كيف ستواجه دول الخليج تحدي تحول الطاقة وتغير الخريطة النفطية؟
جو 24 : اماني مبارك -تواجه دول الخليج باعتبارها أحد أهم مراكز إنتاج النفط والغاز، تحدي التكيف مع المشهد الجديد والمتقلب في مجال الطاقة، جراء تقلبات الطلب والظروف الجيوستراتيجية المضطربة بسبب الحرب والعقوبات. بالإضافة إلى التخوف المستمر من وصول موارد جديدة إلى السوق. ومن ثم فأن التحدي الكبير لهذه البلدان، التي يعتمد فيها السلم الاجتماعي على استهلاك غير محدود للطاقات المدعومة، يتجلى في خفض وتيرة الاستهلاك، وتطوير طاقات بديلة، من أجل حفظ المحروقات التقليدية للتصدير. هذا بخلاف ارتباط مجال الوقود بسياسات جديدة متعلقة بخفض الانبعاثات الحرارية وحماية كوكب الأرض من التغير المناخي والاحتباس الحراري.
كل هذه المستجدات جعلت دول الخليج التي لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوقود الأحفوري في الإنفاق الحكومي، لاتخاذ خطوات جديدة وفاعلة لمحاولة تنويع اقتصاداتها بالسياحة والترفيه والدخول في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. حيث تقود السعودية والإمارات جهودًا حثيثة لجذب الاستثمار في صناعات جديدة. ومع ذلك، يأتي أكثر من نصف عائدات السعودية من النفط، مع توقعات بأرباح تقدر بنحو 150 مليار دولار هذا العام وحده بعد ارتفاع الأسعار إلى 85 دولارًا للبرميل.. فهل تشكل مسارات تحول الطاقة تهديدًا لدول الخليج؟ وما هي خياراتها لمواجهة هذه التحديات في مجال الطاقة؟
تغيرات سياسية وبيئية تفرض أوضاعًا جديدة
تبدو آثار هذه التحولات كبيرة اليوم، فاستقرار هذه الدول، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، على المحك. هذا بالإضافة إلى قدرتها على أن تظل جهات فاعلة رئيسة في نظام الطاقة العالمي؛ إذ تحتاج سياسات الطاقات بحسب الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكل بلد، إلى ترجمة الطموحات إلى إجراءات عملية سريعة في مجال الطاقة.
حيث يقوم الاستقرار السياسي لدول الخليج الست ـ السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان - على أرباحها من مبيعات الوقود الأحفوري.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، فأن دول الخليج العربية أمام سيناريوهين شديدا الصعوبة، بسبب توقعات انخفاض الإقبال على الوقود الأحفوري ما يهدد استقرارها الاقتصادي. كما قد يؤدي ارتفاع حرارة الأرض لجعل هذه الدول غير صالحة لعيش البشر.
فالأمر لا يتعلق فقط بالتغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي تشهدها المنطقة جراء التحولات بالمشهد العالمي، بل أيضًا هناك شق يتعلق بالبيئة ومخاطر الاحتباس الحراري. فوفق السيناريو الأول، سيتوقف العالم يوماً ما عن حرق الوقود الأحفوري من أجل خفض الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو الأمر الذي سيهز أساس اقتصادات تلك الدول بقوة. ومن ناحية أخرى، تستمر درجات الحرارة حول العالم في الارتفاع، مما سيؤدي إلى جعل الكثير من تضاريس الخليج - شديدة الحرارة بالفعل - غير صالحة لعيش البشر.
ومن ثم تعهد قادة دول الخليج في أكتوبر الماضي في قمة كوب 26 بـ انبعاثات "صفرية" - لتكون هذه البلدان جزءًا من صناعة الطاقة النظيفة التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات. حيث تعهدت الإمارات بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050 واستثمار ما يصل إلى 160 مليار دولار في حقول الطاقة النظيفة والمتجددة. وأعلنت المملكة العربية السعودية التي تغطي نحو عُشر الطلب العالمي على النفط، عن خفض انبعاثات غازات الدفيئة أثناء استضافتها أول منتدى رئيسي لتغير المناخ. وحدد ولي العهد عام 2060 ليتم تحقيق هذا الهدف.
وأطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي شارك في جزء من مؤتمر الرياض "العصر الأخضر" لبلاده التي ستزيد من إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول 2027.
يذكر أن الاحتياطيات النفطية للسعودية تبلغ نحو 265 مليار برميل بقيمة 22.5 تريليون دولار.
يشار إلى أن مؤتمر كوب 26، جاء بمشاركة 120 من قادة العالم وأكثر من 40,000 مشارك مسجل، وشددت الدول المشاركة على ضرورة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45 في المائة للوصول إلى صافي صفري في منتصف القرن تقريبًا.
الابتعاد عن الوقود الأحفوري
وافقت الدول المشاركة في المؤتمر على بند يدعو إلى التخلص التدريجي من طاقة الفحم والتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري "غير الفعال" - وهما قضيتان رئيسيتان لم يتم ذكرهما صراحة في قرارات محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ من قبل، على الرغم من أن الفحم والنفط والغاز يمثلون المحركات الرئيسية للاحترار العالمي.
وشهد العام المنصرم بالفعل إطلاق العديد من المبادرات من قبل دول الخليج، استجابةً للدعوات لاتخاذ إجراءات متسارعة لمكافحة تغير المناخ، والاحتباس الحراري، مثل التعهدات الطموحة "للاقتصاد الدائري للكربون" والانبعاثات الصفرية، كذلك الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج السيارات الكهربائية.
كما حققت منطقة الخليج تقدمًا ملحوظًا في تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق المرافق، على سبيل المثال اكتمال المرحلة الثالثة من مشروع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي، والذي تم واكتمل في العام الماضي، كذلك افتتاح أول مزرعة رياح في المملكة العربية السعودية في دومات الجندل.
أيضًا أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة عن انضمامهما إلى شركة مبادلة القابضة المملوكة للدولة في الإمارات العربية المتحدة كمساهمين في شركة مصدر للطاقة النظيفة. وتهدف الشراكة إلى زيادة قدرة مصدر للطاقة المتجددة إلى 50 جيجاوات بحلول عام 2030 وإنشاء قوة عالمية للطاقة النظيفة، مع التركيز على مجالات مثل الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة.
وتتوقع منظمة أوبك أن الدفع نحو استخدام الطاقة البديلة والمتجددة سيؤذن بدخول عصر انخفاض الطلب على النفط في بعض أنحاء العالم، إلا أنه سيظل المصدر الأول للطاقة حتى عام 2045 على الأقل. وتتوقع أن من بين 2.6 مليار سيارة على الطريق بحلول عام 2045، ستعمل 20٪ منها فقط بالكهرباء.
الحرب وعصر ما بعد النفط
على الجانب الآخر فأن الحرب الأوكرانية وأزمة الوقود التي تصدرت المشهد في الأيام الأولى للحرب، جعلت دول العالم تعمل على تسريع الاتجاه العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، بديلاً عن الوقود. حيث من المتوقع أن تقلل أوروبا بشكل كبير من اعتمادها على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي. ومن ثم إذا استخدمت دول الخليج فوائضها المالية لتسريع تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين وتصدير الأمونيا واحتجاز الكربون، فستظهر استعدادًا جيدًا لعصر ما بعد النفط.
فبعد أن كانت الدول الغربية هي المستهلكة الأولى للمواد النفطية، ودول من الشرق الأوسط تتزعم إنتاج هذه المواد، يتهيأ العالم للانتقال لخريطة نفطية جديدة، باتت فيه الولايات المتحدة أكبر منتج هيدروكربوني في العالم، قبل السعودية وروسيا، ودول الخليج من بين أكثر الدول استهلاكًا للطاقة، فضلًا عن تراجع مستمر في الطلب الأوروبي للطاقة منذ عام 2008، ورغم تعويضه بالنمو المطّرد للاستهلاك الآسيوي، فإن هذا الانخفاض الكبير في السوق الأوروبية يجعل المنتجين في درجة عالية من القلق.
