهاب وإرعاب رسمييْن، حتى ان المواطن العادي المقهور يحمد الله صبحا ومساء على انه لم يزل على قيد الحياة، بل بات يشعر بامتنان ان الدولة تأخذ - فقط! - ماله وكده، ولا تأخذ روحه، وغدا مضطراً لمسامحتها بكرامته وكبريائه وإحدى رئتيه، مقابل شيء من الحياة التي تشبه حياة الديدان والخراف وبقية الزواحف على بطونها!
أما الأمن، فمع مشاهد القتل اليومي المبرمج المدعوم بالتواطؤ والتآمر واللامبالاة في غير ساحة عربية، ناهيك عن ساحة الاحتلال الصهيوني، أصبح المواطن العربي يتحسس رقبته ويضم أولاده إلى صدره مخافة أن تمتد أيدي القتل «الأخوي» أو الغريب لهم ذات يوم، النظام العربي الحالي، لم يوفر لمواطنيه خبزا ولا أمنا، بل انه يقتات على خوفهم وجوعهم ويستمد من آلامهم قوته وسطوته، وبحجة تأمين «الخبز والأمن» ذاتها سلبهم كرامتهم وكبرياءهم، وفرض عليهم «اللعب» في ساحته وفق معادلته فقط!!
ان الطبيعة المطلقة تقبل مبدأ المقايضة والتبادل، لكنها غير مستعدة للتعايش مع حالة الاستلاب الشامل، بمعنى ان الكائن البشري مستعد للتنازل عن أشياء مقابل أشياء أخرى، يعني لسان حاله يمكن ان يقول: خذوا عني القرارات واتخذوا ما تشاءون من تدابير، لكن وفروا لي رغيف الخبز، أما ان يؤخذ منه كل شيء بلا استثناء ولا يُعطى شيئا، فهذا وضع شاذ غير مستقر لا يمكن أن يستمر، وستنشأ جراءة حالة بحث عن بدائل حتى ولو كانت غير مناسبة تماما، وربما تكون حالة الربيع العربي التي تعيش حالة مد وجز، هي ما سيُفضي إلى المشهد الختامي، والذي سيكون بالتأكيد لصالح الغلابى، ولكن بعد دفع ثمن باهظ وضخم!
(الدستور)