أبواق النظام السوري وحلفاؤه بين التهديد والاستجداء
ياسر الزعاترة
جو 24 : من الصعب إحصاء التصريحات التي صدرت عن أركان النظام السوري وحلفائه الخارجيين خلال الأيام الماضية منذ اتضاح العزم على توجيه ضربة عسكرية إليه، إذا أنها من الكثرة بحيث يصعب التوقف عندها، بدءا بتصريحات بشار الأسد نفسه، وليس انتهاء بتصريحات أو تسريبات لعدد لا يحصى من السياسيين العاملين معه، ومن التحالف الواسع الذي يتشكل من إيران والعراق وعدد من المنظمات التابعة.
على أنه بالإمكان وضع تلك التصريحات ضمن خانتين اثنتين، أولاهما تلك التي تؤكد على القوة والصمود والقدرة على هزيمة العدوان، والأخرى تلك التي تميل إلى لغة الاستجداء والمناشدات، بل حتى التذلل في بعض الأحيان.
بشار الأسد كان ممن راوحوا بين الخانتين؛ بين إظهار القوة والتهديد، وبين الاستجداء، فقد بعث برسائل عديدة في تصريحات شتى تؤكد أن سوريا (النظام هو سوريا بطبيعة الحال) لن تركع، وهي قادرة على صد العدوان، وبين التهديد بتداعيات إقليمية واسعة النطاق للضربة.
تحدث عن أمريكا و فرنسا، و بريطانيا، ووجه رسائل عديدة إلى تلك الدول بأن عليها ألا تتورط بدعم الإرهاب “القاعدي” من خلال العدوان على سوريا، وفي ذات الوقت الذي لوّح فيه بتداعيات واسعة للضربة لوّح بردود فعل المناصرين والحلفاء.
وفي حين لم يذكر الكيان الصهيوني مباشرة في سياق التهديد، إلا أن كلامه كان واضحا في السياق، لاسيما أنه لا يحتاج لذلك من الناحية العملية، في ظل تولي آخرين المهمة، ولم ينس في ذات السياق أن يؤكد مرارا وتكرارا بأن نظامه لم يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
آخرون من أركان النظام تولوا مهمة التلويح بالقوة والتأكيد على الصمود، ولو أدى ذلك إلى “حرب عالمية ثالثة”، كما ذهب فيصل المقداد، وقبله وليد المعلم الذي أيضا اتخذ نبرة قوة في بعض تصريحاته، وإن وزع رسائل في كل الاتجاهات، ومن مختلف الأشكال.
في المقابل رأينا آخرين يفعلون العكس، فهذا برلمان بشار المسمى مجلس الشعب يرسل الرسائل في كل الاتجاهات مطالبا بعدم تأييد الضربة، للبرلمان البريطاني قبل تصويته على قرار المشاركة، والبرلمان الفرنسي، والكونغرس الأمريكي أيضا، ودائما بلغة أقرب إلى الاستجداء.
بشار الجعفري، مندوب النظام المعروف في الأمم المتحدة، كان الأكثر وضوحا على صعيد لغة الاستجداء والمسكنة؛ هو الذي اشتهر بلغته المتغطرسة في التعاطي مع الآخرين، فقد قال في حوار مع شبكة سي أن أن مخاطبا الرأي العام الأمريكي، وربما الكونغرس كما هو واضح: “نحن لم نعلن الحرب على الولايات المتحدة أو على أي من جيراننا. نحن لسنا دعاة حرب بل دولة صغيرة ومسالمة. ولا ندعي أننا على قدر من القوة تكفي لمواجهة الجيش الأمريكي”. ووصل به الحال حد تقديم ما يشبه الاعتذار بالقول “كل ما يمكننا قوله: نعم لدينا أزمة داخلية. نعم وقع ظلم وأخطاء في الماضي. ونحن بحاجة إلى تصحيح ذلك”.
على صعيد الحلفاء كان الأمر مشابها إلى حد كبير، فقد رأينا أحيانا لغة الغطرسة، فيما رأينا لغة التهدئة والإقناع أيضا، وظهرت الأخيرة أحيانا في تصريحات عدد كبير من الدبلوماسيين الإيرانيين، والذين رفضوا فكرة أن يكون النظام قد استخدم الكيماوي (رفسنجاني هو الوحيد الذي قال عكس ذلك، الأمر الذي يؤيده فيه قطاع عريض من شعب إيران، كما قال محللون إصلاحيون لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية)، كما رفضوا الحرب ولوحوا بالرد، وبكارثة ستحل بالمنطقة في حال هوجمت سوريا.
