2024-07-31 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مستقبل مجهول بانتظار المتغيبات عن المنازل

مستقبل مجهول بانتظار المتغيبات عن المنازل
جو 24 : ضياع وخوف من مستقبل مجهول يعتري دانا (18 عاما)، وتهديدات بالقتل من قبل أسرتها، وحبيب تنصل من مسؤوليته يرفض الارتباط بفتاة جمعته بها علاقة جنسية بدون زواج.

دانا وهو “اسم مستعار”، تقيم حاليا في مركز رعاية فتيات الرصيفة “الخنساء سابقا”، بعد صدور قرار قضائي بإيداعها لمدة عامين في الدار التابعة لوزارة التنمية، والمتخصصة في توفير الحماية والرعاية للفتيات القاصرات من ضحايا العنف والاعتداءات الجنسية والتغيب.
بدأت قصة “دانا” كما روتها لـ”الغد” عندما كانت تبلغ من العمر 16 عاما، “فنتيجة الخلافات الشديدة بين والديها وعدم قدرة الاب على إدارة شؤون الأسرة، وجراء حالة الفقر الشديدة، انتقلت الفتاة للعيش في منزل عمها.
تقول دانا:”هناك تعرضت للضرب المبرح والتعنيف الجسدي شبه اليومي من قبل عمي وابنه، نتيجة لشكهم في سلوكي”.
وتتابع دانا التي التقتها “الغد” قبل نحو عام خلال جولة للصحفيين على الدار:”خلال فترة تواجدي في منزل عمي تعرفت على شاب من ذات الحي وتغيبت برفقته لاكثر من مرة، وعلى مدار أيام”.
وبسبب علاقة دانا بذلك الشاب وتكرار تغيبها، ادى ذلك الى تعرضها لاعتداء جنسي من قبل من اعتقدت انه “شريك المستقبل”، فضلا عن تهديدها بإنهاء حياتها من قبل اسرتها التي رأت في سلوكها “طعنا بشرف العائلة”.
وبذلت محاولات عدة من وزارة التنمية وإدارة الدار لرأب الصدع بين دانا وعائلتها، لكنها باءت جميعها بالفشل، فالأسرة ترفض اعادة احتضان ابنتها، وفي المقابل فإن خيارات الحياة خارج اطار دور الرعاية باتت محدودة جدا إن لم تكن معدومة.
ولإدراك دانا هذه الحقيقة بشكل تام، آثرت الالتحاق بالتعليم غير النظامي في الدار لتستكمل دراستها الثانوية، علما أن تعليمات الدار تنص على انها مخصصة للفتيات المحتاجات للحماية، للفئة العمرية من (12-18) عاما مع امكانية التمديد لسن العشرين فقط.
“دانا” كغيرها من عشرات الفتيات القابعات اليوم في دور ايواء المعنفات، تكاد لا تمر دقيقة دون ان تفكر فيها بمستقبلها، ليبقى الخيار الوحيد هو الاستفادة من الخدمات التي تقدمها دار اليافعات، بحيث تستكمل دراستها الجامعية وتلتحق بسوق العمل وتقطع أي علاقة لها بالماضي، سواء بأسرتها او بالشخص الذي اعتدى عليها ولم تتم ادانته، نتيجة لعدم “كفاية الأدلة”.
لا إحصاءات لأعداد المتغيبات:
وبحسب أرقام وزارة التنمية، فإن اعداد المتغيبات اللواتي استفدن من الخدمات الايوائية التي تقدمها الوزارة بلغ العام الماضي 144 فتاة وسيدة، توزعن على 127 حالة في دار الوفاق الاسري، منهن 90 فتاة قاصرا، و17 متغيبة استقبلتهن دار رعاية فتيات الرصيفة جميعهن دون سن 18.
في المقابل، فإن هذا العدد لا يعكس حقيقة اعداد المتغيبات في المملكة، إذ إن العديد من الحالات تتم تسويتها في المراكز الامنية أو ادارة حماية الأسرة، وبالتالي لا تسجل ضمن ملفات الوزارة، وعند الاتصال مع المكتب الاعلامي للامن العام، أفاد بأنه لا وجود لإحصاءات حول اعداد البلاغات المقدمة من الاسر حول بناتهن المتغيبات.
