تشييع العراق بين المالكي ومقتدى الصدر
ياسر الزعاترة
جو 24 : على رغم تقلبات مقتدى الصدر التي تتطلب قدرا كبيرا من التحليل النفسي والسياسي لفهمها، إلا أن تصريحه الأخير بشأن مساعي المالكي لتشييع العراق يبدو مفاجئا إلى حد كبير (أنكر المالكي قوله لصحيفة الغارديان البريطانية إنه شيعي أولا وعراقي ثانيا وعربي ثالثا، وهدد الصحيفة بمقاضاتها (لم يفعل)، لكن أحدا لا يمكن أن يقتنع أن صحيفة بوزن الغارديان يمكنها أن تؤلف عليه تصريحا من هذا النوع).
قبل نقاش الموقف يبدو من الأهمية بمكان نقل تصريحات الصدر التي جاءت عقب زيارته لإقليم كردستان ولقائه هناك مع ممثلين عن القائمة العراقية (أسامة النجيفي وإياد علاوي)، إلى جانب الزعماء الأكراد وتوقيع الجميع على مذكرة من 18 بندا لإصلاح الوضع في العراق، الأمر الذي استفز سؤالا وُجِّه للرجل (أعني الصدر) من أحد المريدين حول ما إذا كان ما أقدم عليه نوعا من إضعاف الشيعة في العراق.
في إجابته على السؤال المشار إليه قال الصدر “أوجه خطابي للأخ المالكي الذي جعل من حفظ التشييع هدفا له. إن حفظ التشييع لا يكون إلا بحفظ العراق، وحفظ العراق لا يكون إلا بحفظ أطيافه؛ لا بحفظ أطراف حكومته”. وأضاف “لم تكن السياسة في يوم من الأيام ولا الحكومات هي الحافظة للتشييع، بل العقيدة محفوظة بمعصوميها ونوابها، وأعني مراجعنا الكرام”. وتابع الصدر “الحكومات تزول والشعوب تبقى، والأديان والطوائف تعلو وتتحد”. وذهب الرجل إلى أن “التشيع صار منفردا في الساحة العراقية مما يعرضه إلى خطر العزلة السياسية أو خطر التفرد الدكتاتوري”.
بداية يمكن القول إن تصريحات الصدر تعكس عمق الأزمة التي يعيشها المعسكر الشيعي نفسه في مواجهة تفرد المالكي بالسلطة وتهميشه للآخرين، الأمر الذي لا يشمل التيار الصدري وحده، وإنما تيار الحكيم أيضا، بل يشمل كذلك بعض رموز حزب الدعوة الذين همشهم المالكي بعد سيطرته على الحزب.
منذ بروزه في الساحة السياسية قدم المالكي نفسه للجمهور الشيعي بوصفه الوحيد القادر على إخراجهم من دائرة “الظلم التاريخي” والمحافظة على مكاسبهم في عراق ما بعد الاحتلال، وبالطبع في مواجهة آخرين أكثر قابلية للمساومة، وحين حصل على الدعم الإيراني اكتملت دوائر القوة لديه، لاسيما أن النفس الإيراني لم يعد في الآونة الأخيرة معنيا بإرضاء دول الجوار العربي التي حاولت إحداث بعض التوازن في المعادلة السياسية عبر القائمة العراقية، لكنها لم تحقق نتيجة تذكر، إذ تمكن المالكي من استيعاب الموجة وتشتيت القائمة واستهداف رموزها، وما قصة طارق الهاشمي سوى التعبير الأبرز عن استخفافه بالمكون الثاني من مكونات العراق (أعني العرب السنة)، الأمر الذي ما كان له أن يمر بهذه الصيغة لولا دعم إيران الذي ربما تصاعد في ظل التوتر بينها وبين دول الجوار العربي، بخاصة إثر تفجر الثورة السورية التي تنذر طهران بالخطر في حال نجاحها، ما رتب تاليا وضع العراق أيضا في خدمة النظام السوري حتى لا يسقط.
من الصعب المزايدة على مقتدى الصدر في مسألة التشيع، فهو من الصقور في هذا المضمار، لكن منطقه يبدو صحيحا إلى حد كبير، لأن نتيجة ما يفعله المالكي لا تعدو أن تكون تشييعا للعراق وعزله عن الجوار العربي، من دون أن يعني ذلك شكلا من أشكال الاستقرار، وبالطبع تبعا لعدم رضا المكون السني العربي، وكذلك الكردي (السني أيضا) في حال بقاء الوضع على حاله دون انفصال كامل، فكيف إذا سقط النظام السوري بعد ذلك وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة؟!
غير أن نجاح المالكي في تثبيت الوضع الداخلي بهذا الشكل أو ذاك بذات الروحية التي يتعامل بها مع الآخرين لن يعني في نهاية المطاف غير إنتاج دكتاتورية سياسية لن تخدم الشيعة، بقدر ما تخدم نخبها الحاكمة، وإلا فهل كانت أزمة المصريين مع حسني مبارك في مذهبه، فضلا عن علي صالح والقذافي والآخرين، بل وقبلهم صدام حسين، أم أنها الدكتاتورية التي لا تأت بخير أيا كان مذهبها الديني أو السياسي؟!
