jo24_banner
jo24_banner

خطة تطوير القطاع العام في الأردن

أحمد عبدالله عبيدات
جو 24 :


القطاع العام هو ما يجعل الدولة مرئية لمواطنيها وغالبًا ما يشكل الرابط الملموس الأساسي بين الحكومات وشعوبها, وذلك من خلال التفاعل المباشر بين المواطنين ودوائر الدولة أو غير المباشر وذلك عن طريق الصورة التي تتشكل في ذهن المواطن عن القطاع العام وذلك لأن القطاع العام يحمل وينشر القيم والمثل التي تتبناها الدولة ويسهم في الترابط ما بين الدولة والمواطنين, إذ أنه يمكن اعتبار أن بناء القطاع العام هو مسألة سياسية بامتياز, حيث أنه اصبح ينظر للقطاع العام الفعال على أنه شرط مسبق لأي تنمية ديمقراطية أو حكم رشيد, كما أن القطاع العام هو بلا شك أحد الركائز الداعمة لنمو واستقرار أي مجتمع فاعل وجودة خدمات القطاع العام هي ما تخلق شعورا لدى المواطن من انتماء وولاء للدولة, وعلى الرغم من أن الهدف من وجوده هو تحسين حياة الناس إلا أن الواقع هو خلاف ذلك في الأردن, حيث لا تخفى على أحد ابدأ حالات التململ والامتعاض على وجه أي مواطن في دائرة حكومية يسعى لأي خدمة أيا كانت.

ولكن أين هي المشكلة هل هي بالعنصر البشري من موظفي القطاع العام أم في أنماط العمل القديمة الرتيبة التي تنتهجها الدوائر الحكومية في إنجاز أي معاملة وما ينطوي عليه الأمر من استنزاف للطاقات والموارد سواء النفسية أو المادية مثل هدر الوقت في إجراءات بيروقراطية مركزية عقيمة, أم في عقليات إدارية متكلسة سواء لضعف التدريب وعدم الرغبة في تبني النهج الحديثة في الإدارة أو بسبب الأنظمة الرتيبة في تولي القيادة مثل الأقدمية وإبعاد الشباب عن تولي المناصب التي تمكنهم من التحديث والتغيير, أم في الرسوم والضرائب التي استنزفت جيب المواطن والتي إن سلمنا لها لا نراها على الأقل تنعكس على البنية التحتية أو جودة الخدمات المقدمة أو حتى على الرواتب والمعاشات التي يتقاضها موظفو القطاع العام.

لا استطيع الحديث في هذا المقال عن جميع مشكلات القطاع العام ولكن لا يزال بإمكاني تسليط الضوء على مشكلة مهمة جدا وهي في الغالب جذر المشكلة أو على الأقل أحد جذورها ألا وهي الأنظمة القديمة في العمل وضعف الاتصال بين دوائر الدولة وقلة التعاون وغياب التنسيق بين دوائرها المختلفة سواء التنسيق العام أو الخاص بإجراء أي عملية أو معاملة وكل ذلك في ظل عدم وجود بنية تحتية إلكترونية متمثلة في شبكة مسارات واتصالات عبر منصات غير تقليديه تربط من بين إجراءات هذه الدوائر ووسائل اتصال آنية فعالة و مجدية ومغنية عن وسائل الاتصال التقليدية, فأن يقوم المناوب الإداري في احد المستشفيات الحكومية في استخدام الفاكس للاستفسار عن توفر أسرّة في مستشفيات أخرى فهذا يشكل برأيي كارثة في زمن أصبحت فيه التقنيات المتقدمة تبشر في وعود كبيرة في الخدمات الحكومية وعلى رأسها القطاع الصحي.

إن إنجاز أي معاملة حكومية في الأردن قد يتطلب من المواطن بعد زيارة اطراف المدينة الأربعة و جمع العديد من التواقيع والأختام سواء كانت مهمة لأمور التدقيق أو التراتب أو لا فائدة منها سوى طمس أي مساحة بيضاء متبقية على أوراق المعاملة أو لجمع الرسوم لصالح الدولة, ولا يخفى على أحد وخاصة في هذه الأيام ما نعيشه من شح في الموارد على مستوى الفرد والدولة, لذا فإن هذه البيروقراطية و الأعمدة المركزية المغروسة في الأماكن الحساسة في مفاصل الدولة سبب في إهدار هذه الموارد سواء المعنوية مثل الوقت والجهد أو المادية مثل المحروقات التي يستخدمها المواطن للتنقل بين الدوائر والمؤسسات والتي تكون في الغالب في أماكن غير مدروسة وغير مترابطة ومترامية في أصقاع المدينة المختلفة, وعلاوة على ذلك زيادة في الاكتظاظ والاختناقات سواء المرورية في الطرق أو الاختناقات البشرية في الدائرة نفسها.