فرضت هذه التغييرات الكبيرة تغير في دور دول الخليج في الاقتصاد السياسي الدولي، فمكانة المنطقة، بوصفها موردًا عالميًا للمحروقات، آخذة في التضاؤل، والاستهلاك المحلي للنفط والغاز مستمر في الارتفاع، فضلًا عن تحويل نسبة من الاستثمارات الخليجية في الدول الصناعية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذا التغير وظهور نموذج الطاقة الجديد يحتم على دول الخليج إتباع منهج مختلف، إذ أن واردت النفط لا تمثل فقط أرباح وعوائد مادية، بل ركن اقتصادي هام يدعم السلم السياسي والاجتماعي أيضًا، وتواجه هذه الدول معضلة ليست بالهينة، إذ أن إصلاح نظام الطاقة غير المستدام فيها، قد يخلق في نهاية المطاف توترات اجتماعية داخلية، في ظل التحديات الكبرى التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، والأوضاع التي آل إليها الربيع العربي، وتفاقم التوترات بين أطراف دولية مختلفة.
مكاسب الحرب.. فرصة للتحول إلى اقتصادات خضراء
وعلى الرغم من أن الحرب الدائرة في أوكرانيا أنعشت سوق النفط ورفعت أسعار خام برنت، وحققت دول الخليج مكاسب كبيرة إلا أن هذا الأمر قد يكون فرصة تشكل موردًا إضافيًا لتسريع تحولها إلى "اقتصادات خضراء”.
من جانبه قال الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة وخبير الشؤون الآسيوية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن حرب أوكرانيا سوف تعيد تشكيل تحالفات الطاقة فى العالم كله. حيث تعمل دول الاتحاد الأوروبي على تنويع شركائهم، والبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي لتقليل الاعتماد عليه إلى أقصى حد ممكن خلال الفترة القادمة. فعلى سبيل المثال أكدت تصريحات رئيسة الاتحاد الأوروبي " أورسولا" على أن الاتحاد الأوروبي بالفعل بدأ المباحثات مع ست دول مؤخرًا، من بينها مصر، لتعزيز التعاون فى مجال الغاز فى الفترة القادمة، أو إقناع بعض الدول المستوردة فى شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية بتقليل مشترياتها من الغاز في سبيل إعادة توجيه هذه المشتريات إلى أوروبا خلال الفترة الحرجة القادمة.
كما جاءت القمة الروسية الصينية للتأكيد على أن التعاون فى مجال الطاقة بين الجانبين قد أخذ منحى أكثر فاعلية، ووقع الرئيس الروسي "بوتين"، والرئيس الصيني " شي جينبينغ"، في الرابع من فبراير الماضي عدة اتفاقيات فى مسألة استيراد النفط والغاز الروسي. قدرتها بعض الجهات بأنها تقريبًا 117.5 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة. هذا بخلاف مسألة تحول الطاقة، وعزم الاتحاد الأوروبي على المضي قدمًا فى اتجاه تحول الطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي.
تراجع الأهمية الاستراتيجية للخليج
مشددًا بحسب صحيفة الأهرام المصرية، أن الفترة القادمة ستشهد دفعه قويه لتحالفات وشراكات الطاقة الجديدة والمتجددة خلال الفترة القادمة. خاصة فى مجال الهيدروجين الأخضر وغيرها من المشروعات التي تقلل بشدة الاعتماد على الغاز الطبيعي والنفط فى المستقبل.
مشيرًا إلى تأثر دول الخليج بدخول روسيا على خط المنافسة وتصدير الغاز للسوق الأسيوي. حيث ينظر الخليج إلى الصين باعتبارها السوق الأولى لصادراتها من الغاز والنفط. وهناك اتفاقيات طويلة المدى في مجال الطاقة بشكل كبير مع السعودية والإمارات وقطر وإيران.
مستطردًا بالقول، أعتقد أن دخول روسيا على الخط فى هذه العلاقات قد يقلل نسبيًا من الأهمية الإستراتيجية للخليج، من وجهة نظر الصينيين، خاصة أن روسيا عملاق عسكري. بالإضافة إلى العلاقات الإستراتيجية، وتشكيل جبهة موحدة فى مواجهة الولايات المتحدة، التي وصفوها بأن لها تأثيرات خبيثة على مجريات الشئون العالمية.