من هنا، فإن مصلحة الشيعة في العراق إنما تكمن في أن يكونوا مواطنين في دولة تعددية لا إقصاء فيها ولا تهميش، وأن تكون علاقاتهم مع دول الجوار إيجابية، أما الدكتاتورية المتلفعة بثوب المذهبية فلن تكون غير وصفة تأزيم في الداخل ومع المحيط العربي أيضا، لاسيما أن الأخير لن يستسلم للعبة إخراج العراق من فضائه العربي وتسليمه لإيران من خلال دكتاتورية فجة تلبس ثوب المذهبية.
الدستور
قبل نقاش الموقف يبدو من الأهمية بمكان نقل تصريحات الصدر التي جاءت عقب زيارته لإقليم كردستان ولقائه هناك مع ممثلين عن القائمة العراقية (أسامة النجيفي وإياد علاوي)، إلى جانب الزعماء الأكراد وتوقيع الجميع على مذكرة من 18 بندا لإصلاح الوضع في العراق، الأمر الذي استفز سؤالا وُجِّه للرجل (أعني الصدر) من أحد المريدين حول ما إذا كان ما أقدم عليه نوعا من إضعاف الشيعة في العراق.
في إجابته على السؤال المشار إليه قال الصدر “أوجه خطابي للأخ المالكي الذي جعل من حفظ التشييع هدفا له. إن حفظ التشييع لا يكون إلا بحفظ العراق، وحفظ العراق لا يكون إلا بحفظ أطيافه؛ لا بحفظ أطراف حكومته”. وأضاف “لم تكن السياسة في يوم من الأيام ولا الحكومات هي الحافظة للتشييع، بل العقيدة محفوظة بمعصوميها ونوابها، وأعني مراجعنا الكرام”. وتابع الصدر “الحكومات تزول والشعوب تبقى، والأديان والطوائف تعلو وتتحد”. وذهب الرجل إلى أن “التشيع صار منفردا في الساحة العراقية مما يعرضه إلى خطر العزلة السياسية أو خطر التفرد الدكتاتوري”.
بداية يمكن القول إن تصريحات الصدر تعكس عمق الأزمة التي يعيشها المعسكر الشيعي نفسه في مواجهة تفرد المالكي بالسلطة وتهميشه للآخرين، الأمر الذي لا يشمل التيار الصدري وحده، وإنما تيار الحكيم أيضا، بل يشمل كذلك بعض رموز حزب الدعوة الذين همشهم المالكي بعد سيطرته على الحزب.
منذ بروزه في الساحة السياسية قدم المالكي نفسه للجمهور الشيعي بوصفه الوحيد القادر على إخراجهم من دائرة “الظلم التاريخي” والمحافظة على مكاسبهم في عراق ما بعد الاحتلال، وبالطبع في مواجهة آخرين أكثر قابلية للمساومة، وحين حصل على الدعم الإيراني اكتملت دوائر القوة لديه، لاسيما أن النفس الإيراني لم يعد في الآونة الأخيرة معنيا بإرضاء دول الجوار العربي التي حاولت إحداث بعض التوازن في المعادلة السياسية عبر القائمة العراقية، لكنها لم تحقق نتيجة تذكر، إذ تمكن المالكي من استيعاب الموجة وتشتيت القائمة واستهداف رموزها، وما قصة طارق الهاشمي سوى التعبير الأبرز عن استخفافه بالمكون الثاني من مكونات العراق (أعني العرب السنة)، الأمر الذي ما كان له أن يمر بهذه الصيغة لولا دعم إيران الذي ربما تصاعد في ظل التوتر بينها وبين دول الجوار العربي، بخاصة إثر تفجر الثورة السورية التي تنذر طهران بالخطر في حال نجاحها، ما رتب تاليا وضع العراق أيضا في خدمة النظام السوري حتى لا يسقط.
من الصعب المزايدة على مقتدى الصدر في مسألة التشيع، فهو من الصقور في هذا المضمار، لكن منطقه يبدو صحيحا إلى حد كبير، لأن نتيجة ما يفعله المالكي لا تعدو أن تكون تشييعا للعراق وعزله عن الجوار العربي، من دون أن يعني ذلك شكلا من أشكال الاستقرار، وبالطبع تبعا لعدم رضا المكون السني العربي، وكذلك الكردي (السني أيضا) في حال بقاء الوضع على حاله دون انفصال كامل، فكيف إذا سقط النظام السوري بعد ذلك وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة؟!
غير أن نجاح المالكي في تثبيت الوضع الداخلي بهذا الشكل أو ذاك بذات الروحية التي يتعامل بها مع الآخرين لن يعني في نهاية المطاف غير إنتاج دكتاتورية سياسية لن تخدم الشيعة، بقدر ما تخدم نخبها الحاكمة، وإلا فهل كانت أزمة المصريين مع حسني مبارك في مذهبه، فضلا عن علي صالح والقذافي والآخرين، بل وقبلهم صدام حسين، أم أنها الدكتاتورية التي لا تأت بخير أيا كان مذهبها الديني أو السياسي؟!
من هنا، فإن مصلحة الشيعة في العراق إنما تكمن في أن يكونوا مواطنين في دولة تعددية لا إقصاء فيها ولا تهميش، وأن تكون علاقاتهم مع دول الجوار إيجابية، أما الدكتاتورية المتلفعة بثوب المذهبية فلن تكون غير وصفة تأزيم في الداخل ومع المحيط العربي أيضا، لاسيما أن الأخير لن يستسلم للعبة إخراج العراق من فضائه العربي وتسليمه لإيران من خلال دكتاتورية فجة تلبس ثوب المذهبية.
الدستور