أما طبيعة الظروف التي تدفع بالفتاة إلى التغيب فتختلف من حيث المدة ومكان الإقامة، ففي حين يتغيب بعضهن لساعات محدودة، يستمر تغيب أخريات إلى أشهر أو حتى سنوات، كما ان حالات التغيب تختلف بين البالغات المتزوجات والفتيات القاصرات، وهي حالات رصدتها “الغد” من سجلات وزارة التنمية تشير إلى حالة تغيب كانت لجأت فيها الضحية إلى الاقامة في مستشفى البشير لأيام، مدعية انها “مرافقة لأحد المرضى قبل ان يكتشف أمرها”، وتعترف ان لجوءها إلى المستشفى كان “هربا من تعنيف الزوج”.
وثمة حالات أخرى لفتيات قضين عدة ليال في الحدائق العامة، اما الغالب الأعم فهي حالات تم تسجيلها على انها “تغيب” وكانت تقضي فيها الضحية اياما لدى أقرباء أو صديقة ما أيضا هربا من تعنيف الأسرة أو الزوج.
أما الاوضاع الأكثر تعقيدا فيرتبط فيها التغيب بوقوع اعتداء جنسي على الضحية من قبل احد أفراد الاسرة أو شخص غريب.
وثمة دراسات رسمية تؤكد أن أغلب حالات العنف الجنسي التي يتم الكشف عليها في عيادات الطب الشرعي المتخصصة بحماية الأسرة، تتصف بنوع من الاستغلال الجنسي في أثناء تغيب المراهقين عن منازلهم، وبخاصة الإناث منهم، حيث بلغت نسبة حالات الاستغلال الجنسي المتعلقة بظروف تغيب الفتيات عن المنزل ما نسبته 72 % من مجمل حالات العنف الجنسي التي كشف عليها في عيادات الطب الشرعي.
مدير الدفاع الاجتماعي في “التنمية” محمد الخرابشة فيوضح لـ”الغد” أن “غالبية حالات التغيب يتم حلها في المراكز الامنية أو عن طريق الحاكم الإداري، اما الحالات التي يتبين انها تشكل خطورة على حياة الفتاة أو السيدة، فيتم تحويلها لدور الرعاية”، لافتا إلى ان “نسبة كبيرة من حالات التغيب للقاصرات ترتبط بالاعتداءات الجنسية على الضحية، الامر الذي يتطلب وقتا لتسوية الخلاف مع الاسرة”.
ويبين أنه “غالبا ما تعود الفتاة إلى اسرتها بعد تسوية الخلاف والخضوع لجلسات البحث الاجتماعي، كما انه في حالات أخرى يتم تزويج الفتاة بقرار من أسرتها، سواء من المعتدي أو شخص اخر، ذي صلة قرابة بالضحية من باب الستر”.
ويؤكد الخرابشة أن “قرار خروج الفتاة أو تزويجها ليس قرار الوزارة إنما الوزارة تعمل على توفير الحماية للفتيات، من خلال الدور التابعة لها، أما قرار الخروج فهو قرار للقاضي أو الحاكم الاداري، كما ان الزواج هو قرار للفتاة وأسرتها وليس للوزارة أو العاملين فيها”.
وتشير إحصاءات وزارة التنمية إلى انه من بين 88 حالة لمعنفات قاصرات من ضحايا اعتداءات جنسية وتغيب، استقبلتهن دار رعاية فتيات الرصيفة خلال العام 2012، تم تزويج 19 فتاة منهن، حيث تزوج أغلبهن بمقتضى المادة 308 من قانون العقوبات، أو تم تزويجهن من أقارب لهن “اتقاءً للعار”.
وتعفي المادة 308 من قانون العقوبات المغتصب من الملاحقة القانونية في حال تزوج من المجني عليها، وإن اشترطت أن لا يقل عمر الزواج عن خمس سنوات، لتعد الملاحقة لاغية، فيما تصل عقوبة من يغتصب طفلة يقل عمرها عن 15 سنة إلى الإعدام.
