صدق السيسي.. وبانتظار مصير بينوشيه
ياسر ابو هلاله
جو 24 : يبدو أن وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي، عاش لحظات صدق بعد ثورة يناير، أو أنه كان على رأي الشيخ حازم أبو إسماعيل "ممثلا عاطفيا". من تلك اللحظات، خطابه الشهير الذي يقول فيه إن الجيش إذا تدخل في السياسة، سيعيد البلاد ثلاثين أو أربعين عاما إلى الوراء. وهذا تحليل صادق ودقيق؛ فأول من أمس، احتفلت سفارات تشيلي بالذكرى الأربعين لانقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه قائد الجيش، على الرئيس الشرعي المنتخب سلفادور الليندي.
بالمقارنة مع انقلاب السيسي، ترجح كفة بينوشيه. فالرئيس محمد مرسي لم يكن اشتراكيا مثل الليندي، ولم يقم بإجراءات صادمة تغير هوية الدولة السياسية والثقافية؛ لم يطبق برنامج الإخوان المسلمين في الصراع العربي-الإسرائيلي، ولم يلغ "كامب ديفيد". كما لم يعتقل رجال الأعمال الفاسدين، ولم يقم محاكم ثورية تقتص من قادة الجيش والأجهزة الأمنية الذين غرقوا في دماء المصريين. خطأ مرسي القاتل أنه اعتقد أن بالإمكان مهادنة عش الدبابير، وفتح الطريق لمصالحة واسعة بين الدولة العميقة والفلول وبين قوى الثورة.
قبِل مرسي باشتراطات الجيش في الدستور، وترك الضباط يسيطرون على أكبر ميزانية في القطاعين العام والخاص بلا رقيب ولا حسيب. كما ترك الجهاز القضائي الفاسد يتحكم بنتائج الصناديق. ولم يمس إعلام الحرب الأهلية الممول من جيوب الفلول والثورة المضادة، داخل مصر وخارجها. مشكلة الإخوان بعامة، وليس مرسي بخاصة، أنهم جماعة محافظة، وُضعت في ظروف ثورية لم تملك المرونة اللازمة للتكيف معها.
في تشيلي، كانت تهمة الشيوعية مثل تهمة الأخونة، والولايات المتحدة التي دعمت الانقلاب وصفت قائد الجيش بأنه "حامي الديمقراطية". كان الليندي اشتراكيا ثوريا، هدد مصالح الأميركيين في أميركا اللاتينية، وبدأ سياسات اقتصادية جذرية لصالح الطبقة العاملة. وفي خطابه الأخير قال لهم: "أستطيع أن أقول للعمال إنني لن أستقيل. بحياتي سأدافع عن المبادئ التي توحد أمتنا. ولدي كل الإيمان بهذا البلد ومستقبله. رجال آخرون سيعبرون، وهذه اللحظة الرمادية من تاريخ دولتنا ستنتهي. لتعلموا عاجلا أم آجلا أن آفاقا جديدة لهذه الأمة ستفتح، وسيعبرها الرجال الأحرار أمثالكم. هذه كلماتي الأخيرة، وأنا على يقين أن تضحيتي لن تذهب سدى". بعدها قُتل رافضا المساومة مع العسكر، أو انتحر بمسدس أهداه له رفيقه فيدل كاسترو.
يشبه ذاك الخطاب الأخير خطاب مرسي الذي تحدث فيه للأمة وللأجيال؛ أبناء وأحفادا سيعلمون أن آباءهم لم يعطوا الدنية، وفضلوا الموت على النزول على رأي الفسدة. تماماً كما يشبه خطاب بينوشيه خطاب السيسي؛ إذ اعتبر نفسه حامي البلاد من لوثة الشيوعية التي كانت تهدد البلاد. في النهاية، وبمعزل عن عدد السنوات، خرج بينوشيه من الحياة مذموما مدحورا، تلاحقه لعنات الضحايا نموذجا للطاغية. ولقي محاكمة مذلة وهو طاعن في السن. أما الليندي، فخرج من الدنيا، لكنه ظل خالدا في ذاكرة الناس مناضلا لم يخن ثقة ناخبيه؛ تماماً كمرسي الذي فضل السجن العزيز على القصر الذليل.
