كيف تصبح مسؤولا كبيرا في الدولة الأردنية
د. ماجد الخواجا
جو 24 :
تداول الأردنيون منشوراً إرشادياً يوضّح كيف لك أن تصير مسؤولاً في الدولة، وتم وضع نسب خاصة بكل فئة من المرشحين القابلين ليكونوا مسؤولين ومنها : التوريث ، معارض تائب، مفشوخ ، أنسباء، سحيج لا يشقّ له غبار. ولم يرد في المنشور أدنى احتمالية لأن يكون للجدارة والكفاءة والأحقية أية نسبة أو احتمالية ليتبوأ الفرد المؤهل أي منصب في الدولة.
طبعاً قد يكون المنشور مبالغاً فيه، لكنه يعبّر عن حالة تكاد تكون سائدة في العقل الوظيفي العام الرسمي، الذي يعلي من الزبائنية والعلائقية وصلات القربى وطبعاً المصالح.
تشير الوقائع الوظيفية العامة بشكلٍ خاص للمواقع المتقدمة ومع توالي الحكومات الأردنية أن هناك معايير ضمنية وخفية لا علاقة لها في معايير ديوان الخدمة المدنية ولا في آليات التعيين وملء شواغر المناصب الوظيفية القيادية في الدولة.
هناك دائماً جاهزية رسمية لتبرير تعيين أي شخص في أي موقع ولو اجتمع الشعب كلّه على عدم أحقيته في المنصب. فتجد التبريرات تنهال بأنه يحمل مؤهلات خاصة، وأنه حصل على درجات متقدمة عند المقابلة، والمقابلة هذه حكاية لوحدها يجدر أن يفرد لها مقالة خاصة.
أذكر عندما جاؤوا بشخص من خارج الأردن وقاموا بتسليمه منصباً يعادل مرتبة الأمين العام والفئة العليا من الموظفين، علماً أنه لم يعمل في القطاع العام ولو ليومٍ واحد، فقدموه على أنه الحل السحرّي للدائرة التي تم منحه إياها دون منافسة حقيقية ودون التقدّم على معايير التعيين للمواقع القيادية. ومن التبريرات لجلب هذا الشخص أنه يمتلك مؤهلات مقطوع وصفها، وأنه في الدولة التي كان فيها قام بمبادرات لم يقم عنترة زمانه بها، بل يزيد عن ذلك أنه اعتبر نفسه تم استغفاله حيث أفاد حينها أنه جاء كوزير لا كأمين عام.
لقد تندر الأردنيون على كثيرٍ من الأشخاص الذين تم إسقاطهم بالبراشوت الخاص في عديدٍ من المواقع، ولم يقتنع أحد بكل المبررات التي تذرعت بها الحكومات المتعاقبة في طرق استلام هؤلاء لمواقعهم. حتى وصل الأمر في نهاية المطاف إلى عدم التبرير من طرف الحكومة، وأصبح الشعب يمارس نوعاً من عدم اللامبالاة فيمن يأتي أو يغادر أي موقع.
لا أدري كيف نتحدث عن إصلاح إداري للوظيفة العامة ونحن نهدم أسس العدالة والنزاهة والكفاءة والأحقية فيها.
لقد اعتادت الحكومات على التبرير لكل ممارساتها التي لا تبرر، كيف أتاحت الحكومة لشخصٍ بمفرده فتح نظام الخدمة المدنية عدة مرّات خلال عام واحد والتلاعب في مواده وتعلمياته التي تمسّ الموظف والوظيفة في جوهرها، وتمنح أو تحجب حقوق وواجبات بمجرد مساسها بأية تغييرات.
كيف سمحت الحكومة لشخص أن يتلاعب في حقوق الموظفين بذريعة تحسين الأداء وترشيقه وزيادة جودته وفعاليته، كلمات هراء نستخدمها لم يثبت التحقق من حدوثها مع كل تلاعب يتم فيها التلاعب بالحقوق والواجبات وآليات التعيين والترقية وتولّي المناصب العامة.
