"مرضى ومجرمون ومغتصبون".. هل يندم اللاجئون الأوكرانيون على الذهاب لإسرائيل؟
جو 24 :
من داخل إحدى المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، أظهرت كاميرا قناة "آي 24" (i24) الإسرائيلية لاجئا لبنانيا قاتَلَ سابقا في صفوف جيش لبنان الجنوبي* وهو يُجري بعض الإصلاحات داخل شقة في المستوطنة، التي تستقبل اليوم أيضا لاجئين أوكرانيين قدموا إلى "إسرائيل"، وتؤوي في الوقت ذاته بعض الروس الذين فرُّوا من الحرب الدائرة الآن في شرق أوروبا، في مشهد معتاد ومتكرر للبروباغندا الإسرائيلية.
تُعَدُّ الرسالة الإعلامية التي ترغب إسرائيل في تمريريها عبر هذا المشهد وأمثاله واضحة، فأبواب إسرائيل مفتوحة للجميع، حتى أولئك المتناحرين فيما بينهم، وها هو الدليل، روس وأوكرانيون يعيشون معا في وئام داخل مستوطنة على أرض فلسطين المحتلة. (1) غير أن تلك الصورة الوردية التي يحاول الإعلام العبري ترويجها باستمرار تُغفل في الحقيقة جوانبَ كثيرة، وتُخفي الوجه العنصري الذي تتعامل به دولة الاحتلال مع الراغبين في الاستجارة برمضائها من نيران الحروب والأزمات الاقتصادية، بدءا من المهاجرين الأفارقة، وصولا إلى النازحين من شرق أوروبا.
تاريخ اللجوء إلى إسرائيل: لليهود فقط
منذ البداية، لعبت إسرائيل دورا كبيرا في إعلان وتوقيع المعاهدة الدولية لحقوق اللاجئين سنة 1951، التي حظرت إعادة الأشخاص إلى أي مكان سيواجهون فيه خطرا على حياتهم، ومنحت حقوقا للاجئين الفارِّين من الاضطهاد في بلدانهم. وقد باركت دولة الاحتلال هذه المعاهدة لحماية اليهود من الترحيل إلى بلدان مُعادية لهم، وكانت ذاكرة الاضطهاد النازي حيَّة حينئذ بُعَيد انتهاء الحرب العالمية الثانية. غير أن الدولة العبرية لم تُبدِ الحماس نفسه حين خُطَّت معاهدة جنيف عام 1949، والمعنية بالأوضاع الإنسانية أثناء الحروب، فقد جاءت الاتفاقية بعد الحرب الأولى مع الفلسطينيين والعرب، ولم يكن حكيما بالنسبة إلى الدولة الوليدة أن تُلزِم نفسها باتفاقية من هذا النوع في هذه الظروف. (2)
ورغم توقيع إسرائيل على الاتفاقية عام 1951، فإنها انتظرت حتى عام 2001 لتفعيل معايير خاصة تُعالَج من خلالها طلبات اللجوء بسبب الحرب (لا سيما أن اتفاقية جنيف لا تفرض على الدول معايير بعينها للتعامل مع هذا النوع من اللاجئين). وعلى صعيد القانون الإسرائيلي، نصَّ قانون العودة لعام 1950 وقانون المواطنة لعام 1952 على منح اليهود الحق في الجنسية الإسرائيلية مع ذويهم من غير اليهود، أما الفلسطينيون فهُم مستَثنون أصلا من اتفاقية جنيف؛ لأنهم تحت حماية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين "الأونروا" (UNRWA)، ولذا تُرِك ملف اللاجئين من غير اليهود مرهونا بالتوجُّهات السياسية للحكومة والمزاج العام الإسرائيلي. (3)
لم توفِّر دولة الاحتلال أيَّ أرقام حول عدد طالبي اللجوء بإسرائيل قبل سنة 1970، فيما سجَّلت المفوَّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 95 طلبا بين عامَيْ 1970-1980، ثم 237 طلبا في الفترة بين عامَيْ 1980-1990، وهو رقم متواضع نسبيا بسبب التضييق على غير اليهود. (4) وفي التسعينيات، ارتفعت طلبات اللجوء إلى 753، وتضاعف هذا الرقم عام 2000، ثم تضاعف مُجدَّدا بحلول سنة 2002. ولم تبتهج حكومة الاحتلال بهذا الأمر، بل على النقيض، وضعت معايير وخطوات واضحة لمحاربته، فقد أعلن "أرييل شارون"، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إطلاق سياسة "السماء المُغلَقة" التي لم تقف بالمرصاد لطالبي اللجوء فحسب، بل وللراغبين في القدوم إلى إسرائيل بحثا عن لقمة العيش أيضا. علاوة على ذلك، نشطت وحدات أمنية خاصة تابعة لشرطة الاحتلال في رصد اللاجئين وإبعادهم عن حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد زاد الأمر تعقيدا مع حلول سنة 2007، حين حلَّ وافد جديد على دولة الاحتلال مَثَّل ضيفا ثقيلا عليها: اللاجئون السودانيون والإريتريون الذين عبروا الحدود المصرية وطرقوا أبواب فلسطين المحتلة.