وزير الدفاع الإيراني قال إن جيش سوريا قادر على صد العدوان دون معدات جديدة، لأن لديه ما يكفي، فيما أعلن نواب البرلمان أنهم جاهزون لـ”بذل الأرواح للوقوف بجانب الأشقاء السوريين الذين يواجهون محور الكفر والظلم”. وضمن السياق ذاته تحدث خامنئي وقاسم سليماني بلغة فيها بعض التهديد المبطن. أما المالكي فقدم مبادرة من ثماني نقاط تثير السخرية لحل الأزمة السورية، فقد اكتفى حزب الله بتسريبات من خلال صحيفة الأخبار التابعة له تؤكد أنه جهَّز مقاتليه ونصب صواريه استعدادا للمواجهة.
لا حاجة للتعرض للمواقف الروسية التي راوحت أيضا ضمن ذات الخانتين (لم يشرب لافروف حليب السباع كعادته)، وصولا إلى قول بوتين إنه سيوافق على عمل عسكري ضد النظام السوري من خلال الأمم المتحدة إذا ثبت استخدامه للكيماوي بشكل “قطعي”.
أما ألأكثر إثارة للسخرية، فيتمثل في تلك التصريحات التي يستحيل حصرها لشبيحة النظام الخارجيين، وهؤلاء كانوا في ذروة استعدادهم للحرب وثقتهم في كسبها وهزيمة الولايات المتحدة، ما دفع كثيرين إلى القول تبعا لذلك إن على هؤلاء أن يرحبوا بالضربة العسكرية تبعا لقناعاتهم، لا أن يرفضوها لأن نتيجتها هي انتصار عظيم للنظام يحل مشكلته، وهزيمة للإمبريالية والصهيونية في ذات الوقت!!
كل ما سبق ذكره لا يعكس غير شيء واحد في واضع الحال، إلا وهو ارتباك النظام وحلفائه، فمن يكثر التهديد إنما يعكس خوفه الشديد، فكيف حين يشفع ذلك بقدر من الاستجداء أحيانا؟!
لا أحد بوسعه التنبؤ بنتيجة المواجهة إذا وقعت، لكننا نعلم أن نوايا أمريكا ليست لصالح الشعب السوري، وهو ما يجعلنا أكثر رفضا لها، فضلا عن البعد المبدأي الرافض للتدخل الأجنبي، لكننا نكرر أن ذلك شيئا، والمزايدة على الشعب المطحون الذي يطلبها ويأمل أن تشكل سفينة إنقاذ له شيء آخر، لأن المزايدة عليه (غالبيته في أقل تقدير) لا يمكن أن تمت إلى الأخلاق بصلة.
(الدستور)
على أنه بالإمكان وضع تلك التصريحات ضمن خانتين اثنتين، أولاهما تلك التي تؤكد على القوة والصمود والقدرة على هزيمة العدوان، والأخرى تلك التي تميل إلى لغة الاستجداء والمناشدات، بل حتى التذلل في بعض الأحيان.
بشار الأسد كان ممن راوحوا بين الخانتين؛ بين إظهار القوة والتهديد، وبين الاستجداء، فقد بعث برسائل عديدة في تصريحات شتى تؤكد أن سوريا (النظام هو سوريا بطبيعة الحال) لن تركع، وهي قادرة على صد العدوان، وبين التهديد بتداعيات إقليمية واسعة النطاق للضربة.
تحدث عن أمريكا و فرنسا، و بريطانيا، ووجه رسائل عديدة إلى تلك الدول بأن عليها ألا تتورط بدعم الإرهاب “القاعدي” من خلال العدوان على سوريا، وفي ذات الوقت الذي لوّح فيه بتداعيات واسعة للضربة لوّح بردود فعل المناصرين والحلفاء.
وفي حين لم يذكر الكيان الصهيوني مباشرة في سياق التهديد، إلا أن كلامه كان واضحا في السياق، لاسيما أنه لا يحتاج لذلك من الناحية العملية، في ظل تولي آخرين المهمة، ولم ينس في ذات السياق أن يؤكد مرارا وتكرارا بأن نظامه لم يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
آخرون من أركان النظام تولوا مهمة التلويح بالقوة والتأكيد على الصمود، ولو أدى ذلك إلى “حرب عالمية ثالثة”، كما ذهب فيصل المقداد، وقبله وليد المعلم الذي أيضا اتخذ نبرة قوة في بعض تصريحاته، وإن وزع رسائل في كل الاتجاهات، ومن مختلف الأشكال.
