عن التحريض الرهيب ضد حماس والقطاع
ياسر الزعاترة
جو 24 : لم يعد من العسير القول إن حركة حماس في قطاع غزة قد دخلت في مربع الاستهداف المباشر بعد نجاح الانقلاب في مصر، الأمر الذي يفرض عليها استحقاقات كبيرة لا ينبغي التعامل معها بتهاون، كي يكون بالإمكان الحفاظ على هذه المنطقة المحررة من فلسطين كقاعدة للمقاومة لا يجري ضمها إلى الضفة الغربية في مشروع التسوية الذي يطبخ حاليا في أروقة؛ بعضها معلن وبعضها الآخر سري.
حين يجري الإعلان عن حركة “تمرد” في قطاع غزة، فإن ذلك يعني بكل بساطة أن مشروع استنساخ تجربة الانقلاب في مصر قد بدأ عمليا في قطاع غزة، وليس سرا أن بيانات الحركة المشار إليها ما زالت تصدر من مصر، وليس من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس على نحو جيد، من دون أن يعني ذلك أن الحركة “تمرد” ليس لها امتدادات في القطاع، إذ يعلم الجميع أنها لها مؤيدون من قبل أن تلقي حماس القبض على بعض الشبان الذين اعترفوا بتلقي الأموال والأوامر من الخارج.
واللافت هنا أن القوى التي دعمت الانقلاب في مصر، وتتآمر حاليا على الثورة في تونس، وحتى على ليبيا، هي ذاتها التي تتآمر على حماس في قطاع غزة، وهي قوىً بلغ بها الغرور حد التفكير في إثارة القلاقل لأردوغان في تركيا، الأمر الذي ظهر سابقا، وها هو يظهر من جديد في صورة احتجاجات، وأيضا من خلال تراجع حزب العمال الكردستاني عن الاتفاق التاريخي الموقع بينه وبين الحكومة، ودائما بتحريض وإغراءات خارجية.
من المؤكد أن حركة حماس قد استشعرت الخطر القادم، وليس من العسير القول إن عرضها على القوى والفصائل الأخرى المشاركة في الحكومة أو إدارة القطاع قد جاء على هذه الخلفية، وهي خطوة صحيحة، لكنها لن تكون كافية إذا لم تأت في سياق مشروع أكبر للقضية برمتها، لاسيما أن رد فتح عليها كان هجوميا، مع رفض من الفصائل الأخرى، بما فيها حركة الجهاد كما يبدو.
وإذا تجاوزنا البعد الثأري في استهداف حماس في قطاع غزة من قبل حركة فتح وقيادة السلطة، فإن البعد الآخر هو المتعلق بالمفاوضات الجارية حاليا، والتي يُتوقع أن تفضي إلى اتفاق ما، سواءً أخذ شكل الاتفاق المؤقت، أي دولة في حدود الجدار الأمني (ستصبح في حالة نزاع حدودي مع جارتها، والأرجح أن يُعترف بها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة)، وهو الاحتمال المرجح، أم تسوية دائمة يعلم الجميع كم ستكون بائسة. ولا شك أن بقاء القطاع منفصلا لوحده سيشكل عائقا أمام إتمام المشروع، وهو ما يدفع الصهاينة إلى تبني عملية الاستهداف، ومن ورائهم الغرب وعرب “الاعتدال” أيضا، وفي المقدمة منهم حاليا النظام المصري الذي سيشكل رأس الحربة في العملية (دعما للانقلابين وحصار واستهدافا لحماس والقطاع)، وإن كان التمويل من أطراف عربية أخرى، هي ذاتها التي مولت الانقلاب على مرسي. وحين يجري اتهام حماس بالمشاركة في محاولة اغتيال وزير الداخلية، وتفجير مبنى المخابرات في العريش، فتلك مقدمات لإطلاق عملية الاستهداف بصورة أوضح.
