قمم واستقطابات.. هل بدأت حرب النفوذ ؟
جو 24 :
كتب محمود مشارقة - هل بدأت حرب النفوذ على مناطق العالم من جديد؟ وهل الاستقطابات الحاصلة اليوم تشكل بداية النهاية لأحادية القطبية الأمريكية؟ وما الخيارات والاستراتيجيات التي تنتهجها الدول في فرض الهيمنة مع فشل الحلول العسكرية في رسم خريطة العالم؟
أسئلة كثيرة برسم الإجابة، ونحن نتابع انعقاد ثلاث قمم عالمية متزامنة في مواعيدها، وهي القمة العربية في الرياض، قمة الصين وآسيا الوسطى في شيان، وقمة السبع في هيروشيما اليابانية التي تؤجج أوجه الصراع مع القطبين الحاضرين على الساحة، الصين وروسيا.
ربما الشكل الجديد في صراع النفوذ هو الدعم الاقتصادي وفخ الديون، فليس بعيدا ستعقد في 22 يونيو المقبل في فرنسا "قمة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد" تتناول إصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف وأزمة الديون. كما تقام القمة الروسية الأفريقية لتأسيس شراكة طويلة الأجل مع القارة السمراء.
الصراع على النفوذ، يعتمد استراتيجية اكتساب ود الحكومات وقلوب وعقول الشعوب، عبر سياسات التعاطف ومنح المزايا والمساعدات، وإدماج الشعوب في برامج شراكة تعزز ثقافة الدول المانحة. وبحسب تحليل نشرته وكالة بلومبيرج ، فإن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي لديهم خطط لاستقطاب مجموعة مختارة من الدول، فيما أطلقوا عليها "معركة العروض" العالمية مع كل من روسيا والصين. وتتضمن استراتيجيتهم العمل مع ما تسمى "دول المنطقة الوسطى" مثل البرازيل، فيتنام، جنوب أفريقيا، وكازاخستان. ومن بين أهداف هذا البرنامج تعزيز الاتصالات رفيعة المستوى وتحسين التنسيق في مشروعات البنية التحتية القائمة وخطط عمل مفصلة لكل دولة يتم اعتبارها شريكا أساسيا في المجالين السياسي والاقتصادي.
الخوف الغربي من تعاظم الدورين الروسي والصيني في دول آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط مبرر، فكل من موسكو وبكين تسحبان البساط من تحت أقدام الدول الغربية، التي اعتادت على تشكيل العالم وتصنيفه بين دول مارقة ومعتدلة، وغنية وفقيرة، ومتخلفة ومتحضرة، وأخذت بعض حروبها وصراعاتها أبعادا دينية وأخرى اقتصادية بغلاف سياسي استعماري.
القلق في مجموعة السبع للدول الصناعية المتقدمة يأتي من القوى الصاعدة وخصوصا مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا، مع طرح فكرة توسيع نطاق التجمع ليضم 19 دولة جديدة، وإمكانية إطلاق عملة مشتركة خلال الاجتماع المقبل في جوهانسبرج، مما يعني إنهاء أو قرب انتهاء الدولار كعملة مهيمنة على الاقتصاد العالمي.
العالم باختصار، مقبل على حرب نفوذ بين القوى التقليدية الكبرى والصاعدة في العالم، وليس غريبا أن تؤكد القمة العربية في الرياض على أنها لن تبقى منطقة صراعات وحروب عالمية بالوكالة على أراضيها، فالمنطقة بقيادة القطب الاقتصادي الصاعد - السعودية - تطرح نفسها كلاعب قوي في معادلات الأقطاب المتصارعة على قيادة العالم، وربما ستقول كلمتها في معركة ترجيح الكفة، لكن بشرط وضع حلول منطقية وعادلة لقضيتها المحورية والأساسية، وذلك بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967 مقابل التطبيع والتعامل مع كافة دول المنطقة ضمن شراكة إقليمية تتخطى الصراعات ومبنية على تصفير الخلافات والنزاعات .
أخيرا تبدو فرصة إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد سانحة اليوم مع تراجع الدور الأمريكي وبروز قوى اقتصادية مؤثرة على الساحة، ولا يمكن إغفال حقيقة أن رحلة السقوط أسرع من رحلة الصعود للقطب الواحد مع سقف ديون فلكي من تريليونات الدولارات التي تم طباعتها بلا حساب، لقد أغرقت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية العالم بسياساتها النقدية والمالية والعسكرية لأكثر من سبعة عقود، لذا من المنطقي تشكيل أسس لاقتصاد جديد ومناطق نفوذ جديدة بلاعبين أكثر قوة وقدرة اقتصادية وسياسية، لانتشال العالم الغارق بالأزمات والخرائط الوهمية والديون وسياسات الإفقار الممنهجة التي أفرزها استمرار هيمنة القطب الواحد بنكهته وأطماعه الغربية الخالصة.