من "ماسبيرو" إلى "رابعة".. الضحية واحدة
ياسر ابو هلاله
جو 24 : لو كان الناشط القبطي "مينا" حيا، هل كان سيتحدى المزاج الأسود، وينعى الشهيدة حبيبة أحمد عبدالعزيز؛ الصحفية التي استشهدت في ميدان "رابعة العدوية"؟ كان استشهد قبلها في مجزرة "ماسبيرو"، ونعته في صفحتها على "فيسبوك"، متحدية كل المزاج الطائفي الأسود في مصر، إذ كتبت عنه:
"في مثل هذا اليوم، بابتسامة كلها رضى، احتضن مينا بثبات الدبابة التي دهسته بلا رحمة، متناسية سنه الغض وقلبه الحنون الذي عشق بلاده.. رحمة الله عليك يا أخي".
لم يجمع الفقيدين لا مكان واحد ولا دين واحد، إنما جمعهما قاتل واحد. والدها وهو أحد مستشاري الرئيس محمد مرسي استذكر المجزرة، ووثق حواره مع ابنته الشهيدة حبيبة:
"كم كنتِ آسفة عليه. وكم كنتِ حزينة، لقول بعضهم بعدم جواز الترحم عليه. الآن.. صرت أعلم بحاله مني يا حبيبة".
من المهم رصد هذه التفاصيل، فصحيح أن حبيبة كانت تعمل مع صحيفة إماراتية، لكنها ابنة أسرة إخوانية، وهي لا تخفي آراءها المؤيدة للإخوان المسلمين والرئيس مرسي. غير أنها في المقابل ليست طائفية. في المقابل، تجد ناصريين وماركسيين وليبراليين تنخرهم الطائفية. فلا علاقة بين التدين والطائفية؛ على العكس، أشد الطائفيين تجدهم ملحدين.
في مصر كارثة طائفية، خففت منها ثورة 25 يناير. لكنها عادت بقوة بعد انقلاب العسكر. وإذ يتحمل الإخوان المسلمون جزءا من المسؤولية تجاه ذلك، إلا أن المسؤولية الكبرى يتحملها الرئيس جمال عبدالناصر. فمع أنه تبنى مشروعا قوميا، إلا أنه كان طائفيا تجاه الأقباط الذين خسروا معظم مكتسباتهم في العهد الملكي بعد ثورة يوليو 1952. وتم تهميشهم في مرافق الدولة العسكرية والأمنية والسياسية.
لم يرتكب الإخوان مجزرة ماسبيرو؛ ارتكبها الجيش المصري، وتحديدا الشرطة العسكرية، بحق المحتجين الأقباط في مثل هذه الأيام. وهو ذات الجيش الذي ارتكب مجزرة "محمد محمود" وصولا إلى "رابعة". وهو الجيش ذاته الذي انتصر في حرب أكتوبر 1973.
تلقى الجيش أوامره في ماسبيرو من المشير محمد طنطاوي، وكان عبدالفتاح السيسي مديرا للمخابرات العسكرية. تماما كما تلقى هذا الجيش أوامره من السيسي في مجرزة رابعة. القائد العام هو المسؤول.
خطأ مرسي أنه انتهج سياسة مصالحة وانفتاح، وتصرف كرئيس دولة لا كزعيم ثورة. كان من المفروض أن يحاكم المجلس العسكري على مجزرتي ماسبيرو ومحمد محمود. ساعتها كان سيسهم في تفكيك الاحتقان الطائفي. فهو عندما يأخذ حق الضحايا الأقباط، يوصل رسالة عملية أنه رئيس كل المصريين، ويقصم ظهر الدولة العميقة التي تستند للعسكر بشكل أساسي.
موقف قيادة الكنيسة كارثي، ولا يقل سوءا عن موقف "المفتي" علي جمعة. فبابا الكنيسة شكر الجيش والشرطة، لكن المفتي دعاهم للضرب بالمليان، وتحدث بلغة عنصرية كريهة "رائحتهم نتنة"، مع أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم.
