الإسلاميون بعد انقلاب مصر
ياسر الزعاترة
جو 24 : يُنقل عن بعض الدوائر العربية -التي وقفت خلف الانقلاب في مصر- قولها، إن ما جرى هو مقدمة لشطب الحالة الإخوانية في المنطقة، مضيفة، إن ذلك سيشمل كل قوى الإسلام السياسي، ثم تذهب أبعد من ذلك بالحديث عن مختلف تجليات الظاهرة الإسلامية، بما فيها السلفية (السياسية)؛ والتقليدية أيضا.
والحال أن النصر يغري بالنصر، ومن الطبيعي أن يمد الذين يعتقدون أن انقلابهم في مصر قد حقق نجاحا لا مراء فيه رغم استمرار الاحتجاجات، وتعثر الوضع بشكل عام، من الطبيعي أن يمدوا أبصارهم صوب تونس وليبيا (اليمن تحت السيطرة)، وكذلك لقطاع غزة، وصولا إلى تركيا نفسها التي تصنف بحسب أولئك بوصفها الراعي الإقليمي للإسلام السياسي (السني)، وبالطبع بعد أن خرجت إيران من التداول على هذا الصعيد، ولم تعد سوى الراعي الرسمي للإسلام السياسي الشيعي الذي لا يصنف بوصفه خطرا جديا على أحد باستثناء الحالة البحرينية.
ما ينساه هؤلاء هو أن ما جرى في ربيع العرب، والنتائج التي حققها الإسلاميون لاحقا لم تكن نبتا شيطانيا ظهر فجأة، بل هو نتاج طبيعي لعقود من النشاط الإسلامي الذي قفز فوق كل الحدود وتمرد على شروط الدولة الأمنية، بما فيها تلك الأكثر شراسة في القمع كما كان عليه الحال في تونس التي استهدف فيها التدين بسائر أشكاله ضمن ما يعرف بسياسة تجفيف الينابيع، فكانت النتيجة أن ظهر شكل من أشكال الإسلام السياسي “ السلفي الجهادي” ردا على استهداف الإسلام السياسي “المعتدل” ممثلا في حركة النهضة.
بوسعنا القول إن تنظير أولئك القوم للتدرج في استهداف القوى الإسلامية يبدو ذكيا، إذ لن يكون بالإمكان شطب الظاهرة الإسلامية السياسية دون شطب التدين في المجتمع، واستهداف كل تجلياته، لكن عملا كهذا لن يكون سهلا بحال، إذ أن الظاهرة الإسلامية تبدو متجذرة في الوعي الشعبي على نحو بالغ العمق، الأمر الذي يعني أن النجاح في اقتلاعها يبدو أقرب إلى المستحيل، فكيف حين تعتمد في بعض خطابها على الشرعية الدينية، والحديث عن الحاكم الشرعي الذي لا يجوز الخروج عليه، بل حتى انتقاده في العلن بحسب بعض تجليات الخطاب السلفي التقليدي؟!
ينسى هؤلاء أن مسلسل الاستهداف المذكور لا بد له كي يمر من عسكرة المجتمعات برمتها، فحين يسعى نظام؛ أي نظام، إلى مواجهة أكبر قوة في المجتمع، فإن ذلك لن يحدث دون تحويل الدولة إلى معسكر أمني يقوم على القمع، الأمر الذي لا يبدو ممكنا في زمن الصورة والعولمة، بل في زمن ما بعد الربيع العربي، وحيث اكتشف الناس أهمية وحيوية الاحتجاج السلمي على أية سياسات لا تعجبهم.
الجانب الآخر هو أن هذه القوى التي خسرت معركة في مصر، ولا يُستبعد أن تخسر معركة أخرى هنا أو هناك (قد يحدث العكس أيضا)؛ هذه القوى لن تُسلِّم رقابها بالكامل، وهي ستبدأ على الأرجح بترتيب أوراقها والشروع في هجمة مضادة تربك الخصوم وتدفعهم إلى إعادة حساباتهم، وما يجري في مصر دليل على ذلك.
من هنا، فإن إطلاق صيحات الانتصار على الإسلام السياسي بعد الذي جرى في مصر يبدو أقرب إلى السلوك الصبياني، إذْ إنّ تاريخ هذه الظاهرة لم يبدأ يوم فاز مرسي بالرئاسة، بل إن فوزه كان نتاج صعدوها خلال عقود، ما يعني أن تلك القوى لن تتبخر بين عشية وضحاها بمجرد اعتقال الآلاف، أو بمجرد اتخاذ قرارات أمنية أو سياسية تستهدفها.
هؤلاء وأولئك لا يدركون أن القوى السياسية ذات الأبعاد الفكرية والاجتماعية لا يمكن اقتلاعها بقرارات فوقية، وهي تشيخ إذا فقدت دورها، ولا تموت بالضربة القاضية (الأمنية)، بل إن القمع ينتج ردة فعل عكسية، إذ يمنحها مزيدا من القوة والمدد الشبابي، بدليل أن الحالة الإخوانية المصرية كانت الأفضل بين فروع الجماعة التي تمتع أكثرها بعمل علني ليس فيه الكثير من القمع كما كانت الحال في مصر أيام مبارك.