يذكر أن انفصال القطاع عن الضفة كان مريحا للإسرائيليين في البداية، حيث ورَّط حماس في لعبة السلطة، واضطرها إلى تهدئة مع الاحتلال، لكن الموقف ما لبث أن تغير، فقد حققت الحركة انتصارين كبيرين على الاحتلال، فيما أصرت على البقاء في مربع المقاومة، وبدأت تراكم الكثير من أدوات القوة تمثلت في كميات من الأسلحة لم يسبق أن توفرت في أي جزء من فلسطين منذ بدء الاحتلال (بعضها بيد فصائل أخرى). أما الجانب الآخر، فيتمثل فيما ذكرنا حول الحاجة إلى ضم القطاع إلى الضفة في التسوية المتوقعة.
في سياق الرد على حملة “تمرد”، لا بد من التعامل مع أية احتجاجات ينظمها أزلام دحلان بكثير من المرونة والذكاء، بعيدا عن أية وسائل عنف، في ذات الوقت الذي يُحشد فيه الناس في الشوارع ردا على أية حشود انقلابية (إذا حدث ذلك)، طبعا من دون احتكاك بين الطرفين.
لكن الأهم من ذلك، وفي سياق المواجهة أيضا، هو طرح مشروع شامل للقضية برمتها، وهو المشروع الذي ما لبثنا ننادي به منذ 2007، والذي أصبح أكثر أهمية وحيوية الآن في ظل مفاوضات لن تكون كسابقاتها، بل ستنتهي بتصفية القضية كما أشرنا من قبل.
ويتمثل المشروع الشامل للقضية بتشكيل جبهة عريضة من كل القوى شعارها رفض المفاوضات والحلول المشوهة؛ ويتمثل طرحها في إدارة بالتوافق للقطاع والضفة (تكون إدارية فقط)، وانتخاب قيادة مشتركة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس للسلطة، تقود الشعب في انتفاضة شاملة عنوانها دحر الاحتلال من كامل الأراضي المحتلة عام 67 وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط، كمقدمة لتحرير كل فلسطين. وفي الأثناء، ولأن قيادة السلطة (وفتح تبعا لها) سترفض ذلك، يجري الاتفاق على إدارة توافقية للقطاع من الفصائل والمستقلين، وذلك بوصفه بقعة محررة، وقاعدة للمقاومة ينبغي الحفاظ عليها.
(الدستور)
حين يجري الإعلان عن حركة “تمرد” في قطاع غزة، فإن ذلك يعني بكل بساطة أن مشروع استنساخ تجربة الانقلاب في مصر قد بدأ عمليا في قطاع غزة، وليس سرا أن بيانات الحركة المشار إليها ما زالت تصدر من مصر، وليس من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس على نحو جيد، من دون أن يعني ذلك أن الحركة “تمرد” ليس لها امتدادات في القطاع، إذ يعلم الجميع أنها لها مؤيدون من قبل أن تلقي حماس القبض على بعض الشبان الذين اعترفوا بتلقي الأموال والأوامر من الخارج.
واللافت هنا أن القوى التي دعمت الانقلاب في مصر، وتتآمر حاليا على الثورة في تونس، وحتى على ليبيا، هي ذاتها التي تتآمر على حماس في قطاع غزة، وهي قوىً بلغ بها الغرور حد التفكير في إثارة القلاقل لأردوغان في تركيا، الأمر الذي ظهر سابقا، وها هو يظهر من جديد في صورة احتجاجات، وأيضا من خلال تراجع حزب العمال الكردستاني عن الاتفاق التاريخي الموقع بينه وبين الحكومة، ودائما بتحريض وإغراءات خارجية.
من المؤكد أن حركة حماس قد استشعرت الخطر القادم، وليس من العسير القول إن عرضها على القوى والفصائل الأخرى المشاركة في الحكومة أو إدارة القطاع قد جاء على هذه الخلفية، وهي خطوة صحيحة، لكنها لن تكون كافية إذا لم تأت في سياق مشروع أكبر للقضية برمتها، لاسيما أن رد فتح عليها كان هجوميا، مع رفض من الفصائل الأخرى، بما فيها حركة الجهاد كما يبدو.