التغيب وشبهات استغلال القاصرات في تجارة الجنس
“آلاء” اسم مستعار لفتاة تبلغ من العمر 17 عاما، تابعت “الغد” قصتها على مدار عام ونصف العام، عندما لجأت الفتاة إلى كاتبة التحقيق بهدف مساعدتها على الخروج من واقعها الاجتماعي الصعب، لكن قبل نحو 6 شهور انقطع أي اتصال بـ”آلاء”، حيث تغيرت أرقام هواتفها وقطعت كل اتصالاتها.
وتشكل قصة “آلاء” نموذجا صارخا أو حتى متطرفا في نظر البعض لأسباب وتبعات التغيب، فالخلفية الاسرية لها من حيث التفكك الأسري، وإدمان والدها على الكحول والمخدرات الذي قاد إلى الاعتداء عليها من قبله، وما تبعه من تغيب، لينتهي بها الحال ضحية لزوج يستغلها في أعمال الدعارة.
تقول آلاء: “لم اعرف يوما الحياة الطبيعية للأسرة، فوالداي منفصلان منذ كنت طفلة صغيرة، تربيت في كنف أبي وجدتي لوالدي، وحين بلغت سن 12 عاما، دأب والدي وهو مدمن مخدرات ومشروبات روحية على الاعتداء علي جنسيا، ليستمر الحال على مدار عام، وبعدها افتضح الامر وتم تحويلي إلى دار الرعاية”.
وتتابع:”كانت فترة اقامتي في دار الرعاية جيدة نوعا ما، فكنت اتابع تعليمي المدرسي، وكونت صداقات، لكن كانت الدار بمثابة سجن، فالخروج ممنوع، والمحددات كثيرة”.
وتلفت آلاء إلى ان “الاخصائيات الاجتماعيات في دار الرعاية حاولن اعادة جمعي بوالدتي أكثر من مرة، لكنها كانت ترفض باستمرار ان اعود للعيش عندها، فلطالما وصفتني بـ”البنت القذرة”، محملة إياي مسؤولية ما حدث لي من قبل”.
وتتابع: “بعد انتهاء الحكم القضائي، تم تسليمي إلى عمي، والذي بدوره أعادني إلى والدي الذي كرر فعلته معي، فما كان مني سوى الهرب من منزل والدي إلى منزل احدى الفتيات التي تعرفت عليها في دار الرعاية، والتي عانت من تجربة مماثلة لتجربتي”.
وفي أثناء تغيب آلاء عن منزل عائلتها وإقامتها مع صديقتها، تقدم احدهم لخطبتها وتم الزواج بموافقة ولي امرها، وهي في سن 16، لكن ما كانت تجهله آلاء ان الهدف من زواجها لم يكن تكوين اسرة طبيعية والإنجاب، إنما استغلالها في تجارة الجنس، ليتبين لها لاحقا انها “زوجة ثانية لرجل يدير مع زوجته الأولى شبكة للدعارة”.
وقاومت آلاء رغبة زوجها، حيث عاشت تجارب متكررة للتغيب، تارة من منزل الزوج، وتارة من منزل العائلة، إلى ان استقرت اخيرا مع صديقة لها ووالدتها، ولغايات تأمين مصروفها كانت تخرج مساء كل يوم مع صديقتها التي لم تتجاوز كذلك 18 عاما، إلى أحد النوادي الليلية في منطقة الصويفية، ضمن اتفاق مع مدير الصالة “لمجاملة زبائن النادي برقصة أو طلب مشروب روحي، وتنتهي الليلة بحصولها على مبلغ 20 دينارا من مدير الصالة، بدون أي التزام أو عقد رسمي، وتعود بعد ذلك الى منزل صديقتها”.
وكانت اخر مرة التقت فيها “الغد” مع الاء، حين اقدمت على تجريح يديها وساقيها بـ”المشرط”، بعد نوبة غضب اعترتها نتيجة إخفاقها في عيش حياة طبيعية كغيرها من بنات جيلها.