حين وصل الأمر إلى تعيين فني غير مختص بالمطلق في موقع وزير الإعلام، وطبيب في موقع وزير الثقافة، وصاحب شركة في موقع وزير عمل، ومهندس وزير للصحة، ومحامي رئيس هيئة إعلامية، هنا كان ينبغي التوقّف والمراجعة والسؤال : ما أسس تولّي المناصب في الأردن، هل الأقدمية في العمل العام لم يعد يعتدّ بها كمعيار رئيس عند التعيين، هل الحكومة لا تثق في السيرة والمسيرة الوظيفية لموظفيها، هل حقاً أن العناية بالشباب والمرأة تتيح للحكومة أن تجلب بعض المحظيين والمحظيات ذرّاً للرماد في العيون، فيتم تسليمهم مواقع لا يعلمون عنها شيئاً ويبدأوا مرحلة المحاولة والخطأ استناداً لمبادئ ثورندايك في التعلّم، وهل هيئاتنا ومؤسساتنا تحتمل كل هذه العبثية الإدارية مهما كانت الذرائع الواهية أصلاً.
كيف نتوقع درجات الرضى عند الموظف الذي أمضى حياته وأفنى كثيراً منها في العمل العام، فنطلب منه أن يذعن ويرضخ لتعيين مديراً عليه تم إسقاطه كيفما كان، وطبعاً في حال عدم القبول فهناك عديدمن الإجراءات ىالعقابية الممكن استخدامها لكي يتم تعبيد الطرق وتسهيل ركوب المحظّي للمنصب للهيئة أو المؤسسة التي نالها عن فرض إرادة مزوّرة .
كيف يمكن إشاعة ثقافة إدارية مفادها أنك يا موظف مهما فعلت ومهما ترقيت ومهما حصلت على تقييمات ممتازة للأداء ومهما خدمت من سنوات وما تدعى بالأقدمية، فهي كلها لا تشفع لك عند التعيينات في المواقع القيادية لأنها ليست لأمثالك من الجديرين بها.
المفارقة الكارثية المكارثية أنني حاولت ذات غفلة تصديق الحكومات فتقدمت إلى مواقع قيادية عليا ضمن مجالاتي العملية والمهنية والعلمية، لقد تطلب الأمر مني سهر ثلاث ليالي مع ديمومة فتح اللاب توب والإنترنت وأماكن التخزين الإلكتروني كي أجمع الوثائق والمتطلبات الخاصة بالتقدّم للشاغر حتى تصل إلى المرحلة الأولى والمتمثلة في قبول الترشّح للموقع. ثلاث ليالٍ مع نهارها لغايات استكمال وثائق متطلبات التقدّم للوظيفة الشاغرة. لكن كل ذلك الجهد لم يكفي في نظر الحكومة كي أمنح فرصة الوصول لمرحلة ثانية من الترشّح.
فعلاً مع التحفّظ على الشيءالكثير إلا أن ممدوح العبادي جابها من الأخير عندما قالها بصراحة: بيجيبو ناسمن الشارع بيصيرو وزراء.
أضحكني كثيراً رفيقي العجوز في الحزب الذي شاركته وغيرنا مرحلة التأسيس والتحضير للحزب وسهرنا الليالي الطوال حتى يحتل مكانة جيدة في الوسط الحزبي، قلت أضحكني لأنني عندما التقيته طالباً منه إمكانية عودتي للحزب، نظر إلي وهو في النصف الثاني من ىستينيات العمر قائلاً : على الرحب والسعة فأنت بيت خبرة ونحن نفكر بعمل مجلس ( حكماء) للحزب وتكون أحدهم، مجلس لا علاقة له بتفاصيل العمل الحزبي اليومي ، ولكنه يوجّه السياسة العامة العليا ويقدّم النصائح كبيت خبرات متنوعة. نظرت إليه وأدركت أنه فعلاً ابن الحكومة كابراً عن كابر.
أكتفي فللحديث والوجع الوظيفي بقية.