وأختتم قائلا، أعتقد هذا سيكون عاملا إضافيا لتفضيل الصين للروس مقارنة بالخليج، خاصة أيضًا وأن مسافة خطوط نقل إمدادات الطاقة كبيرة بين الخليج والصين، على عكس الجوار المباشر ما بين الصين وروسيا، وأخذًا فى الاعتبار أن الولايات المتحدة تسيطر على منطقة المحيط الهندي والمضايق البحرية التي تنقل إمدادات الطاقة من الخليج إلى الصين.
كل هذه المستجدات جعلت دول الخليج التي لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوقود الأحفوري في الإنفاق الحكومي، لاتخاذ خطوات جديدة وفاعلة لمحاولة تنويع اقتصاداتها بالسياحة والترفيه والدخول في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. حيث تقود السعودية والإمارات جهودًا حثيثة لجذب الاستثمار في صناعات جديدة. ومع ذلك، يأتي أكثر من نصف عائدات السعودية من النفط، مع توقعات بأرباح تقدر بنحو 150 مليار دولار هذا العام وحده بعد ارتفاع الأسعار إلى 85 دولارًا للبرميل.. فهل تشكل مسارات تحول الطاقة تهديدًا لدول الخليج؟ وما هي خياراتها لمواجهة هذه التحديات في مجال الطاقة؟
تغيرات سياسية وبيئية تفرض أوضاعًا جديدة
تبدو آثار هذه التحولات كبيرة اليوم، فاستقرار هذه الدول، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، على المحك. هذا بالإضافة إلى قدرتها على أن تظل جهات فاعلة رئيسة في نظام الطاقة العالمي؛ إذ تحتاج سياسات الطاقات بحسب الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكل بلد، إلى ترجمة الطموحات إلى إجراءات عملية سريعة في مجال الطاقة.
حيث يقوم الاستقرار السياسي لدول الخليج الست ـ السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان - على أرباحها من مبيعات الوقود الأحفوري.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، فأن دول الخليج العربية أمام سيناريوهين شديدا الصعوبة، بسبب توقعات انخفاض الإقبال على الوقود الأحفوري ما يهدد استقرارها الاقتصادي. كما قد يؤدي ارتفاع حرارة الأرض لجعل هذه الدول غير صالحة لعيش البشر.
فالأمر لا يتعلق فقط بالتغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي تشهدها المنطقة جراء التحولات بالمشهد العالمي، بل أيضًا هناك شق يتعلق بالبيئة ومخاطر الاحتباس الحراري. فوفق السيناريو الأول، سيتوقف العالم يوماً ما عن حرق الوقود الأحفوري من أجل خفض الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو الأمر الذي سيهز أساس اقتصادات تلك الدول بقوة. ومن ناحية أخرى، تستمر درجات الحرارة حول العالم في الارتفاع، مما سيؤدي إلى جعل الكثير من تضاريس الخليج - شديدة الحرارة بالفعل - غير صالحة لعيش البشر.
ومن ثم تعهد قادة دول الخليج في أكتوبر الماضي في قمة كوب 26 بـ انبعاثات "صفرية" - لتكون هذه البلدان جزءًا من صناعة الطاقة النظيفة التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات. حيث تعهدت الإمارات بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050 واستثمار ما يصل إلى 160 مليار دولار في حقول الطاقة النظيفة والمتجددة. وأعلنت المملكة العربية السعودية التي تغطي نحو عُشر الطلب العالمي على النفط، عن خفض انبعاثات غازات الدفيئة أثناء استضافتها أول منتدى رئيسي لتغير المناخ. وحدد ولي العهد عام 2060 ليتم تحقيق هذا الهدف.
وأطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي شارك في جزء من مؤتمر الرياض "العصر الأخضر" لبلاده التي ستزيد من إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول 2027.
يذكر أن الاحتياطيات النفطية للسعودية تبلغ نحو 265 مليار برميل بقيمة 22.5 تريليون دولار.
يشار إلى أن مؤتمر كوب 26، جاء بمشاركة 120 من قادة العالم وأكثر من 40,000 مشارك مسجل، وشددت الدول المشاركة على ضرورة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45 في المائة للوصول إلى صافي صفري في منتصف القرن تقريبًا.
