إعادة إنتاج الهزائم
عمر منصور
جو 24 :
ما الذي يجعل من الشعوب العربية شعوبا معدومي التقدم و التنمية في دولهم الممزقة ؟؟ ما الذي أعاد اليابان و ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بمعجزة اقتصادية إلى قمة الهرم الكوني الحديث في بضع سنوات ؟؟ ما الذي جعل الصينيين يغيرون واقعهم من دولة المخدرات الأولى و الشعب المغيب في أربعينيات القرن الماضي إلى الدولة الأولى اقتصاديا في العالم ؟؟ هل ما مارسه الاستعمار على الشعوب العربية جعل من النهوض خطوة مستحيلة لا يمكن حدوثها، أم أن المشكلة هي بين شقي الممارسة السلطوية والمعارضة او عالم الأفكار الخاص بنا كشعوب ؟
خلال المئة عام الماضية، حاول الكثير من المفكرين قراءة الواقع السياسي و الحضاري للأمة العربية و إمكانية إعادة إنتاج ذاتها و عبورها للعصر بالوسائل المتاحة و الممكنة، كما طبعت آلاف الكتب التي تتحدث عن النهضة وطبيعة الصراع الكوني و الأدوات اللازمة للتغيير، و أسباب التراجع المستمر بين الانهيار الفكري والانزلاق الحضاري
. عشرات الحلول طرحت للخروج من هذا المأزق و للإجابة على السؤال الأهم مرحليا؛ ما المطلوب من أجل التغيير ؟
كانت الشعوب في العصور ما بعد الوسطى تتجه للثورات في لحظات تاريخية معينة لإحداث التغيير السياسي "المجهول" لاسيما أن الجماهير ليست من سيرسم المسار السياسي الجديد ، لكن طالما انه يتأتى بعد الثورة فهو قطعا سيكون أفضل من الواقع الذي يفرضه الكمبرادور المستبد .
الانزلاق المختلف زمنيا و الذي دخلته الشعوب العربية بعد الربيع العربي الجاف هو تآكل لفرص حصول لحظة تاريخية قادمة- غير مدروسة من قبل المجموعات الحاكمة التي تعلمت من أخطاء الأنظمة التي تهاوت أثناء الثورات المختلفة- ؛كل الخطوات الثورية العربية كانت كسر لقشرة الحكم فقط والإبقاء على بذوره بالداخل "دون قصد" لتعود بذور النظام السابق بشراسة وغل لخنق الحريات ومصادرة الأدوات التي كانت تمتلكها الشعوب حتى لا تستطيع ضرب الكرة من جديد, و الكارثة الأكبر إفقاد القواعد الشعبية زخم التحرك القادم بفعل السلوك البوليسي و الشمولي الذي تنتهجه بذور النخبة الحاكمة "التي اسقط راسها" كردة فعل طبيعية.
. الركود والتسارع نحو الركود جزئيتان أساسيتان كانتا عنوانا واضحا لخريطة الفعل السياسي الحقيقي للمنطقة العربية حتى بعد مرحلة الربيع العربي الذي تدافعت نحوه الشعوب توقا لإحداث التغيير في الواقع المكلوم
ما يمكن الحديث عنه هو أن السلوك السياسي الذي تقوده النخب الجادة والذي يؤدي إلى الاصطدام بالواقع المعاصر يكسر أي محاولة لتمرير أي تأثير إصلاحي حقيقي يعود على الأمة العربية بخير على كذلك يبدو ان هناك مشكلة ما بطريقة تعاملنا مع مفهوم "النخبة" أي ان النخب التي تصدر الان على انها واجهة العمل السياسي هي ملحق ذيلي دائم بالسلطة في الوطن العربي بشكل عام اما المعارضة فتتحرك من باب "ردة الفعل"على ممارسات السلطة وهو ايضا التحاق من نوع اخر.
، ومن ناحية أخرى المسار التاريخي و الشروط التي خلقها الاستعمار ومن بعده المجموعات الحاكمة كانت كفيلة باغتيال اية امكانية لنشوء تنظيمات بشرية شعبية قادرة على التغيير واقدمت على وأد اي تحرك شعبي طامح بالصعود, أي أن المشكلة تكمن وبشكل جوهري في جزئي المعادلة التاريخي السلطوي و الفكري النخبوي".