ما نميل إليه هو أن القوى الإسلامية ستستوعب الضربة، وستبدأ هجوما مضادا لاستعادة ما فقدته، والأهم أن الشارع العربي لن يلبث أن يلتحم معها في رحلة نضال جديدة لاستعادة زخم ربيعه العربي الذي تعرض لمؤامرة شرسة أجهضته في مصر، وباتت تستهدفه في المحطات الأخرى، وكل ذلك لكي تحول دون تمدده نحو ما تبقى من الدول.
(الدستور)
والحال أن النصر يغري بالنصر، ومن الطبيعي أن يمد الذين يعتقدون أن انقلابهم في مصر قد حقق نجاحا لا مراء فيه رغم استمرار الاحتجاجات، وتعثر الوضع بشكل عام، من الطبيعي أن يمدوا أبصارهم صوب تونس وليبيا (اليمن تحت السيطرة)، وكذلك لقطاع غزة، وصولا إلى تركيا نفسها التي تصنف بحسب أولئك بوصفها الراعي الإقليمي للإسلام السياسي (السني)، وبالطبع بعد أن خرجت إيران من التداول على هذا الصعيد، ولم تعد سوى الراعي الرسمي للإسلام السياسي الشيعي الذي لا يصنف بوصفه خطرا جديا على أحد باستثناء الحالة البحرينية.
ما ينساه هؤلاء هو أن ما جرى في ربيع العرب، والنتائج التي حققها الإسلاميون لاحقا لم تكن نبتا شيطانيا ظهر فجأة، بل هو نتاج طبيعي لعقود من النشاط الإسلامي الذي قفز فوق كل الحدود وتمرد على شروط الدولة الأمنية، بما فيها تلك الأكثر شراسة في القمع كما كان عليه الحال في تونس التي استهدف فيها التدين بسائر أشكاله ضمن ما يعرف بسياسة تجفيف الينابيع، فكانت النتيجة أن ظهر شكل من أشكال الإسلام السياسي “ السلفي الجهادي” ردا على استهداف الإسلام السياسي “المعتدل” ممثلا في حركة النهضة.
بوسعنا القول إن تنظير أولئك القوم للتدرج في استهداف القوى الإسلامية يبدو ذكيا، إذ لن يكون بالإمكان شطب الظاهرة الإسلامية السياسية دون شطب التدين في المجتمع، واستهداف كل تجلياته، لكن عملا كهذا لن يكون سهلا بحال، إذ أن الظاهرة الإسلامية تبدو متجذرة في الوعي الشعبي على نحو بالغ العمق، الأمر الذي يعني أن النجاح في اقتلاعها يبدو أقرب إلى المستحيل، فكيف حين تعتمد في بعض خطابها على الشرعية الدينية، والحديث عن الحاكم الشرعي الذي لا يجوز الخروج عليه، بل حتى انتقاده في العلن بحسب بعض تجليات الخطاب السلفي التقليدي؟!
ينسى هؤلاء أن مسلسل الاستهداف المذكور لا بد له كي يمر من عسكرة المجتمعات برمتها، فحين يسعى نظام؛ أي نظام، إلى مواجهة أكبر قوة في المجتمع، فإن ذلك لن يحدث دون تحويل الدولة إلى معسكر أمني يقوم على القمع، الأمر الذي لا يبدو ممكنا في زمن الصورة والعولمة، بل في زمن ما بعد الربيع العربي، وحيث اكتشف الناس أهمية وحيوية الاحتجاج السلمي على أية سياسات لا تعجبهم.
الجانب الآخر هو أن هذه القوى التي خسرت معركة في مصر، ولا يُستبعد أن تخسر معركة أخرى هنا أو هناك (قد يحدث العكس أيضا)؛ هذه القوى لن تُسلِّم رقابها بالكامل، وهي ستبدأ على الأرجح بترتيب أوراقها والشروع في هجمة مضادة تربك الخصوم وتدفعهم إلى إعادة حساباتهم، وما يجري في مصر دليل على ذلك.
من هنا، فإن إطلاق صيحات الانتصار على الإسلام السياسي بعد الذي جرى في مصر يبدو أقرب إلى السلوك الصبياني، إذْ إنّ تاريخ هذه الظاهرة لم يبدأ يوم فاز مرسي بالرئاسة، بل إن فوزه كان نتاج صعدوها خلال عقود، ما يعني أن تلك القوى لن تتبخر بين عشية وضحاها بمجرد اعتقال الآلاف، أو بمجرد اتخاذ قرارات أمنية أو سياسية تستهدفها.
هؤلاء وأولئك لا يدركون أن القوى السياسية ذات الأبعاد الفكرية والاجتماعية لا يمكن اقتلاعها بقرارات فوقية، وهي تشيخ إذا فقدت دورها، ولا تموت بالضربة القاضية (الأمنية)، بل إن القمع ينتج ردة فعل عكسية، إذ يمنحها مزيدا من القوة والمدد الشبابي، بدليل أن الحالة الإخوانية المصرية كانت الأفضل بين فروع الجماعة التي تمتع أكثرها بعمل علني ليس فيه الكثير من القمع كما كانت الحال في مصر أيام مبارك.
ما نميل إليه هو أن القوى الإسلامية ستستوعب الضربة، وستبدأ هجوما مضادا لاستعادة ما فقدته، والأهم أن الشارع العربي لن يلبث أن يلتحم معها في رحلة نضال جديدة لاستعادة زخم ربيعه العربي الذي تعرض لمؤامرة شرسة أجهضته في مصر، وباتت تستهدفه في المحطات الأخرى، وكل ذلك لكي تحول دون تمدده نحو ما تبقى من الدول.
(الدستور)