وكانت مصادر متطابقة في ادارة حماية الاسرة ومكاتب الدفاع الاجتماعي فضلت عدم الافصاح عن هويتها، اكدت لـ”الغد” تعاملها مع عدد من الحالات التي يتم فيها استغلال القاصرات ممن يعانين من حالات تفكك أسري واعتداءات جنسية وتغيب، في اعمال الدعارة، لافتين إلى ان العاملين في هذا المجال غالبا ما يكونون ضمن اطار عائلة واحدة تشمل الرجل وزوجته بشكل رئيسي، وتتسم تلك العائلات بتعدد الزوجات، بحيث يتم استغلال الزوجات في أعمال غير اخلاقية.
وعند مراجعة وزارة العمل ووحدة مكافحة الاتجار بالبشر، تبين أنه خلال العامين الحالي والماضي، لم يتم تسجيل أي مخالفة تتعلق بعمل أو وجود قاصرات في النوادي الليلية، في حين ان المخالفات التي تم رصدها تتعلق بعاملات من جنسيات اجنبية وجميعهن من البالغات، وفق تأكيدات امين عام وزارة العمل حمادة أبو نجمة.
وكانت دراسة أجرتها نقابة العاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة في العام 2011، بينت أن قطاع النوادي الليلية يضم نحو 100 عاملة يتوزعن على 77 ناديا ليليا، وتبلغ نسبة الأردنيات من بينهن 3 % فقط، لكن الدراسة لم تتطرق الى القاصرات.
من جهتها، تبين مديرة مجموعة القانون من اجل حقوق الانسان “ميزان” المحامية إيفا ابو حلاوة، أن “إغراءات عدة تدفع بالفتيات للهروب من منزل العائلة، خصوصا في الاسر التي تعاني من مستويات عنف مرتفعة او نتيجة لمعاناة الفتاة من اضطرابات المراهقة، وهو قرار غالبا ما تندم عليه الفتاة خلال وقت قصير، لكن الخوف من عواقب ما قامت به يجعل من الصعب عليها العودة الى المنزل، بسبب الخوف من العقاب الذي قد يصل حد إنهاء حياتها او عدم تقبلها في الاسرة مجددا”.
وتتابع أبو حلاوة:”نتيجة لذلك فالمتغيبات عادة ما يكن عرضة للاستغلال الجنسي والاقتصادي، خصوصا انهن قاصرات وغير مؤهلات للعمل، كونهن لم يكملن تعليمهن ولسن على ادراك كاف لواقع الحياة، كما انهن يعشن فترة حساسة من حياتهن ألا وهي فترة المراهقة”، لافتة إلى أن الاستغلال لهذه الفئة من الفتيات يتم من قبل نساء ورجال بالغين.
وحول امكانية انقاذ هؤلاء الفتيات من الانحراف، تقول أبو حلاوة: “هناك طبعا حالات نجاح عند التدخل من مؤسسات الدولة كحماية الاسرة ودور الرعاية، من خلال برامج المصالحة مع الأهل وتوفير الارشاد الاجتماعي والقانوني”، موضحة أن ذلك يتطلب مراجعة سابقة لأسباب التغيب لمنع التكرار ووضع خطة مستقبلية وتعريف الفتاة بأخطائها وعواقبها.
وتقدر نسبة نجاح مؤسسات الدولة المعنية بالتوفيق بين الفتاة وأسرتها وعودتها للعيش حياة طبيعية بنحو 50 % من الحالات، لكنها تؤكد ان لا دراسات حقيقية حول ذلك، ومن الصعب معرفة نسبة النجاح الحقيقية للحالات المعقدة.
وحول خيار تزويج الفتاة القاصر من الشخص الذي تغيبت معه، فترى أبو حلاوة ان هناك اختلافا من حالة إلى أخرى، لكن خيار الزواج يجب ان يكون “آخر الخيارات، خصوصا أنه في معظم الحالات يتسبب ذلك بمشكلة أخرى، كأن تصبح عرضة للعنف الاسري أو الطلاق أو استغلالها في اعمال غير اخلاقية”.
تفكك أسري وعنف وإهمال
تبين عضو جمعية حماية ضحايا العنف الاسري زينة مهيار ان “سبب التغييب غالبا ما يكون العنف الاسري وتفكك العائلة، وفي حالات اخرى تكون رغبة لدى الفتاة باكتشاف ما في الخارج نتيجة للقيود المفروضة عليها داخل المنزل”.
