ملاحظات على حوار السيسي
فهمي هويدي
جو 24 : لا أعرف ما هي حدود المباح وغير المباح في التعليق أو مناقشة التصريحات التي نشرتها جريدة «المصري اليوم» على لسان الفريق عبدالفتاح السيسي، ذلك أن الرجل له منصبه العسكري باعتباره وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، ومعلوماتي أن وزارة الإعلام أخبرت الصحف بحظر نشر أي شيء يتعلق بالقوات المسلحة إلا بعد الرجوع إليها. وهو ما أوقعني في حيرة فالمتحدث هو قائد القوات المسلحة، لكن كلامه كله في السياسة. وصفته ومنصبه يمنعاننا من مناقشة كلامه، أما تصريحاته فتغرينا بتلك المناقشة. وللخروج من ذلك المأزق فإنني آثرت أن أتطرق إلى كلامه من حيث الشكل من باب الاحتياط، وسأحتفظ بآرائي فيما خص الموضوع لحين ميسرة أرجو ألا يطول انتظارها.
ملاحظاتي الشكلية على الحوار المنشور ألخصها فيما يلي:
< أن طريقة النشر التي استمرت ثلاثة أيام ترجح احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية، ولأنني قرأت الحوار كاملا بعد العودة من السفر فقد أصبحت أكثر اقتناعا بأننا لسنا بصدد حوار صحفي بقدر ما أننا إزاء حلقة جديدة من حملة «كمل جميلك» التي أطلقها البعض في الأسابيع الماضية، الأمر الذي جعلنا بإزاء جهد للتسويق ينتمي إلى العلاقات العامة بأكثر مما ينتسب إلى العمل الصحفي. وقد تحول ذلك الظن إلى شبه يقين في الحلقة الثالثة والأخيرة، حين سئل الرجل عن ترشحه للرئاسة فإنه لم يستبعد ذلك الاحتمال، ورد بإجابة دبلوماسية قال فيها ان الوقت غير مناسب لإثارة هذا الموضوع، مضيفا أن الله غالب على أمره، كما أنه أعاد تأويل كلامه السابق الذي حذر فيه من دخول الجيش في السياسة، معتبرا أن الكلام لا ينبغي أن يبتسر وأن يقرأ في سياقه.
< لاحظت أن الفريق السيسي الذي نشرت له الصحيفة 28 صورة متعددة الأحجام ومن زوايا مختلفة. تمنى ان يحظى ببعض الثقة التي أولاها الناس للرئيس جمال عبدالناصر، وهو في ذلك لم يكن ذهنه متجها إلى جمال عبدالناصر الضابط، ولكنه كان يتحدث عن الزعيم في الرجل، وفي حدود المعلومات المتسربة فإن هذه الفكرة لا يتبناها بعض الناصريين في مصر فحسب، ولكنها تلقى أيضا ترحيبا وتشجيعا من بعض الدول الخليجية التي سارعت إلى تأييده ومباركته. ومن المفارقات في هذا الصدد أن الأطراف التي حاربت عبدالناصر بالسلاح في اليمن في الستينيات، هي التي تقود مباركة ترشيح السيسي في المحيط العربي.
< كل كلام الفريق السيسي كان عن الشأن الداخلي. ورغم انه كرر في حديثه الإشارة إلى الرؤية الاستراتيجية، إلا انه لم يشر بكلمة إلى التحديات والحسابات الاستراتيجية الخارجية التي تواجه مصر، فلا تطرق إلى علاقة مصر بمحيطها العربي، ولا إلى موقفها من التغول والاستيطان الإسرائيلي. الذي يهدد بتصفية القضية الفلسطينية. ومن ثم يهدد أمن مصر القومي. ولا تحدث عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئ مسؤولوها العسكريون يتحدثون عن التحالف الاستراتيجي مع الجيش المصري.
< أعجبني تصريح السيسي الذي قال فيه إن حدودنا كرامتنا، وإن جيشنا قادر على صد أي عدوان. وهذا الاعجاب دفعني إلى التساؤل عن موقفه من اتفاقية السلام مع إسرائيل وإلى أي مدى تمثل مساسا بالكرامة والسيادة المصرية. وبهذه المناسبة فقد حمدت له تمثله للرئيس جمال عبدالناصر وإعجابه بشخصه، لكنني احترت حقا في إعجابه بالسادات. ولم أفهم كيف يمكن أن يتحقق الإعجاب بالسادات الذي كان مشروعه في جملته على النقيض من مشروع عبدالناصر، رغم الانجاز الذي حققه في حرب عام 73.