تُعَدُّ مدينة تل أبيب النموذج الأقرب للصورة التي تريد حكومة الاحتلال تسويقها أمام العالم، فهي مدينة مُتحرِّرة وليبرالية وبعيدة عن النماذج الأرثوذكسية التي قد نجدها في مدن إسرائيلية أخرى. بيد أن تل أبيب، على تطوُّرها وحداثتها، تحوي بين جنباتها منطقة في الجنوب يسيطر عليها الفقر، ويتجمَّع فيها لاجئون غير يهود باحثين عن سبل عيش آدمية، ولا يجدونها غالبا في دولة الفصل العنصري التي ما انفكَّت تحاصر حياة غير اليهود دون تفرقة بين عربي وأفريقي وأوروبي.
ظهر العداء الإسرائيلي للاجئين بوضوح في أكتوبر/تشرين الأول 2018 أثناء الحملة التي أطلقها حزب الليكود اليميني الحاكم آنذاك، برئاسة "بنيامين نتنياهو"، حيث شنَّ الحزب حملة دعائية شملت لافتة لرجل يهودي يحمل علم إسرائيل بجانب رجل أسود يحمل علم إريتريا، وقد كُتِب على الصورة: "نحن أو هم: المدينة العبرية باتت مُختَرقة". صحيح أن اللافتات أُزيلت في غضون أيام بسبب الانتقادات، لكنها كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن العنصرية في إسرائيل ليست محض سلوك فردي، بل سياسة شاملة تنتهجها الطبقة الحاكمة التي تنظر إلى اللاجئ بوصفه خطرا ديمُغرافيا على الأغلبية السكانية اليهودية.
يستعمل صُنَّاع الرأي في إسرائيل عادة لغة تنزع الإنسانية عن اللاجئين، فلا يتحدَّثون عنهم باعتبارهم فارِّين من الإبادة الجماعية في دارفور بالسودان مثلا، أو من ظروف الخدمة العسكرية الشبيهة بالعبودية في إرتيريا، بل باعتبارهم غزاة مُحتلين وقنبلة موقوتة تُهدِّد إسرائيل. (5) وتجدر الإشارة هُنا إلى أن الحكومات الإسرائيلية لطالما أشارت إلى اللاجئين على أنهم مُتسلِّلون، وهي كلمة اختيرت لإحداث تأثير سلبي لدى الرأي العام الإسرائيلي، إذ إنها تربط تلقائيا بينهم وبين "المُتسلِّلين" من الفدائيين الفلسطينيين (كما تُسمِّيهم إسرائيل) الذين نفَّذوا عمليات داخل الأراضي المحتلة. وكثيرا ما يوصف اللاجئون في الإعلام العبري بأنهم مقيمون غير قانونيين، وهو ادعاء غير دقيق، لأنهم يعيشون بصفة قانونية وبتأشيرات تُجدَّد شهريا، رغم أن التأشيرات لا تعطيهم الحق في العمل أو تلقِّي الخدمات العامة وعلى رأسها الخدمات الصحية. (6) ورغم أن السلطات الإسرائيلية لا تفحص معظم طلبات اللجوء، فإن وسائل إعلامها تُروِّج للرواية القائلة إن غالبيتهم جاؤوا لدواعٍ اقتصادية لا إنسانية، وهي مقولات ردَّدها مسؤولون إسرائيليون وأعضاء في الكنيست. (7)
لا يُعَدُّ الكذب والادعاء وانتحال الصفة التُّهَم الوحيدة التي يواجهها اللاجئون ممن حلموا بحياة أفضل في إسرائيل، بل لعلها التُّهَم الأقل خطورة مقارنة بما تتهمهم به الدولة والإعلام والمجتمع. ورغم أن المعطيات الرسمية لا تُظهِر ميلا أكبر للإجرام لدى اللاجئين مقارنة بغيرهم، فإنهم يعانون من الوصم بأنهم يُشكِّلون خطرا على المجتمع، إذ تُركِّز وسائل الإعلام على الحوادث التي يكون اللاجئون طرفا فيها أكثر من غيرها. وفي هذا السياق، نجد تصريحا من "إيلي يِشاي"، وزير الداخلية العبري الأسبق، اتهم فيه اللاجئين بارتكاب أعمال عنف واغتصاب، أما الحل في نظره فهو ببساطة الزجُّ بجميع اللاجئين في السجون أو في منشأة توقيف حتى يتم تحييدهم وتُمنع جرائمهم عن المجتمع. (8)
