سيادة القانون واحترام الحقوق والحريات ليست في وارد الطبقة الحاكمة
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية -
بينما يتنامى الحديث الرسمي اليوم عن دولة المؤسسات والقانون، ويتواصل الترويج لتحديث المنظومة السياسية والحياة الحزبية، لا تجد حكومة الدكتور بشر الخصاونة غضاضة من الزجّ بأصحاب الرأي من الأردنيين في السجون دون أن ترتعش يدها أو يرفّ جفنها، وذلك في ممارسة لا تتسق مع كل تلك المزاعم الرسمية..
تخيّلوا أن دولة تتغنى بكونها دولة مؤسسات وقانون، وأنها تدخل المئوية الثانية وأنها مقبلة على مرحلة اصلاحية وانفتاح سياسي، ثمّ تسمح لمسؤول إداري فيها أن يسجن مواطنا لرغبة جهة ما ودون تهمة، ودون أن يسأله أحد لماذا أو كيف أو متى! كيف تسمح دولة بهذا ثمّ تطلب من الناس أن يؤمنوا بها وبمؤسساتها؟!
يذهب البعض لتبرير التوقيف الاداري بالقول إنها صلاحية ممنوحة للحاكم الاداري وفق قانون منع الجرائم، وهذا غير صحيح، لا يوجد قانون في الدنيا يعطي أيّ جهة الحقّ في أن تسجن شخصا دون سبب، لا يجوز لأي جهة أو سلطة أو فرد أن يكون له صلاحية مطلقة باعتقال شخص وحجز حريته، ليس لهذا الأمر وُضعت القوانين، وليس لهذا قام العقد الاجتماعي؛ العقد الاجتماعي لم يُبح الحبس والاعتداء على حريات الناس وحقوقها دون سبب ولم يأت لهذا، بل من أجل حماية الحقوق وضمان الحريات وتنظيم العلاقة بين السلطة والشعب، وما يجري اليوم يجب أن يتوقف قبل أن ينهار الايمان بالدولة ومؤسساتها..
يجب أن يعرف المسؤول الذي يتخذ مثل هذه القرارات معتقدا بأنه يخدم الدولة أو نفسه بأنه مخطئ؛ هو لا يقدّم خدمة لا للدولة ولا لنفسه، بل إنه الخاسر الأكبر. وسيصبح في وقت من الأوقات عبئا على السلطة. ويجب أن تعرف مراكز صنع القرار أن صمتها على بعض الممارسات ليس في مصلحة الدولة على الاطلاق.
اليوم، نتحدث عن تسعة ناشطين في الحراك الشعبي ينتظرون قرار محافظ العاصمة بالافراج عنهم بعد توقيفهم اداريا بالرغم من قرار المحكمة اخلاء سبيلهم قبل نحو ثلاثة أسابيع، فيما لم يصدر عن الحكومة أي ردّة فعل على المطالبات الواسعة بالإفراج عنهم..
وفي السياق، دخل ثلاثة من المعتقلين الموقوفين اداريا اضرابا عن الطعام رفضا لاستمرار توقيفهم. ولكنّ ذلك لم يدفع الحكومة لإعادة النظر بقرار التوقيف الاداري غير الدستوري أو حتى الطلب من المحافظ تبرير ذلك القرار أمام الرأي العام!
أيضا، يستمرّ اعتصام للمتعطلين عن العمل في ذيبان منذ أكثر من خمسة أشهر، وآخر في الطفيلة منذ ما يزيد على الشهر، وثالث في محافظة الكرك منذ عشرة أيام، بالاضافة إلى اعتصام متعطلين عن العمل في محافظة معان.. وأيضا دون أيّ ردّة فعل حكومية.. بل إن التفاعل مع تلك الاعتصامات يقتصر على قمعها بالقوة لدى قيام أحد المشاركين بتحويل الفعالية إلى مسيرة نحو العاصمة عمان.
صحيح أن لدى الأردنيين مشكلة مع تلك الممارسات الرسمية، وقد عبّروا عنها مرارا في الشارع وعبر منصّات التواصل الاجتماعي والعواصف الإلكترونية، إلا أن المشكلة الأكبر هي في "التطنيش" الحكومي لكلّ هذه الملفّات! وكأن الأمر يحدث في دولة أخرى وليس في الأردن.
نعلم جيّدا أن الحكومة في حرج شديد من تناقضها أمام الشارع؛ هي تتحدث عن الاصلاح السياسي وحياة حزبية بينما تضيّق على الأحزاب وتعتقل الناشطين المطالبين بالاصلاح الحقيقي، وتتحدث عن خطوات وقرارات اقتصادية من شأنها احداث فارق في ملفّ البطالة والتشغيل لكنّ احتجاجات المتعطلين عن العمل في تزايد مستمرّ، تماما كما أنها تندد بممارسات الاحتلال وتعقد مزيدا من الاتفاقيات معه، والحقيقة أن الأردنيين لا يطلبون من الحكومة الكثير في هذا السياق، عليها فقط أن تتوقف عن الزجّ بأصحاب الرأي في السجون وتفرج عن المعتقلين السياسيين، وأن تستمع إلى شكاوى المتعطلين عن العمل وتحلّ مشاكلهم، وأن توقف العمل بالاتفاقيات مع الكيان الصهيوني.. ليس أكثر من ذلك أو أقل..