قبل الاصطدام بالجدار.. اجابة الاسئلة الخمسة لتهدئة غضب الاردنيين
جو 24 :
محمود الشرعان - لم يكن الأسبوع الماضي مختلفا كثيرًا في تفاصيله عن باقي الاسابيع والاشهر والسنوات الاخيرة في معيشة الأردنيين إجمالًا، فهناك الكثير من القصص التي تثير حنقهم يوميًا على الصعيدين؛ الخاص والعام، وسط مؤشرات غضب صامتة وصادمة.
بدأ الأردنيون أسبوعهم الأخير من تموز على خطة حكومية لتطوير القطاع العام، ذات المبادرات المتشعبة، وبعدها بساعات صدر قرار رفع أسعار المشتقات النفطية للمرة الرابعة منذ بداية العام الحالي، والثالثة منذ اعلان الحكومة عن سلسلة رفعات، تقول الحكومة إنها تريد أن تعكس من خلالها الزيادة العالمية في أسعار المحروقات عليها محليا.
لم تفشل الحكومة في اختيار التوقيت المناسب لإعلان خطتها فحسب، بل تجاوز الأمر إلى عدم قدرتها على شرح خطتها بشكل بسيط للشارع الأردني، وكأن خطتها ذاتها بحاجة إلى التطوير ذاته، رغم أنه كان مطلوبا منها شرح تفاصيلها وأسباب الدمج التي ستحدث للوزارات في الخطة كما ان تذكر أسباب استثناء هيئات مستقلة، ومدى مواءمة الخطة للواقع، ومدى الاستفادة وكيف ستنعكس على واقع المواطن.
وربما لو وجهت الحكومة سؤالًا واحدًا للشارع الأردني عن تفاصيل خطتها لتطوير القطاع العام لما وجدت إجابة واضحة لسؤالها، فيما ستنال الكثير من الإجابات حول "تسعيرة المحروقات" وربما ستجد من يصرخ غضبًا لما يجري من ارتفاعِ صارخ في أسعار كل شيء.
بعد إعلان الخطة الحكومية لتطوير القطاع العام، جاء خبر الـ"200 دينار" لمكاتب أعضاء مجلس النواب، فلم يسلم المجلس من سهام النقد والسخط، في ظل غلاء يأكل ما تبقى من جيوب الأردنيين، وبعدها بيومين انتشرت قصة شراء "سيارة جديدة" لمسؤول تنفيذي كبير، لمؤسسة عامة كبرى يتجاوز سعرها الـ100 ألف دينار، وجاءت بموافقة حكومية، في حين يتجاوز عجز موازنة تلك المؤسسة 200 مليون دينار سنويا، وهي مفارقة قاسية يصعب على الشارع فهمها.
ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية، جزء بسيط من الرواية الكبرى لحياة الأردنيين اليومية، وهو السيناريو "غير المرغوب" بالنسبة لهم، فخلال تلك الأيام قد يرى مواطن بسيط أن حكومته أصدرت خطةً لتطوير القطاع العام دون أن يفهم تفاصيلها أو معطياتها، فهو ينظر للقطاع العام بأنه مترهل ومشبع بالواسطات والمحسوبيات، ومتخم بموظفين دون وظائف ومدراء دون إدارة ومبانٍ شبه فارغة ومكاتب عريضة ومركبات متحركة دون وجهة محددة وترفع ذات الحكومة أسعار المحروقات بعد أن رفع الدعم عن الكهرباء وقبلهما الخبز، ولا يفهم المواطن لماذا يحدث كل ذلك!
إن أي قرار أو ممارسة حكومية، لا بدّ أن تنعكس بشكل مباشر على حياة الفرد الذي لم يعد قادرا على تحمّل أي ضغط اضافي، حتى أصبح تعيسًا وحالمًا بالهجرة هروبًا من مسلسل الفشل المستمر والواقع المرّ.
ربما كان استطلاع "الباروميتر العربي" خير ما يعبّر عن حالة وأوضاع الأردنيين، في هذه المرحلة تحديدًا، حيث أكد أن الأردن من أكثر دول الشرق الأوسط التي يفكر سكانها بمغادرة البلاد، بنسبة مئوية تقدر بـ48 بالمئة، وأن الشباب الأكثر إقبالا على الهجرة بنسبة 63 بالمئة، وخاصة من الحاصلين على تعليم جامعي، فيما يكون الظروف الاقتصادية السبب الرئيس بالتفكير بالهجرة لدى الأردنيين بنسبة مئوية تصل إلى 93 بالمئة.