وإذا تجاوزنا البعد الثأري في استهداف حماس في قطاع غزة من قبل حركة فتح وقيادة السلطة، فإن البعد الآخر هو المتعلق بالمفاوضات الجارية حاليا، والتي يُتوقع أن تفضي إلى اتفاق ما، سواءً أخذ شكل الاتفاق المؤقت، أي دولة في حدود الجدار الأمني (ستصبح في حالة نزاع حدودي مع جارتها، والأرجح أن يُعترف بها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة)، وهو الاحتمال المرجح، أم تسوية دائمة يعلم الجميع كم ستكون بائسة. ولا شك أن بقاء القطاع منفصلا لوحده سيشكل عائقا أمام إتمام المشروع، وهو ما يدفع الصهاينة إلى تبني عملية الاستهداف، ومن ورائهم الغرب وعرب “الاعتدال” أيضا، وفي المقدمة منهم حاليا النظام المصري الذي سيشكل رأس الحربة في العملية (دعما للانقلابين وحصار واستهدافا لحماس والقطاع)، وإن كان التمويل من أطراف عربية أخرى، هي ذاتها التي مولت الانقلاب على مرسي. وحين يجري اتهام حماس بالمشاركة في محاولة اغتيال وزير الداخلية، وتفجير مبنى المخابرات في العريش، فتلك مقدمات لإطلاق عملية الاستهداف بصورة أوضح.
يذكر أن انفصال القطاع عن الضفة كان مريحا للإسرائيليين في البداية، حيث ورَّط حماس في لعبة السلطة، واضطرها إلى تهدئة مع الاحتلال، لكن الموقف ما لبث أن تغير، فقد حققت الحركة انتصارين كبيرين على الاحتلال، فيما أصرت على البقاء في مربع المقاومة، وبدأت تراكم الكثير من أدوات القوة تمثلت في كميات من الأسلحة لم يسبق أن توفرت في أي جزء من فلسطين منذ بدء الاحتلال (بعضها بيد فصائل أخرى). أما الجانب الآخر، فيتمثل فيما ذكرنا حول الحاجة إلى ضم القطاع إلى الضفة في التسوية المتوقعة.
في سياق الرد على حملة “تمرد”، لا بد من التعامل مع أية احتجاجات ينظمها أزلام دحلان بكثير من المرونة والذكاء، بعيدا عن أية وسائل عنف، في ذات الوقت الذي يُحشد فيه الناس في الشوارع ردا على أية حشود انقلابية (إذا حدث ذلك)، طبعا من دون احتكاك بين الطرفين.
لكن الأهم من ذلك، وفي سياق المواجهة أيضا، هو طرح مشروع شامل للقضية برمتها، وهو المشروع الذي ما لبثنا ننادي به منذ 2007، والذي أصبح أكثر أهمية وحيوية الآن في ظل مفاوضات لن تكون كسابقاتها، بل ستنتهي بتصفية القضية كما أشرنا من قبل.
ويتمثل المشروع الشامل للقضية بتشكيل جبهة عريضة من كل القوى شعارها رفض المفاوضات والحلول المشوهة؛ ويتمثل طرحها في إدارة بالتوافق للقطاع والضفة (تكون إدارية فقط)، وانتخاب قيادة مشتركة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس للسلطة، تقود الشعب في انتفاضة شاملة عنوانها دحر الاحتلال من كامل الأراضي المحتلة عام 67 وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط، كمقدمة لتحرير كل فلسطين. وفي الأثناء، ولأن قيادة السلطة (وفتح تبعا لها) سترفض ذلك، يجري الاتفاق على إدارة توافقية للقطاع من الفصائل والمستقلين، وذلك بوصفه بقعة محررة، وقاعدة للمقاومة ينبغي الحفاظ عليها.
(الدستور)