واستجابة لذلك هناك بعض المحاولات الخجولة لتفعيل الخدمات الإلكترونية بأشكالها المختلفة سواء عبر مواقع الأنترنت أو عبر تطبيقات الهواتف الذكية, ولكنها لا تزال بدائية مقارنة لما وصل إليه العالم من حولنا من تقدم في هذا لمجال, ولكن ولأكون منصفاً لا تتحمل الدولة كامل المسؤولية في هذا الأمر لأن الحلول الأكثر ابتكارا والتغيير الفعال مستحيل في ظل عدم انخراط المواطن عقليا وفعليا في هذه الخدمات وذلك في ظل الصورة النمطية المنطبعة في أذهان البعض عن ما يرتبط بهذه الخدمات من غموض أو مخاطر, ولكن في نفس الوقت قد يقول قائل بأن توعيه المواطن نحو الخدمات الحكومية الإلكترونية هي أيضا من مسؤولية الحكومة نفسها وعدم انخراطه الفعال في هذه الخدمات هو لضعف تسويق الحكومة لنفسها فإرسال الرسائل النصية المتطفلة على أجهزة المواطنين أو وضع البروشورات المطبوعة على (كاونترات) الموظفين في الدوائر الحكومية لا يعد بأي شكل من الأشكال وسيلة فعالة لتوعية المواطن وتشجيع انخراطه في الخدمات الإلكترونية, وإنما هي مجرد وسائل تقليدية لا تقل تقليديه عن أداء الحكومات في جميع المجالات وكالمعتاد غياب الابتكار والتجديد الاكتفاء بالوسائل القديمة.

لذا يكمن الحل أو جزء كبير من الحل أنه يجب على مؤسسات القطاع العام أن تصبح أكثر مرونة وتعمل باستمرار على أتمتة عملياتها وتنفيذ الاستراتيجيات الرقمية الحديثة التي تبناها العالم أجمع, وأتمتة جميع الخدمات الحكومية تقريبا سواء في عملياتها من حكومة إلى حكومة ، أو من حكومة إلى شركة أو من حكومة الى فرد مما يسمح للمواطن بالاستفادة من حل شامل للاستفادة من الخدمات الإلكترونية بجميع أشكالها للوصول الى حكومات صفر ورقية آمنة بالإضافة الى خدمات آمنة وسريعة وموثوقة، وهذا فقط ما يمكن القطاع العام من المساهمة في مستقبل أفضل يسمح لقطاع الخدمات الحكومية وكل ما هو مرتبط به من استثمار ورفاهية مواطن وتمنية وبيئة بالنمو والازدهار ضمن نظام قوي مأتمت قائم على بنية تحتية تكنلوجية متماسكة تضمن إنتاجية أعلى وسير عمل تعاوني, وأنا إلى الآن لا استطيع أن أرى ما هو المانع من الوصول الى هذه المرحلة إلا غياب الإرادة وقصر النظر لدى الوزارات بكافة أشكالها وعلى رأسها وزارة الريادة والاقتصاد الرقمي والتي على ما يبدو تحمل اسماً اكبر منها بكثير, بالإضافة الى ما اعتدنا عليه من حكومات تصريف أعمال غير مستعدة ابدأ للمجازفة بأي تحديث وتحمل عواقبه وتفضل بقاء الحال على نفس الحال مع بقاء اكبر إنجازاتها على مستوى تطوير الخدمات الحكومية هو سن نظام هنا وتعليمات هناك أو استئجار مبنى جديد أو عقد دورات أكاديمية بحته للموظفين استجابة فقط للأنظمة فقط التي تلزمهم بذلك وهي ابعد ما تمت للواقع بصلة زيادة في هدر الموارد والفرص.