الابتعاد عن الوقود الأحفوري
وافقت الدول المشاركة في المؤتمر على بند يدعو إلى التخلص التدريجي من طاقة الفحم والتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري "غير الفعال" - وهما قضيتان رئيسيتان لم يتم ذكرهما صراحة في قرارات محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ من قبل، على الرغم من أن الفحم والنفط والغاز يمثلون المحركات الرئيسية للاحترار العالمي.
وشهد العام المنصرم بالفعل إطلاق العديد من المبادرات من قبل دول الخليج، استجابةً للدعوات لاتخاذ إجراءات متسارعة لمكافحة تغير المناخ، والاحتباس الحراري، مثل التعهدات الطموحة "للاقتصاد الدائري للكربون" والانبعاثات الصفرية، كذلك الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج السيارات الكهربائية.
كما حققت منطقة الخليج تقدمًا ملحوظًا في تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق المرافق، على سبيل المثال اكتمال المرحلة الثالثة من مشروع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي، والذي تم واكتمل في العام الماضي، كذلك افتتاح أول مزرعة رياح في المملكة العربية السعودية في دومات الجندل.
أيضًا أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة عن انضمامهما إلى شركة مبادلة القابضة المملوكة للدولة في الإمارات العربية المتحدة كمساهمين في شركة مصدر للطاقة النظيفة. وتهدف الشراكة إلى زيادة قدرة مصدر للطاقة المتجددة إلى 50 جيجاوات بحلول عام 2030 وإنشاء قوة عالمية للطاقة النظيفة، مع التركيز على مجالات مثل الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة.
وتتوقع منظمة أوبك أن الدفع نحو استخدام الطاقة البديلة والمتجددة سيؤذن بدخول عصر انخفاض الطلب على النفط في بعض أنحاء العالم، إلا أنه سيظل المصدر الأول للطاقة حتى عام 2045 على الأقل. وتتوقع أن من بين 2.6 مليار سيارة على الطريق بحلول عام 2045، ستعمل 20٪ منها فقط بالكهرباء.
الحرب وعصر ما بعد النفط
على الجانب الآخر فأن الحرب الأوكرانية وأزمة الوقود التي تصدرت المشهد في الأيام الأولى للحرب، جعلت دول العالم تعمل على تسريع الاتجاه العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، بديلاً عن الوقود. حيث من المتوقع أن تقلل أوروبا بشكل كبير من اعتمادها على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي. ومن ثم إذا استخدمت دول الخليج فوائضها المالية لتسريع تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين وتصدير الأمونيا واحتجاز الكربون، فستظهر استعدادًا جيدًا لعصر ما بعد النفط.
فبعد أن كانت الدول الغربية هي المستهلكة الأولى للمواد النفطية، ودول من الشرق الأوسط تتزعم إنتاج هذه المواد، يتهيأ العالم للانتقال لخريطة نفطية جديدة، باتت فيه الولايات المتحدة أكبر منتج هيدروكربوني في العالم، قبل السعودية وروسيا، ودول الخليج من بين أكثر الدول استهلاكًا للطاقة، فضلًا عن تراجع مستمر في الطلب الأوروبي للطاقة منذ عام 2008، ورغم تعويضه بالنمو المطّرد للاستهلاك الآسيوي، فإن هذا الانخفاض الكبير في السوق الأوروبية يجعل المنتجين في درجة عالية من القلق.
فرضت هذه التغييرات الكبيرة تغير في دور دول الخليج في الاقتصاد السياسي الدولي، فمكانة المنطقة، بوصفها موردًا عالميًا للمحروقات، آخذة في التضاؤل، والاستهلاك المحلي للنفط والغاز مستمر في الارتفاع، فضلًا عن تحويل نسبة من الاستثمارات الخليجية في الدول الصناعية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذا التغير وظهور نموذج الطاقة الجديد يحتم على دول الخليج إتباع منهج مختلف، إذ أن واردت النفط لا تمثل فقط أرباح وعوائد مادية، بل ركن اقتصادي هام يدعم السلم السياسي والاجتماعي أيضًا، وتواجه هذه الدول معضلة ليست بالهينة، إذ أن إصلاح نظام الطاقة غير المستدام فيها، قد يخلق في نهاية المطاف توترات اجتماعية داخلية، في ظل التحديات الكبرى التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، والأوضاع التي آل إليها الربيع العربي، وتفاقم التوترات بين أطراف دولية مختلفة.