وتتابع مهيار أن التعامل مع السبب يعني الوصول الى نصف الحل، لكن الاشكالية الابرز عندما يكون سبب التغيب من داخل الاسرة نفسها، ففي الحالات التي يكون فيها السبب خارجيا فمن الممكن الاصلاح، وعادة بناء العلاقة خصوصا ان الاسر غالبا ما تتكاتف لتعامل مع أي مشكلة تواجه أبناءها.
مستشار الطب الشرعي والخبير لدى الامم المتحدة في مواجهة العنف ضد الاطفال الدكتور هاني جهشان، يرى في هروب المراهقين من المنزل، والذي يشمل الفتيات والفتيان في عمر المراهقة (من 12 لغاية 18عاما) “مشكلة حقيقية”، لافتا الى أن “غالبية حالات العنف الجنسي التي يتم الكشف عليها في عيادات الطب الشرعي المتخصصة بحماية الأسرة، تتصف بنوع من الاستغلال الجنسي في أثناء تغيب المراهقين عن منازلهم وبخاصة الإناث منهم”.
ويتابع جهشان:”كثير ممن يتغيبون عن منازلهم، لا يصفون ما قاموا به بأنه تغيب بالإرادة الكاملة لهم، وإنما هو نوع من الطرد غير المباشر بسبب تعرضهم للعنف والإهمال داخل المنزل، إلا أن بعضا منهم تعرضوا للطرد المباشر بكل معنى الكلمة”، لافتا الى ان “غالبية الأطفال المتغيبين يعتبرون إطلاق تعبير “هروب من المنزل” إساءة لهم، وأنه حكم مسبق عليهم من قبل المجتمع بأنهم أطفال سيئون ومشاكسون”.
ويزيد: “أغلب حالات التغيب التي تشاهد في الأردن تحدث مباشرة عقب تعرض المراهق أو المراهقة لحالة “خلل أسري حاد” كالتعرض للعنف والإيذاء الجسدي المباشر أو للإساءة الجنسية، وبنسبة أقل تكون بسبب التعرض لهذه العوامل خلال فترة طويلة الأمد.
ويشير جهشان إلى سمات عامة يتصف بها غالبية المراهقين المتغيبين وأسرهم، كأن تكون أسرا تتصف بدرجة عالية من التفكك والنزاعات الزوجية، وشيوع العنف والإهمال، ومعاناة أفرادها، خاصة أحد الوالدين، من الأمراض النفسية، وتعرض المراهقات داخل الأسرة للعنف والإهمال، خاصة العنف والاستغلال الجنسي من أحد أفراد الأسرة، بما في ذلك مخاطر إرغام بعض الفتيات على الزواج المبكر بدون رضاهن، أو أن يكن قد تعرضن لعنف جنسي في أثناء طفولتهن، فيهربن قبيل زواجهن خوفا من تعرضهن لوصمة أنهن لسنا عذراوات.
ويبين أن بعض المراهقات يهربن من المنزل بسبب اعتقاد تولد لديهن أنهن مضطهدات، وأنهن بهروبهن سيحصلن على الحرية والاستقلالية، بما فيها حرية اختيار صديقاتهن أو بدافع لقاء اشخاص على علاقة غرامية معهن.
ويلفت جهشان إلى عامل الاضطرابات النفسية، موضحا ان معاناة المراهقات من هذه الاضطرابات وبعض أشكال اضطراب الشخصية المرتبطة بتعرضهن للعنف والإهمال يشكل عامل خطورة مهما لهربهن من المنزل، بسبب غياب التأهيل النفسي والاجتماعي.
ويوضح:”أظهرت الإحصاءات أن نسبة هذه الاضطرابات تصل إلى 75 % من مجمل عدد المتغيبات، كما أن نسبة شيوع انتشار الكآبة ومحاولة الانتحار بينهن تصل إلى 30 % من مجمل عددهن”.
ويحذر جهشان من عواقب تغيب الفتيات عن منازلهن، حيث يمكن أن يكن خلال تلك الفترة ضحايا مخاطر الاستغلال الجنسي بكافة أشكاله، بما في ذلك مخاطر الانخراط في “تجارة الجنس”، وخاصة إذا كن في عمر المراهقة المبكر، وفي ظروف التعود على المخدرات والكحول، ومصاحبة فتيات مراهقات متغيبات بظروف مماثلة، وكذلك في حال كون المراهقة تعاني من اضطرابات الشخصية أو الاعراض النفسية قبل الهرب من المنزل.