اليوم ما زالت الشعوب العربية تدفع أثمانا باهظة لمحاولات أثبتت فشلها سابقا وتم تجربتها دون أي تغيير يذكر ,باعتقادي ان ما أورثته النخب التي تقود المجتمعات إلى الأجيال خلال المئة عام الماضية من خيبات وسقطات متتالية و هزائم فكرية و ارتجاف بالخطى عدا عن الوقوف و تحويل كل هذه التجارب إلى خبرات حقيقية للقفز عن المحسوم والعمل ضمن المأمول كانت سببا مباشرا في الحتمية الذهنية التي وصلت لاذهان الشعوب حول الرضوخ للواقع و"قبول الهزيمة" .
. وإرهاصات هذا التعثر يضيق الخناق على الجيل الجديد ويعدم أي خيارات أخرى للنهوض ، فيعيد نفس الأخطاء و بنفس النتائج لمئة عام قادمة ,
تبددت قاعدة في العلوم السياسية من أذهان الجميع تبدو كطرف خيط في المعادلة تقول اذا لم تستطع تغيير النخبة المعطلة" السلطة" حاول تغيير الشروط التي من خلالها يمكن
خلق نخبة موازية تصل للواجهة بشكل طبيعي و تستطيع إحداث التغيير ونقل العمل من الاشتباك العدمي الى محاولة إعادة النظر بإمكانية دفع المجتمعات لانتاج بدائل من القشرة حتى النخاع.
ما زالت الحركات الوطنية السياسية من التيارت الاسلامية و اليسارية في عالمنا العربي تعتبر الايدلوجيا واحدة من الأرجل الأربعة لطاولة التفكير والحيثيات التي تنطلق منها قراراتها رغم ان كل المؤشرات تدعوا بانهيار هذه المنظومة كورقة رابحة في أي تحرك سياسي تم خوضه سابقا ,لذلك
. الدعوة منذ عدة سنوات إلى إعادة الحسابات و المراجعات و تعديل السلوك ابتداء من القواعد الفكرية و المنهجية الدافعة لخطوات الفعل السياسي لدى بعض التنظيمات السياسية، وتحرك ثلة أخرى نحو البناء البعيد والبرامجية " الانفصالية الفكرية" عن الأحزاب التي تحركها الأيدولوجيا هي مجسات امتلكها البعض بدأت تلتقط المسار الذي ينادي به الحداثييون منذ زمن.
لذلك كل المؤشرات تقول بأن طريق الثورات العربية مسدود في هذه المرحلة تحديدا، والانتظار حتى تأتي فرصة أخرى للتغيير القسري هو مزيد من الرضوخ و الاضمحلال
ليس أمام النخب السياسية إلا الاعتراف بطبيعة الصراع الحالي ومحاولة فهم المرحلة بشكلها الكوني بعيدا عن مسألة توقيت زوال الكيان الصهيوني والأيدلوجيات المزمنة وإعادة التخاطب مع المجتمعات لجذبها بعيدا عن خلق الشروخ الطولية واعادة تموضع جديد مع الأنظمة السياسية الحاكمة نجعل فيه الشعوب راس الصراع و ليس ذيله والعمل حسب ما يسميه الماركسييون "الوعي الطبقي" نحو الجماهير بانضاج وعي الناس بموقعهم من منظومة الاضطهاد و الفساد و التسلط و القمع
. كذلك العمل على إحلال نخبة موازية للصعود بشكل طبيعي لإحداث التوازن بين المحسوم والمأمول، وتجديد الفرص وبناء التحالفات بشكل يوائم المصالح، و إعادة النظر بشكل المشروع الذي نريد بإسقاطات واقعية زمنيا و وضع جدول أهداف صلبة ومدببة يكون رأسها إنشاء مجتمع مدني حر وبين هذا وذاك يأتي دور "التنظيم" الذي سيحول النضال السياسي إلى مكاسب سياسية حقيقية.