انعكاسات العالم الجديد: العودة الى اليمين المتطرف
حميد قرمان
جو 24 :
كثر الحديث والتوقعات السياسية.. حول ما سيؤول اليه العالم قريبا، الذي لم يتعافَ بعد من المخاض العسير لتداعيات جانحة كورونا حتى دخل في ازمات اقتصادية ذات جناحين؛ ركود وتضخم، انتجت صراعات سياسية أثرت على امدادات الطاقة والغذاء، فكانت المحصلة.. دول كبرى على شفا الافلاس والانهيار الاقتصادي وحتى العسكري، وقادة ضعفاء يقرعون طبول الحروب بشغف الايدلوجيات البالية، وشعوب تتمرد على ألوانها السياسية المعتادة.. وتلجأ الى اقصى اليمين بحثا عن "صلابة وهمية" تنقذها من أزماتها الاقتصادية والأمنية والسياسية، والعنوان الأبرز: العالم يتغيير.. وخارطة الدول الكبرى تتشكل من جديد.
دينامية الأحداث المتسارعة والتي سطرتها الحرب (الروسية- الاوكرانية)، جعلت جميع الاطراف الدولية في صدمة سياسية؛ الأوروبيون الآن.. منقسمون على انفسهم في مراجعة مواقفهم السياسية وطبيعة العقوبات الجديدة المزمع فرضها على روسيا، خاصة مع عدم نجاعة العقوبات السابقة على روسيا، والتي بادرت بالمثل وخلقت "أزمة طاقة" داخل الدول الاوروبية، فعدم توفر البدائل لمصادر الطاقة، وتردد البيت الأبيض وسيده في مواجهة علانية صارمة مع الروس، ابقت الحرب الى الآن.. تقاد من تحت الطاولة، فبدأت بعض دول أوروبا تخرج من توجهاتها السياسية المعتادة، فبعد فوز اليمين المتشدد أو المتطرف في كل من السويد والمجر، وإحرازه تقدما ملحوظا في فرنسا وإسبانيا.. يفوز اليوم ولأول مرة منذ أربعينات القرن المنصرم في انتخابات البرلمان الايطالي مما سيسمح له بتشكيل حكومة تناصب العداء ضد بعض الدول داخل الاتحاد أولا ومن ثم دول العالم ثانيا، من خلال رفع خطابها السياسي والاعلامي "الغوغائي" في ظل الازمات الراهنة التي ينتعش بها "اليمين المتطرف أو المتشدد" لكسب شعبوية أوروبية ناجمة عن التهويل من المجهول القادم.. للوصول الى الحرب كنتيجة حتمية لحل الصراعات القائمة.
أوروبا تدخل مرحلة جديدة من تاريخها.. في ظاهرة سياسية عامة؛ ان الشعوب الأوروبية عادت الى أفكارها "الفاشية والنازية" كونها لا تثق في حلفائهم التقليديين.. فلجأت الى التشدد ذو الطابع "المحافظ - الديني" في السياسات العامة نظرا لضعف المواقف المتخذة في مواجهة تداعيات أزمات الحرب الروسية الاوكرانية.. مما سينعكس بالتأكيد على تماسك الوحدة الأوروبية التي أصبحت هشة بعد بقائها صامدة لعقود طويلة، فمعظم الاحزاب اليمينية الأوروبية يناهضون فكرة الأمة الأوروبية، ويدعون لقومياتهم وهي أفكار طفت على السطح الأوروبي مجددا في فترة ولاية الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الذي رفع شعار "أمريكا اولا".. وشعار "أمريكا القوية".
أوروبا امام تحديات في هذه المرحلة المتقلبة، فعدا عن أزمة الطاقة المتصاعدة، هم بحاجة لحلول تجنبهم المصاعب الاقتصادية الناتجة عن اضرابات أسواق المال، وتداعيات الركود والتضخم المتسارع، مع الحفاظ بصعوبة على سياساتهم المتوازنة في العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط وقارة افريقيا والاتفاق الايراني والتصدي للتوغل الصيني، فكل هذه الملفات وغيرها ستتأثر برؤى التيارات والاحزاب اليمينة الصاعدة، في ظل العالم يشهد تقلبات وانعكاسات سياسية تحركها الازمات الاقتصادية.
التاريخ يعيد نفسه.. فأجواء اليوم هي ذات الأجواء عشية الحرب العالمية الثانية، والتي أفضت الى قطبين أثنين.. بعد تأثر مكانة الدول الكبرى المنتصرة بالحرب العالمية الاولى.
لذلك.. الحرب مسألة وقت.. ليعاد تشكيل خارطة العالم من جديد.. سيأفل نجم بعض الدول وينبلج بعضها الآخر، لتنبثق قوى عالمية جديدة تفرض رؤاها السياسية والاقتصادية وتهيمن على باقي الدول، ويتكرر سنياريو العالم متعدد الاقطاب.. وصولا لقوة جديدة تنفرد بحكم العالم.