حلم الهجرة من الأردن، لم يكن وليد اللحظة، لكنه بدأ أمام أعين الحكومات التي جاءت ورحلت، ولم يتبقَ منها سوى الذكرى المريرة والواقع المرّ والكثير من الأرقام الاقتصادية الخانقة، فمعدل البطالة بلغ ذروته ومؤشر الفقر الذي يتسع ويغيب منذ سنوات، مع ارتفاع الدين العام الإجمالي إلى 36.18 مليار دينار، ومحسوبية وواسطة وترهل إداري في كل الاتجاهات، وملفات متشابكة لا يستطيع المواطن حلها، وهذا جزء من الشأن العام لا الخاص الذي يدفع المواطن للغضب.
وأمام الغضب المتصاعد في صدور الأردنيين، نجد أن الشارع أمام سيناريوهين: الأول؛ الاغتراب للشباب في وطنهم وتضخم الاحتقان السياسي والاجتماعي الى درجة مقلقة على الامن المجتمعي، أو الهروب من الواقع عبر الهجرة، وهما خياران لا يمكن القبول بهما، لكنهما حقيقيان وهو ما يؤكده خبراء اجتماع أردنيون.
في الأردن، لا يصعب على أحد تفكيك المشهد، لكن يبدو أنه يستحيل إعادة تركيبه، إلا أن تجربة العبور من أزمة اقتصاد عام 1989 كانت حلًا بسيطًا وحقيقيًا ومجربا، لم تكن وصفة معقدة، أما اليوم فالأزمة تبدو أصعب وعلى الحكومة فهم معطياتها -إن لم تكن تعلم-، وعليها طرح الأسئلة الخمسة (من ومتى وأين ولماذا وكيف)، والإجابة عليها قبل الوصول إلى السيناريوهن السابقين.
طوال السنوات الماضية أصرت التصريحات الرسمية على أن الأردني سيشعر بالارتياح بعد فترة بسيطة، إلا أن ذلك لم يحصل بعد!، مع تفهمه لـ"التحديات الداخلية والخارجية"، إلا أن ذات المواطن يدفع ضرائب تقدر بـ500 مليون دينار شهريا، إي 6 مليار دينار سنويا، تقريبا، دون أن تنعكس على مستوى الخدمات المقدمة له إضافة لشعوره بعدم العدل في ميزان الخدمات، الأمر الذي يزيد من نار الاحتقان.
يريد المواطن أن يرى الإصلاح الاقتصادي على مستواه المعيشي، منعكسا على جيبه الخاص، من تكاليف الخدمات الخاصة، وانخفاض فاتورته للمشتقات النفطية الشهرية، كما فواتير الكهرباء والماء والسلع الأساسية التي ترتفع دون رقابة حكومية وبناء على مصالح بعض التجار، وأن يحصل على تعليم جيد دون دفع المزيد من الأموال، وتحسين الخدمة الطبية دون الاضطرار للهرب نحو الخدمة ذات التكلفة الأعلى في القطاع الخاص.
أما الإصلاح السياسي، فيريد المواطن أن ينتخب من يمثله ويعبر عمّا يدور في وجدانه، في كل المجالس، لشعوره الدائم بأنه ليس شريكًا أساسيا أو لاعبًا أصلًا في عملية اتخاذ القرار، يريد الشارع الأردني إدارة موارده بالشكل الصحيح، ليصوغ هويته الوطنية بيديه، بعيدًا عن الخطط الجاهزة، يريد كتابة الخطة ثم يكون الجميع شركاء معه، بمعنى أبسط أن يملك الشارع الولاية العامة لقراراته الداخلية لضمان مستقبل ابنائه.
كما يريد المواطن أن يشعر بالخدمة الحكومية المقدمة إليه، بشكل خاص، فلا انقطاع المياه لأسابيع أو شارع غير معبد لسنوات، لا يريد أن يرى الضرائب التي يدفعها تذهب أغلبها رواتب لموظفي القطاع العام، دون خدمة جيدة، كما يرغب أن يرى توزيع عادل للثروات -إن بقيت- وأن يتنافس بشكل حقيقي على الوظائف دون وجود محاصصة لا معنى لها.
وقد يهدئ غضب الأردنيين توفر إرادة رسمية حقيقية في تهدئته، وإصلاح جدّي في المسارات الثلاثة المترابطة ببعضها، إصلاح يبدأ بأطراف الأردن المتباعدة وينتهي في العاصمة، لا العكس؛ لأن شعور الانتماء الوطني "هرمي" يبدأ من الأسفل للأعلى، كما أن الأردنيين يستحقون المحاولة ولو لمرة واحدة على الأقل للخروج من حالة الغضب، قبل الاصطدام بالجدار.