من جهتها تسير وسائل الإعلام الإسرائيلية في المسار نفسه، إذ اعتبرت في أكثر من مناسبة أن حوادث السرقة واقتحام البيوت وارتفاع نسبة الجريمة؛ ظواهر وصلت إلى إسرائيل حصرا مع "المُتسلِّلين" الأجانب. أما الحكومة الإسرائيلية، فلم تتأخَّر في ترجمة هذا العدوان إلى خطوات فعليَّة، إذ أعطى "بنيامين نتنياهو"، رئيس الحكومة الأسبق، أوامره بتشييد حائط عزل انتهت أشغال بنائه في ديسمبر/كانون الأول 2013 بهدف إيقاف الأفارقة القادمين إلى إسرائيل عن طريق مصر. (9)
وإلى جانب اتهامهم بالإجرام، يُنظَر إلى اللاجئين أيضا باعتبارهم مصدرا للأمراض الخطيرة والأوبئة. فقد نشر مركز "مدار" الفلسطيني المتخصص في الشؤون الإسرائيلية ملخصا لتقرير صدر عن "مركز مساعدة العمال الأجانب" يتحدَّث عن اللاجئين في إسرائيل سنة 2012. وقد نقل التقرير أقوالا لـ"إيلي يِشاي" اعتبر فيها أن عدد البلاغات التي قدَّمتها النساء المُغتَصَبات ضد اللاجئين قليل بسبب خوفهن من الوصم بأنهن "حاملات لفيروس الإيدز". (10) ونقل التقرير أيضا أقوال البروفيسور الإسرائيلي "رافي كارسو"، الذي قال إن 50-60% من حاملي فيروس "الإيدز" من اللاجئين، وأن 80% تقريبا من مرضى السُّل الموجودين في إسرائيل لاجئون أيضا. ورغم أن الأرقام والإحصائيات الموضوعية لا تُبَرهِن على مقولاته تلك، فإن عددا من أعضاء الكنيست صعَّدوا في هذا الاتجاه، واعتبروا أن وجود اللاجئين في الأماكن العامة تهديد لسلامة الإسرائيليين وأطفالهم الذين باتوا مُجبَرين على تقاسُم المدارس والنوادي مع أبناء اللاجئين. (11)
بحلول نهاية عام 2019 وصل عدد طالبي اللجوء إلى إسرائيل من السودان وإريتريا إلى 32 ألف شخص، ورغم دعم هؤلاء اللاجئين من طرف بعض نشطاء المجتمع المدني الإسرائيلي، فإن الحكومة والإعلام والساسة في البلاد يطالبون بوضع حدٍّ لهذه الظاهرة كونها تُشكِّل خطرا كبيرا على بنية المجتمع اليهودي. ففي سنة 2018، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" عن مُخطَّط لإبعاد اللاجئين غير المُتزوِّجين، قبل أن يتراجع عن ذلك بسبب الضغوط الدولية. (12)
يُخيِّم على دولة الاحتلال باستمرار شبح كابوس ديمُغرافي، إذ تتخوَّف تل أبيب من أي وجود غير يهودي على الأراضي التي احتلتها منذ عام 1948، ويرى الكارهون لأي وجود أجنبي أن هذا يُشكِّل الخطر الأعظم على الدولة اليهودية منذ ما يُسمَّى بخراب الهيكل. ولا تقتصر هذه التحذيرات "العنصرية" على السياسيين والإعلاميين فحسب، بل تحضر أيضا في الخطاب الديني على ألسنة الحاخامات، فقد طالب الحاخام العسكري "أحيعاد إتنيغر" بإرسال الجيش والشرطة إلى جنوب تل أبيب لتنظيف المدينة من اللاجئين الذين يتحرَّشون بالنساء ويسرقون الناس ويهدِّدون إسرائيل بثورة ديمُغرافية. (13)