لم يكن الليندي بلا أخطاء، وكذلك مرسي. والمهم أن يعتبر ثوار مرسي بدروس تشيلي، بما أن الطغاة لم يعتبروا، وهم يكررون أخطاء بعضهم. لم تكن محاكمة بينوشيه الأخيرة، فبعد انقلاب السيسي حوكم رئيس الأركان التركي، ولا مَن اعتبر! والسؤال اليوم ليس متى يُحاكم مرسي، بل متى يُحاكم السيسي ومن وقف معه.
yaser.hilala@alghad.jo
(الغد)
بالمقارنة مع انقلاب السيسي، ترجح كفة بينوشيه. فالرئيس محمد مرسي لم يكن اشتراكيا مثل الليندي، ولم يقم بإجراءات صادمة تغير هوية الدولة السياسية والثقافية؛ لم يطبق برنامج الإخوان المسلمين في الصراع العربي-الإسرائيلي، ولم يلغ "كامب ديفيد". كما لم يعتقل رجال الأعمال الفاسدين، ولم يقم محاكم ثورية تقتص من قادة الجيش والأجهزة الأمنية الذين غرقوا في دماء المصريين. خطأ مرسي القاتل أنه اعتقد أن بالإمكان مهادنة عش الدبابير، وفتح الطريق لمصالحة واسعة بين الدولة العميقة والفلول وبين قوى الثورة.
قبِل مرسي باشتراطات الجيش في الدستور، وترك الضباط يسيطرون على أكبر ميزانية في القطاعين العام والخاص بلا رقيب ولا حسيب. كما ترك الجهاز القضائي الفاسد يتحكم بنتائج الصناديق. ولم يمس إعلام الحرب الأهلية الممول من جيوب الفلول والثورة المضادة، داخل مصر وخارجها. مشكلة الإخوان بعامة، وليس مرسي بخاصة، أنهم جماعة محافظة، وُضعت في ظروف ثورية لم تملك المرونة اللازمة للتكيف معها.
في تشيلي، كانت تهمة الشيوعية مثل تهمة الأخونة، والولايات المتحدة التي دعمت الانقلاب وصفت قائد الجيش بأنه "حامي الديمقراطية". كان الليندي اشتراكيا ثوريا، هدد مصالح الأميركيين في أميركا اللاتينية، وبدأ سياسات اقتصادية جذرية لصالح الطبقة العاملة. وفي خطابه الأخير قال لهم: "أستطيع أن أقول للعمال إنني لن أستقيل. بحياتي سأدافع عن المبادئ التي توحد أمتنا. ولدي كل الإيمان بهذا البلد ومستقبله. رجال آخرون سيعبرون، وهذه اللحظة الرمادية من تاريخ دولتنا ستنتهي. لتعلموا عاجلا أم آجلا أن آفاقا جديدة لهذه الأمة ستفتح، وسيعبرها الرجال الأحرار أمثالكم. هذه كلماتي الأخيرة، وأنا على يقين أن تضحيتي لن تذهب سدى". بعدها قُتل رافضا المساومة مع العسكر، أو انتحر بمسدس أهداه له رفيقه فيدل كاسترو.
يشبه ذاك الخطاب الأخير خطاب مرسي الذي تحدث فيه للأمة وللأجيال؛ أبناء وأحفادا سيعلمون أن آباءهم لم يعطوا الدنية، وفضلوا الموت على النزول على رأي الفسدة. تماماً كما يشبه خطاب بينوشيه خطاب السيسي؛ إذ اعتبر نفسه حامي البلاد من لوثة الشيوعية التي كانت تهدد البلاد. في النهاية، وبمعزل عن عدد السنوات، خرج بينوشيه من الحياة مذموما مدحورا، تلاحقه لعنات الضحايا نموذجا للطاغية. ولقي محاكمة مذلة وهو طاعن في السن. أما الليندي، فخرج من الدنيا، لكنه ظل خالدا في ذاكرة الناس مناضلا لم يخن ثقة ناخبيه؛ تماماً كمرسي الذي فضل السجن العزيز على القصر الذليل.
لم يكن الليندي بلا أخطاء، وكذلك مرسي. والمهم أن يعتبر ثوار مرسي بدروس تشيلي، بما أن الطغاة لم يعتبروا، وهم يكررون أخطاء بعضهم. لم تكن محاكمة بينوشيه الأخيرة، فبعد انقلاب السيسي حوكم رئيس الأركان التركي، ولا مَن اعتبر! والسؤال اليوم ليس متى يُحاكم مرسي، بل متى يُحاكم السيسي ومن وقف معه.
yaser.hilala@alghad.jo
(الغد)