في المعايير النسبية، ظل موقف الإخوان أرقى أخلاقيا من خصومهم اليوم. صحيح أنهم لم يتصدوا للمجزرة كما يجب، لكنهم لم يناصروا الجيش ويقولوا له "تسلم الأيادي". الجيش المصري الحالي لم يخض واحد من أفراده حرب أكتوبر، والعقيدة العسكرية له اليوم وواقعه الميداني لا يعتبران إسرائيل عدوا. العدو هو كل من يسعى إلى انتزاع حريته؛ سواء كان مينا القبطي أم حبيبة الإخوانية! رحمهما الله.
yaser.hilala@alghad.jo
(الغد)
"في مثل هذا اليوم، بابتسامة كلها رضى، احتضن مينا بثبات الدبابة التي دهسته بلا رحمة، متناسية سنه الغض وقلبه الحنون الذي عشق بلاده.. رحمة الله عليك يا أخي".
لم يجمع الفقيدين لا مكان واحد ولا دين واحد، إنما جمعهما قاتل واحد. والدها وهو أحد مستشاري الرئيس محمد مرسي استذكر المجزرة، ووثق حواره مع ابنته الشهيدة حبيبة:
"كم كنتِ آسفة عليه. وكم كنتِ حزينة، لقول بعضهم بعدم جواز الترحم عليه. الآن.. صرت أعلم بحاله مني يا حبيبة".
من المهم رصد هذه التفاصيل، فصحيح أن حبيبة كانت تعمل مع صحيفة إماراتية، لكنها ابنة أسرة إخوانية، وهي لا تخفي آراءها المؤيدة للإخوان المسلمين والرئيس مرسي. غير أنها في المقابل ليست طائفية. في المقابل، تجد ناصريين وماركسيين وليبراليين تنخرهم الطائفية. فلا علاقة بين التدين والطائفية؛ على العكس، أشد الطائفيين تجدهم ملحدين.
في مصر كارثة طائفية، خففت منها ثورة 25 يناير. لكنها عادت بقوة بعد انقلاب العسكر. وإذ يتحمل الإخوان المسلمون جزءا من المسؤولية تجاه ذلك، إلا أن المسؤولية الكبرى يتحملها الرئيس جمال عبدالناصر. فمع أنه تبنى مشروعا قوميا، إلا أنه كان طائفيا تجاه الأقباط الذين خسروا معظم مكتسباتهم في العهد الملكي بعد ثورة يوليو 1952. وتم تهميشهم في مرافق الدولة العسكرية والأمنية والسياسية.
لم يرتكب الإخوان مجزرة ماسبيرو؛ ارتكبها الجيش المصري، وتحديدا الشرطة العسكرية، بحق المحتجين الأقباط في مثل هذه الأيام. وهو ذات الجيش الذي ارتكب مجزرة "محمد محمود" وصولا إلى "رابعة". وهو الجيش ذاته الذي انتصر في حرب أكتوبر 1973.
تلقى الجيش أوامره في ماسبيرو من المشير محمد طنطاوي، وكان عبدالفتاح السيسي مديرا للمخابرات العسكرية. تماما كما تلقى هذا الجيش أوامره من السيسي في مجرزة رابعة. القائد العام هو المسؤول.
خطأ مرسي أنه انتهج سياسة مصالحة وانفتاح، وتصرف كرئيس دولة لا كزعيم ثورة. كان من المفروض أن يحاكم المجلس العسكري على مجزرتي ماسبيرو ومحمد محمود. ساعتها كان سيسهم في تفكيك الاحتقان الطائفي. فهو عندما يأخذ حق الضحايا الأقباط، يوصل رسالة عملية أنه رئيس كل المصريين، ويقصم ظهر الدولة العميقة التي تستند للعسكر بشكل أساسي.
موقف قيادة الكنيسة كارثي، ولا يقل سوءا عن موقف "المفتي" علي جمعة. فبابا الكنيسة شكر الجيش والشرطة، لكن المفتي دعاهم للضرب بالمليان، وتحدث بلغة عنصرية كريهة "رائحتهم نتنة"، مع أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم.
في المعايير النسبية، ظل موقف الإخوان أرقى أخلاقيا من خصومهم اليوم. صحيح أنهم لم يتصدوا للمجزرة كما يجب، لكنهم لم يناصروا الجيش ويقولوا له "تسلم الأيادي". الجيش المصري الحالي لم يخض واحد من أفراده حرب أكتوبر، والعقيدة العسكرية له اليوم وواقعه الميداني لا يعتبران إسرائيل عدوا. العدو هو كل من يسعى إلى انتزاع حريته؛ سواء كان مينا القبطي أم حبيبة الإخوانية! رحمهما الله.
yaser.hilala@alghad.jo
(الغد)