في السياق ذاته، كتب الحاخام الشهير "يسرائيل رُوزِن" تعليقا على دعوات معاملة اللاجئين بالوصايا التوراتية التي تحثُّ على معاملة الغريب برِفق قائلا: "هؤلاء مجموعة من الغُرباء، يشوِّشون بشكل خطير الديموغرافيا الهشَّة في إسرائيل، وهُم كسالى لا يمارسون إلا السُّكْر والسرقة والاغتصاب والعنف، وينشرون الرعب والخوف في الأماكن التي يوجدون فيها". (14) هذا ويؤجِّج اندماج الجيل الجديد من أبناء اللاجئين مخاوفَ المدافعين عن الهوية اليهودية، فأبناء اللاجئين يتحدَّثون العبرية بطلاقة، كما أنهم يعيشون مثل الأطفال الإسرائيليين بدرجة كبيرة، بعد أن تبنَّت عائلاتهم نمط الحياة الإسرائيلي تماشيا مع المجتمع المحيط بهم، وهُم يتلقُّون تعليما إسرائيليا عاديا تحتل فيه تعاليم اليهودية مكانة مهمة، رغم أن غالبيتهم من المسيحيين.
بالتوازي مع التحريض العنصري، تحرَّكت السلطات الإسرائيلية للحدِّ من أعداد اللاجئين بوضع معايير قانونية وانتهاج خطوات أمنية تردع الراغبين في البحث عن "حلم أوروبي" داخل الأراضي المحتلة. ففي عام 2013 صادق الكنيست على قانون منع التسلُّل الذي سمح باحتجاز طالبي اللجوء في مركز "حولوت" للاحتجاز بهدف تحفيز الفارِّين على العودة إلى بلدانهم طواعية. (15) وقد نصَّ القانون على سجن طالبي اللجوء لمدة ثلاثة أشهر، ثم تحويلهم إلى المعتقل وحجزهم لمدة تصل إلى 20 شهرا مع اقتطاع 20% من رواتبهم، ولا يحق للاجئ استرجاع هذه الأموال إلا إذا خرج من البلاد. واستمرت هذه السياسة حتى عام 2020 حين فرضت المحكمة الإسرائيلية العليا على الدولة إعادة هذه الأموال إلى 36 ألف لاجئ لعدم قانونية الخطوة. (16) وإلى جانب السياسات العنصرية، يعاني اللاجئون من عنف عدد من المنظمات والناشطين الإسرائيليين المُعادِين للهجرة، إذ تُنظِّم هذه الجماعات غزوات ليلية على الأحياء التي يتجمَّع فيها المهاجرون للاعتداء عليهم لفظيا وجسديا وطردهم من المناطق التي توصف بأنها مُعادِية للدولة وخارجة عن سيطرتها. (17)
يأتي هذا السلوك ليُعبِّر عن تكامل بين سياسات الدولة العنصرية وتحرُّكات المجتمع الإسرائيلي، إذ تكشف عنصرية الجماعات الإسرائيلية تجاه الأفارقة عن نمط مُتكرِّر يحدث حينما تفشل الدولة في تطبيق سياساتها، فيتولَّى المستوطنون المهمة، كما يحدث مثلا في عمليات "صيد العرب" في القدس المحتلة والضفة الغربية. وقد بدأت هذه الممارسات بالظهور عام 2014 حينما قضت المحكمة العليا للمرة الثانية بعدم قانونية قانون سجن "المُتسلِّلين"، واضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى إطلاق سراح 2200 لاجئ أفريقي آنذاك، بالإضافة إلى 500 آخرين كانوا مُحتجَزين في معتقل "سَهَرُونيم". وجراء هذه القرارات ارتفعت جرائم الكراهية وتجدَّدت الدعوات لإنقاذ يهودية المدن الإسرائيلية من موجات "الغزو الأفريقي"، ورُصد بالتزامن مع ذلك زيادة في وتيرة العنف اللفظي والجسدي، وكتابة الشعارات والرسوم العنصرية على الجدران والمباني حيث يتجمَّع اللاجئون، في نسخة مُطابقة لما يجري بالمناطق التي ما زالت تقطنها أغلبية فلسطينية وعربية.