في المقابل رأينا آخرين يفعلون العكس، فهذا برلمان بشار المسمى مجلس الشعب يرسل الرسائل في كل الاتجاهات مطالبا بعدم تأييد الضربة، للبرلمان البريطاني قبل تصويته على قرار المشاركة، والبرلمان الفرنسي، والكونغرس الأمريكي أيضا، ودائما بلغة أقرب إلى الاستجداء.
بشار الجعفري، مندوب النظام المعروف في الأمم المتحدة، كان الأكثر وضوحا على صعيد لغة الاستجداء والمسكنة؛ هو الذي اشتهر بلغته المتغطرسة في التعاطي مع الآخرين، فقد قال في حوار مع شبكة سي أن أن مخاطبا الرأي العام الأمريكي، وربما الكونغرس كما هو واضح: “نحن لم نعلن الحرب على الولايات المتحدة أو على أي من جيراننا. نحن لسنا دعاة حرب بل دولة صغيرة ومسالمة. ولا ندعي أننا على قدر من القوة تكفي لمواجهة الجيش الأمريكي”. ووصل به الحال حد تقديم ما يشبه الاعتذار بالقول “كل ما يمكننا قوله: نعم لدينا أزمة داخلية. نعم وقع ظلم وأخطاء في الماضي. ونحن بحاجة إلى تصحيح ذلك”.
على صعيد الحلفاء كان الأمر مشابها إلى حد كبير، فقد رأينا أحيانا لغة الغطرسة، فيما رأينا لغة التهدئة والإقناع أيضا، وظهرت الأخيرة أحيانا في تصريحات عدد كبير من الدبلوماسيين الإيرانيين، والذين رفضوا فكرة أن يكون النظام قد استخدم الكيماوي (رفسنجاني هو الوحيد الذي قال عكس ذلك، الأمر الذي يؤيده فيه قطاع عريض من شعب إيران، كما قال محللون إصلاحيون لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية)، كما رفضوا الحرب ولوحوا بالرد، وبكارثة ستحل بالمنطقة في حال هوجمت سوريا.
وزير الدفاع الإيراني قال إن جيش سوريا قادر على صد العدوان دون معدات جديدة، لأن لديه ما يكفي، فيما أعلن نواب البرلمان أنهم جاهزون لـ”بذل الأرواح للوقوف بجانب الأشقاء السوريين الذين يواجهون محور الكفر والظلم”. وضمن السياق ذاته تحدث خامنئي وقاسم سليماني بلغة فيها بعض التهديد المبطن. أما المالكي فقدم مبادرة من ثماني نقاط تثير السخرية لحل الأزمة السورية، فقد اكتفى حزب الله بتسريبات من خلال صحيفة الأخبار التابعة له تؤكد أنه جهَّز مقاتليه ونصب صواريه استعدادا للمواجهة.
لا حاجة للتعرض للمواقف الروسية التي راوحت أيضا ضمن ذات الخانتين (لم يشرب لافروف حليب السباع كعادته)، وصولا إلى قول بوتين إنه سيوافق على عمل عسكري ضد النظام السوري من خلال الأمم المتحدة إذا ثبت استخدامه للكيماوي بشكل “قطعي”.
أما ألأكثر إثارة للسخرية، فيتمثل في تلك التصريحات التي يستحيل حصرها لشبيحة النظام الخارجيين، وهؤلاء كانوا في ذروة استعدادهم للحرب وثقتهم في كسبها وهزيمة الولايات المتحدة، ما دفع كثيرين إلى القول تبعا لذلك إن على هؤلاء أن يرحبوا بالضربة العسكرية تبعا لقناعاتهم، لا أن يرفضوها لأن نتيجتها هي انتصار عظيم للنظام يحل مشكلته، وهزيمة للإمبريالية والصهيونية في ذات الوقت!!
كل ما سبق ذكره لا يعكس غير شيء واحد في واضع الحال، إلا وهو ارتباك النظام وحلفائه، فمن يكثر التهديد إنما يعكس خوفه الشديد، فكيف حين يشفع ذلك بقدر من الاستجداء أحيانا؟!
لا أحد بوسعه التنبؤ بنتيجة المواجهة إذا وقعت، لكننا نعلم أن نوايا أمريكا ليست لصالح الشعب السوري، وهو ما يجعلنا أكثر رفضا لها، فضلا عن البعد المبدأي الرافض للتدخل الأجنبي، لكننا نكرر أن ذلك شيئا، والمزايدة على الشعب المطحون الذي يطلبها ويأمل أن تشكل سفينة إنقاذ له شيء آخر، لأن المزايدة عليه (غالبيته في أقل تقدير) لا يمكن أن تمت إلى الأخلاق بصلة.
(الدستور)