< بهذه المناسبة فقد لاحظت الانصاف والحذر الذي اتسم به كلامه عن موضوع حلايب ومشروع تنمية قناة السويس، واعتبر ان موقف الدكتور محمد مرسي من هذين الملفين أثار قلق قيادة القوات المسلحة باعتبار صلتهما الوثيقة بملف الأمن القومي. وأثار انتباهي فيما قاله انه لم يتحدث عن وضع سيناء في تلك الفترة التي أشاعت بعض الأطراف ان الانفاق التي تصلها بقطاع عزة تشكل مصدرا لعدم استقرارها وأحد عوامل تهديد الأمن المصري. ولم استبعد ذلك لأن الفريق السيسي حين كان رئيسا للمخابرات العسكرية كان طرفا في غرفة عمليات شاركت فيها قيادة حماس وكانت مهمتها الحفاظ على أمن سيناء.
< لابد أن يحمد المرء للرجل عفة لسانه في حديثه عن الدكتور محمد مرسي، ودقته في التعبير عن العوامل التي أدت إلى عزله، حيث أرجع ذلك إلى إخفاقاته وعدم نجاحه في إدارة الشأن الداخلي. وهذا صحيح، لكن لغته اختلفت في حديثه عن مرحلة ما بعد العزل، ذلك انه تجاهل السبب الرئيسي المتمثل في الإخفاق، وتحدث عن الترويع والتخريب والإرهاب، مما أعطى انطباعا بأن العوامل الأخيرة هي سبب العزل وليست نتيجة لها.
< كان السيسي موفقا حين قال إن بعض الإسلاميين أساؤوا إلى الإسلام وليس كلهم كما يصدر الخطاب الإعلامي الراهن. لكنه لم يكن موفقا في حديثه عن عدم انشغال الإخوان بالوطن والحدود، والتزامهم بأفكار الخلافة والأمة. وهي معلومة تمنيت ان يراجعها لأن تاريخ الحركة الوطنية المصرية يذكر للإخوان انهم قادوا معسكرات محاربة الاحتلال الإنجليزي في الإسماعيلية، وان بعض شبابهم، (عمر شاهين وأحمد المنيسي)، قتلوا أثناء تلك المعارك.
< أخيرا فإن الفريق السيسي قدم تقييما لفترة حكم الدكتور مرسي، وهو ما يستحق التقدير والاحترام، لكن ذلك يظل قراءة من جانب واحد، يتعذر على المرء ان يسلم بها ــ إذا كان منصفا ــ إلا إذا سمع رأي الطرف الآخر ورده على ما نسب إليه، وهو ما ليس متاحا في الوقت الراهن ــ هنا ينتهي حدود الكلام المباح.
(السبيل)
ملاحظاتي الشكلية على الحوار المنشور ألخصها فيما يلي:
< أن طريقة النشر التي استمرت ثلاثة أيام ترجح احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية، ولأنني قرأت الحوار كاملا بعد العودة من السفر فقد أصبحت أكثر اقتناعا بأننا لسنا بصدد حوار صحفي بقدر ما أننا إزاء حلقة جديدة من حملة «كمل جميلك» التي أطلقها البعض في الأسابيع الماضية، الأمر الذي جعلنا بإزاء جهد للتسويق ينتمي إلى العلاقات العامة بأكثر مما ينتسب إلى العمل الصحفي. وقد تحول ذلك الظن إلى شبه يقين في الحلقة الثالثة والأخيرة، حين سئل الرجل عن ترشحه للرئاسة فإنه لم يستبعد ذلك الاحتمال، ورد بإجابة دبلوماسية قال فيها ان الوقت غير مناسب لإثارة هذا الموضوع، مضيفا أن الله غالب على أمره، كما أنه أعاد تأويل كلامه السابق الذي حذر فيه من دخول الجيش في السياسة، معتبرا أن الكلام لا ينبغي أن يبتسر وأن يقرأ في سياقه.
< لاحظت أن الفريق السيسي الذي نشرت له الصحيفة 28 صورة متعددة الأحجام ومن زوايا مختلفة. تمنى ان يحظى ببعض الثقة التي أولاها الناس للرئيس جمال عبدالناصر، وهو في ذلك لم يكن ذهنه متجها إلى جمال عبدالناصر الضابط، ولكنه كان يتحدث عن الزعيم في الرجل، وفي حدود المعلومات المتسربة فإن هذه الفكرة لا يتبناها بعض الناصريين في مصر فحسب، ولكنها تلقى أيضا ترحيبا وتشجيعا من بعض الدول الخليجية التي سارعت إلى تأييده ومباركته. ومن المفارقات في هذا الصدد أن الأطراف التي حاربت عبدالناصر بالسلاح في اليمن في الستينيات، هي التي تقود مباركة ترشيح السيسي في المحيط العربي.