ويبقى السؤال الأهم هل نحن مستعدون في هذه المرحلة للتغير الرقمي على مستوى الخدمات الحكومية؟

في عام 2020 وصل الأردن الى المرتبة 117 عالمياً من حيث مؤثر تنمية الخدمات الحكومية عبر الأنترنت أو الإلكترونية وبذلك تراجع الأردن 19 مركزا عن عام 2018 وهو لا شك موقع متأخر جدا , ومع ما كل ما ستسوقه وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة لتبرير هذ التراجع أنه لا شك أن تحتل المركز 117 من أصل 197 دولة هو مركز متأخر وحتى مع وجود كل تلك الأعذار المبررات التي اطلقتها الوزارة التي حاولت تجميل الموقف, وعلى الصعيد العربي احتلت المملكة المركز العاشر وذلك خلف دول الخليج بطبيعة الحال وخلف مصر وتونس أيضا, أي خلف دولة تعاني من أزمة سياسية تسببت في أزمة اقتصادية خانقة ومن دولة تعاني من نمو سكاني هائل يشكل ضغطا على موارد الدولة ولكن ذلك لم يمنعهم من احتلال مركز متقدم عن المملكة الأردنية الهاشمية, و صنف الأردن أيضا في المرتبة 148 في مؤشر المشاركة الإلكترونية، متراجعا 31 مرتبة عن التقرير السابق الذي صنّف الأردن وقتها في المرتبة 117 وهنا يمكننا أن نستوضح أنه ليس الأردن من يتراجع, وذلك لأن الخدمات الإلكترونية الحكومية آخذة في الزيادة ولكن دول العالم التي كانت قريبة منا أو حتى متخلفة عنا آخذة بالتطور والازدهار بوتيرة أعلى جدا مما يشهده الأردن فأنت لا تستطلع أي مؤشر أداء يتعلق بالحكومات الإلكترونية إلا وتلاحظ تراجع المملكة عام بعد عام بسبب تسابق دول العالم على تطوير خدماتها الإلكترونية والتحول نحو الحياة الرقمية بينما لا تزال الحكومة لدينا تتسابق وتجتهد في سن الاستراتيجيات والأنظمة والقوانين التي تتغزل وتمجد التحول الرقمي دون أي تطبيق على أرض الواقع, وبإمكانك أيها القارئ أن تستطلع كما فعلت أنا أثناء كتابتي لهذا المقال وتقوم بزيارة بعض المواقع الرسمية على الإنترنت للوزارات الهيئات في الأردن لترى ضعف الاهتمام سوء التصميم وتصطدم بالعديد من روابط الخدمات التي لا تعمل وتعود بك نحو صفحة 404 المزعجة وحتى إنني تفاجأت أن العديد من المواقع الحكومية لا زالت تستخدم برتوكول http وهذا يعني أن أي طرف ثالث متطفل قد يستطيع الاطلاع على المعلومات المستجلبة أو المرسلة الى هذه المواقع كونها غير مشفرة ببروتوكولhttps الذي أصبحت تستخدمه الغالبية الساحقة من مواقع الإنترنت عبر العالم والذي لا تتجاوز كلفة توفيره للموقع اكثر من 20 دولار للسنة الواحدة.

لذا في ظل الوضع القائم وما نشاهده من حولنا من ثورة تكنلوجية هادرة في جميع المجالات التي لم تنعكس على الخدمات الحكومية بالشكل الكافي في جميع أبعادها من (الظهـور والتفاعـل والتبـادل والتكامـل) ولم تستفد الحكومات المتلاحقة من التراكم المعرفي في مجال تكنلوجيا المعلومات لتطوير خدماتها وزيادة عدد المستفيدين وتحسين أساليب تقديمها للمواطنين وتسويق خدماتها بأساليب جذابة عصرية ومبتكرة وتوعية المواطن وتشجيعه على التفاعل معها.

لذا أرى بوضوح بأننا لا زلنا أبعد ما نكون عن التحول الرقمي للقطاع العام وأننا غير مستعدين له في مجال البنية التحتية أولا وفي مجال التوعية المجتمعية وفي مجال التخطيط والتنفيذ والتقييم, فتغيير اسم وزارة الاتصالات الى وزارة الاقتصاد الرقمي و الريادة غير كافي وإنما نحن بهذه المرحلة بحاجة الى جهات مسؤولة مؤمنة بالتطور والحداثة تملك الحماس والإرادة الكافية للتغيير وتحويل القطاع العام من قطاع خدماتي مترهل الى قطاع تكنلوجي مزدهر يتسم بالسرعة والكفاءة وهذا ما يتطلب رجال ليسوا فقط استثنائيين بل استثنائيين وفوق العادة.!


 
تابعو الأردن 24 على google news