ويؤكد أن هؤلاء الفتيات “يصبحن ضحايا العنف والإيذاء من قبل المجرمين اليافعين، ويصبحن معرضات للجنوح والانخراط في ارتكاب جرائم كالسرقة وتهريب المخدرات، والدعارة، والانضمام لعصابات الاتجار بالبشر، والمخدرات، اضافة إلى امكانية تعرضهن للإصابة بالعديد من الأمراض”.
التغيب خروج عن العرف
التغيب لا يعد جريمة في القانون، لكنه خروج عن العرف، الذي هو أحد مصادر التشريع، وبحسب المستشار القانوني لوزارة التنمية الاجتماعية عايش العواملة، فإنه “إذا تغيبت الفتاة عن منزل ذويها تكون قد ارتكبت سلوكا تسبب باتخاذ اجراءات حماية بحقها، من خلال انتزاعها من البيئة التي تعيش فيها”.
ويلفت العواملة إلى نوعين من المتغيبات، الاول هو التغيب والقيام بجرم أو مخالفة للعرف بتحريض من الشخص الذي تغيبت معه، اما النوع الثاني فيشمل ضحايا العنف والاساءة في اسرهن، واللواتي يتغيبن هربا من واقع اجتماعي صعب وضغوطات عائلية.
وحول دور وزارة التنمية الاجتماعية، يوضح ان الوزارة تشكل جزئية من منظومة كاملة للتعامل مع المتغيبات، ويقول: “نحن نطبق منهج العدل الاسري وهو مطبق في دار الوفاق، ويعتمد على التعامل مع كافة جوانب الحالة، ونعتبرها ضحية بحاجة إلى حماية ارتكبت سلوك كسر قواعد العرف، ما ادى إلى ملاحقتها واحيانا تهديد حياتها”.
ويقر العواملة بوجود “قصور تشريعي في ما يخص تقديم خدمات منهجية للفتيات ضحايا العنف والمتغيبات بعد عودتهن، فضلا عن عدم توفر الموازنات الكافية لتمويل برامج الرعاية اللاحقة، والتي تتضمن تأهيلا نفسيا واجتماعيا ومهنيا”.
ويبين العواملة: “نحن بحاجة إلى تشريع يحدد اختصاص الوزارة في مسألة الرعاية اللاحقة، إلى جانب ضرورة التوسع في برامج الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال، لتوفير التمويل اللازم”.
في المقابل، فإن وزارة التنمية الاجتماعية تعول على مشروع قانون الأحداث المنظور حاليا في مجلس النواب، لمعالجة الخلل التشريعي المتعلق بالرعاية اللاحقة، سواء للأطفال فاقدي السند الأسري أو ضحايا العنف، بمن فيهم المعنفات والمتغيبات القاصرات، إذ يتضمن بندا كاملا حول الرعاية اللاحقة لما بعد سن 18 عاما.
ما بعد التغيب!؟
وتتفق عضو جمعية حماية ضحايا العنف مهيار مع العواملة في اهمية برامج الرعاية اللاحقة للفتيات المتغيبات، لافتة إلى ان الفتاة عند دخولها إلى دور الرعاية حتى وإن خضعت لبرامج التأهيل النفسي والاجتماعي او استكمال الدراسة أو التدريب المهني، لكن الاشكالية تتجدد لدى عودتها إلى ذات البيئة السابقة والجو الاسري نفسه.
وتتابع مهيار:”المشكلة التي لمسناها من خلال عملنا كمؤسسة مجتمع مدني تسعى لحماية المعنفات، أن الاهل يرفضون برامج الرعاية اللاحقة، وليس هناك فعليا ما يجبر الأهل على الدخول في برامج الارشاد والتأهيل، فضلا عن ان الكثير من الاسر تغير عنوان اقامتها وبالتالي ينقطع أي اتصال مع الضحية وأسرتها”.