< كل كلام الفريق السيسي كان عن الشأن الداخلي. ورغم انه كرر في حديثه الإشارة إلى الرؤية الاستراتيجية، إلا انه لم يشر بكلمة إلى التحديات والحسابات الاستراتيجية الخارجية التي تواجه مصر، فلا تطرق إلى علاقة مصر بمحيطها العربي، ولا إلى موقفها من التغول والاستيطان الإسرائيلي. الذي يهدد بتصفية القضية الفلسطينية. ومن ثم يهدد أمن مصر القومي. ولا تحدث عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئ مسؤولوها العسكريون يتحدثون عن التحالف الاستراتيجي مع الجيش المصري.
< أعجبني تصريح السيسي الذي قال فيه إن حدودنا كرامتنا، وإن جيشنا قادر على صد أي عدوان. وهذا الاعجاب دفعني إلى التساؤل عن موقفه من اتفاقية السلام مع إسرائيل وإلى أي مدى تمثل مساسا بالكرامة والسيادة المصرية. وبهذه المناسبة فقد حمدت له تمثله للرئيس جمال عبدالناصر وإعجابه بشخصه، لكنني احترت حقا في إعجابه بالسادات. ولم أفهم كيف يمكن أن يتحقق الإعجاب بالسادات الذي كان مشروعه في جملته على النقيض من مشروع عبدالناصر، رغم الانجاز الذي حققه في حرب عام 73.
< بهذه المناسبة فقد لاحظت الانصاف والحذر الذي اتسم به كلامه عن موضوع حلايب ومشروع تنمية قناة السويس، واعتبر ان موقف الدكتور محمد مرسي من هذين الملفين أثار قلق قيادة القوات المسلحة باعتبار صلتهما الوثيقة بملف الأمن القومي. وأثار انتباهي فيما قاله انه لم يتحدث عن وضع سيناء في تلك الفترة التي أشاعت بعض الأطراف ان الانفاق التي تصلها بقطاع عزة تشكل مصدرا لعدم استقرارها وأحد عوامل تهديد الأمن المصري. ولم استبعد ذلك لأن الفريق السيسي حين كان رئيسا للمخابرات العسكرية كان طرفا في غرفة عمليات شاركت فيها قيادة حماس وكانت مهمتها الحفاظ على أمن سيناء.
< لابد أن يحمد المرء للرجل عفة لسانه في حديثه عن الدكتور محمد مرسي، ودقته في التعبير عن العوامل التي أدت إلى عزله، حيث أرجع ذلك إلى إخفاقاته وعدم نجاحه في إدارة الشأن الداخلي. وهذا صحيح، لكن لغته اختلفت في حديثه عن مرحلة ما بعد العزل، ذلك انه تجاهل السبب الرئيسي المتمثل في الإخفاق، وتحدث عن الترويع والتخريب والإرهاب، مما أعطى انطباعا بأن العوامل الأخيرة هي سبب العزل وليست نتيجة لها.
< كان السيسي موفقا حين قال إن بعض الإسلاميين أساؤوا إلى الإسلام وليس كلهم كما يصدر الخطاب الإعلامي الراهن. لكنه لم يكن موفقا في حديثه عن عدم انشغال الإخوان بالوطن والحدود، والتزامهم بأفكار الخلافة والأمة. وهي معلومة تمنيت ان يراجعها لأن تاريخ الحركة الوطنية المصرية يذكر للإخوان انهم قادوا معسكرات محاربة الاحتلال الإنجليزي في الإسماعيلية، وان بعض شبابهم، (عمر شاهين وأحمد المنيسي)، قتلوا أثناء تلك المعارك.
< أخيرا فإن الفريق السيسي قدم تقييما لفترة حكم الدكتور مرسي، وهو ما يستحق التقدير والاحترام، لكن ذلك يظل قراءة من جانب واحد، يتعذر على المرء ان يسلم بها ــ إذا كان منصفا ــ إلا إذا سمع رأي الطرف الآخر ورده على ما نسب إليه، وهو ما ليس متاحا في الوقت الراهن ــ هنا ينتهي حدود الكلام المباح.
(السبيل)