مكاسب الحرب.. فرصة للتحول إلى اقتصادات خضراء
وعلى الرغم من أن الحرب الدائرة في أوكرانيا أنعشت سوق النفط ورفعت أسعار خام برنت، وحققت دول الخليج مكاسب كبيرة إلا أن هذا الأمر قد يكون فرصة تشكل موردًا إضافيًا لتسريع تحولها إلى "اقتصادات خضراء”.
من جانبه قال الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة وخبير الشؤون الآسيوية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن حرب أوكرانيا سوف تعيد تشكيل تحالفات الطاقة فى العالم كله. حيث تعمل دول الاتحاد الأوروبي على تنويع شركائهم، والبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي لتقليل الاعتماد عليه إلى أقصى حد ممكن خلال الفترة القادمة. فعلى سبيل المثال أكدت تصريحات رئيسة الاتحاد الأوروبي " أورسولا" على أن الاتحاد الأوروبي بالفعل بدأ المباحثات مع ست دول مؤخرًا، من بينها مصر، لتعزيز التعاون فى مجال الغاز فى الفترة القادمة، أو إقناع بعض الدول المستوردة فى شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية بتقليل مشترياتها من الغاز في سبيل إعادة توجيه هذه المشتريات إلى أوروبا خلال الفترة الحرجة القادمة.
كما جاءت القمة الروسية الصينية للتأكيد على أن التعاون فى مجال الطاقة بين الجانبين قد أخذ منحى أكثر فاعلية، ووقع الرئيس الروسي "بوتين"، والرئيس الصيني " شي جينبينغ"، في الرابع من فبراير الماضي عدة اتفاقيات فى مسألة استيراد النفط والغاز الروسي. قدرتها بعض الجهات بأنها تقريبًا 117.5 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة. هذا بخلاف مسألة تحول الطاقة، وعزم الاتحاد الأوروبي على المضي قدمًا فى اتجاه تحول الطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي.
تراجع الأهمية الاستراتيجية للخليج
مشددًا بحسب صحيفة الأهرام المصرية، أن الفترة القادمة ستشهد دفعه قويه لتحالفات وشراكات الطاقة الجديدة والمتجددة خلال الفترة القادمة. خاصة فى مجال الهيدروجين الأخضر وغيرها من المشروعات التي تقلل بشدة الاعتماد على الغاز الطبيعي والنفط فى المستقبل.
مشيرًا إلى تأثر دول الخليج بدخول روسيا على خط المنافسة وتصدير الغاز للسوق الأسيوي. حيث ينظر الخليج إلى الصين باعتبارها السوق الأولى لصادراتها من الغاز والنفط. وهناك اتفاقيات طويلة المدى في مجال الطاقة بشكل كبير مع السعودية والإمارات وقطر وإيران.
مستطردًا بالقول، أعتقد أن دخول روسيا على الخط فى هذه العلاقات قد يقلل نسبيًا من الأهمية الإستراتيجية للخليج، من وجهة نظر الصينيين، خاصة أن روسيا عملاق عسكري. بالإضافة إلى العلاقات الإستراتيجية، وتشكيل جبهة موحدة فى مواجهة الولايات المتحدة، التي وصفوها بأن لها تأثيرات خبيثة على مجريات الشئون العالمية.
وأختتم قائلا، أعتقد هذا سيكون عاملا إضافيا لتفضيل الصين للروس مقارنة بالخليج، خاصة أيضًا وأن مسافة خطوط نقل إمدادات الطاقة كبيرة بين الخليج والصين، على عكس الجوار المباشر ما بين الصين وروسيا، وأخذًا فى الاعتبار أن الولايات المتحدة تسيطر على منطقة المحيط الهندي والمضايق البحرية التي تنقل إمدادات الطاقة من الخليج إلى الصين.