فيما يرى جهشان ان الفتاة معرضة لعواقب في حال عودتها إلى ذات المحيط الاسري، وعلى رأسها خطر تعرضهن للعنف من قبل أهاليهن، ويشمل ذلك “العنف النفسي بالشتم والتحقير ووسائل الإذلال المختلفة، وإرغام الفتيات على ترك المدرسة، وحبسهن في غرف معزولة، وإرغامهن على الزواج مبكرا تجنبا للوصمة الاجتماعية، ومخاطر تعرضهن للتعذيب، وقد يصل إلى قتلهن بداعي الحفاظ على الشرف”.
وفي نيسان (ابريل) الماضي، عثرت الاجهزة الامنية على جثة فتاة تم جز رقبتها وطعنها أكثر من عشرين مرة في جسدها، وبعد التحقيقات تبين ان شقيقها أقدم على الجرم بحجة “تطهير شرف العائلة” بعد تكرار تغيب شقيقته عن منزل أسرتها.
وفي وقت ترفض به بعض الاسر استقبال بناتهن، كما حصل مع دانا وولاء أو حتى قتلهن بداعي انهن “دنسن شرف العائلة”، فإن مختصين يشيرون إلى ارتفاع الوعي لدى العديد من الاسر التي تصر على اعادة احتضان بناتهن والتعلم من تجربة مريرة لحقت بالأسرة.
ومن هذه القضايا الغريبة، قضية “هناء”، وهو اسم مستعار لفتاة تبلغ من العمر (17) عاما، تغيبت على مدار ثلاثة ايام مع شاب وافد يكبرها بخمسة اعوام يعمل حارسا لإحدى العمارات المجاورة لبيت عائلتها الكائن في احد احياء عمان الشعبية.
وبعد العثور على هناء تم ايداعها في دار للرعاية، وتوقيف الشاب الذي تغيبت برفقته بتهمة “هتك العرض”، لكن مشاعر هناء تجاه صديقها دفعتها لتغير أقوالها امام المحكمة، ليتم اطلاق سراح الشاب وتوقيفها في مركز رعاية وتأهيل الفتيات بتهمة “شهادة الزور”، فتتحول بذلك من ضحية إلى فتاة جانحة بحكم القانون.
في المقابل، لم يتخل والد هناء الذي التقته “الغد” عن ابنته طوال فترة توقيفها، رغم الألم النفسي الكبير الذي تسبب به سلوكها للعائلة برمتها، إذ استمر الأب في التواصل مع ابنته لإيجاد حل لمشكلتها، وانتهت بتكفيل ابنته وعودتها إلى بيت العائلة.
حلول مقترحة لدمج الفتيات
التوعية الوالدية وتعزيز الاتصال بالأبناء تعد أساسا في التعامل مع اضطرابات المراهقة ومن بينها التغيب.
وتقول أبو حلاوة “في التغيب غالبا ما يكون الطرفان الفتاة والأهل ضحية”، موضحة “الأهل لا يريدون الأذى لبناتهن، هناك حاجة لوجود شبكة مساندة تساعدهم على التعامل مع أبنائهم وبناتهم، وكذلك التعامل مع المجتمع والبيئة المحيطة”.
أما مهيار فتؤكد ضرورة إيجاد شراكة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع لتقديم هذه الخدمات، بوصفه جهدا تكامليا يشمل أطرافا متعددة.
يقول جهشان:”المطلوب تمكين الأسرة بشكل عام، وكذلك التوعية بوسائل الاتصال ال
إيجابية مع الأطفال، بمن في ذلك الفتيات المراهقات، وهذه البرامج تحتاج إلى جهد وطني يتجاوز وزارة التنمية الاجتماعية إلى كافة القطاعات الصحية والقانونية والتربوية والمنابر الدينية، والمجالس المعنية بوضع السياسات والقوانين”.
ويدعو إلى توفير برامج متخصصة للتعامل مع المتغيبات عن المنزل، والحماية والرعاية لهن بطريقة إنسانية تشمل توفير سهولة النفاذ لخط هاتف المساعدة، والخدمات الاجتماعية والقانونية والصحية، الى جانب إيجاد قسم متخصص في إدارة حماية الأسرة يتعامل مع مثل هذه الحالات على المستوى الوطني.الغد
تابعو الأردن 24 على google news