لا تقتصر عنصرية إسرائيل تجاه الأجانب على الأفارقة بطبيعة الحال. صحيح أن اللاجئ الأفريقي يعاني على وجه الخصوص بسبب لون بشرته، لكنه يعاني من التمييز بالأساس لأنه غير يهودي، وهذا أمر ينسحب على جميع "الأغيار" الذين يحطُّون رِحالهم في إسرائيل، ولو كانوا من ذوي البشرة البيضاء.
فبعد اشتعال الحرب الروسية-الأوكرانية، توجَّه نحو 18 ألف مواطن أوكراني إلى إسرائيل، وكان ثلثا الواصلين من غير اليهود، مما فجَّر نقاشا داخليا وتذمُّرا من وصول كل هذا العدد من غير اليهود إلى الدولة العبرية، التي تحاول رفع نسبة اليهود باستمرار. هذا ويُشكِّل اليهود 74% من السكان داخل الأراضي المُحتلة بحسب إحصاء أجري العام الماضي، مقابل 21% من العرب، والبقية من العِرقيات والإثنيات الأخرى أبرزها المسيحيون غير العرب. (18)
من جهتها، سمحت دولة الاحتلال للأوكرانيين اليهود بالدخول إليها بموجب قانون العودة لعام 1950، الذي يضمن لجميع الأشخاص الذين لهم جدُّ يهودي واحد على الأقل الحقَّ في الاستقرار داخل إسرائيل مع حيازة الجنسية والإقامة. على النقيض، بدت السياسات مع غير اليهود أكثر تشدُّدا، ففي مارس/آذار الماضي، أعلنت "إيليت شكد"، وزيرة الداخلية، تحديد عدد المهاجرين غير اليهود الذين ستستقبلهم دولة الاحتلال بخمسة آلاف شخص فقط، مع منح فرصة البقاء للأوكرانيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة -البالغ عددهم 20 ألفا- حتى نهاية النزاع المسلح واستقرار الأوضاع. ولم يصمد هذا القرار سوى خمسة أيام، إذ تراجعت عنه "شكد"، بسبب الضغط من اليسار الذي ينتهج سياسة أكثر انفتاحا في هذا الملف. (19)
أثارت هذه السياسة التمييزية غضب السفارة الأوكرانية في إسرائيل، التي انتقدت سياسات دولة الاحتلال في التعامل مع مواطنيها بعد الغزو الروسي، حتى بعد إعلان الحكومة العبرية "تخفيف" المعايير التي حاصرت طالبي اللجوء الفارِّين من الحرب. وقالت السفارة في بلاغ لها إن الإجراءات الإسرائيلية لا تتناسب مع الصعوبات التي يواجهها المواطنون الأوكرانيون غير اليهود بسبب الحرب، مضيفة أن "روسيا تُقدِم على مذبحة في حق الشعب الأوكراني، وتقتل الآلاف من المدنيين، بينما تُحقِّق الحكومة الإسرائيلية في هوية كل أوكراني لاجئ إليها بطريقة معيقة". كما دعت سفارة كييف دولة الاحتلال إلى قبول جميع اللاجئين الأوكرانيين من الذين يملكون أقارب يعيشون في إسرائيل، وعدم طردهم حتى نهاية الحرب. (20)
كشفت الحرب الأوكرانية إذن عن ازدواجية المعايير التي تنتهجها دولة الاحتلال لاستقبال الأجانب، فرغم دعمها لأوكرانيا رسميا ضد روسيا في خطوة حاولت عن طريقها استعادة موضعها داخل التحالف الغربي، فإنها لم تتورَّع عن إظهار رفضها الوجود غير اليهودي، رغم تغنِّيها بشعارات الديمقراطية والتنوُّع والاختلاف في منطقة تسيطر عليها الحروب الدينية والعِرقية. لكن على عكس الحال مع الأوكرانيين، تجد إسرائيل حَرجا أقل في تعاملها العنصري الواضح مع الأفارقة الذين تريد إخراجهم بأي ثمن، سواء بإرسالهم مباشرة إلى البلدان التي فرُّوا منها، أو بإيجاد صيغة اتفاق مع دول أفريقية أخرى تقبل استضافتهم مقابل المال عوضا عنها، في حين أنها لا تجد أي حرج في تشديد سياساتها العنصرية ضد العرب والفلسطينيين، الذين يظلون أكبر وأوضح ضحايا العنصرية الإسرائيلية منذ تأسيس دولة الاحتلال قبل أكثر من سبعة عقود.
______________________________
المصدر : الجزيرة