الدين والسياسة
ان اعتلاء التيارات الاسلامية خشبة المسرح السياسي في تونس ومصر وليبيا ,هذا المشهد يجعلنا نتسائل في حال ما اذا انتهى حرد الجماعه في الاردن وقرروا ان يكونوا لاعبين وان لا ينحصر دورهم بالجلوس على مدرجات المتفرجين.
هنا يجب ان يطرح السؤال التالي و على الرغم من غياب المرجعية الدينية القوية التي تتصدر الافتاء ويكون لفتواها قوة الزامية - هل يجوز للقوى التي تعمل على استغلال الدين لتحقيق مغانم سياسية توظيف الايات القرانية والاحاديث النبوية الشريفة للوصول الى السلطة او الهيمنة على القرار السياسي ؟
هنا فقط يجب ان ينهض دور المرجعيات الدينية والمؤسسات المدنية للحيولة دون ذلك حتى لاتكون الايات القرانية والاحاديث الشريفة اداة في يد الجماعات الاسلامية السياسية كون تسيس الدين يعد من قبيل التحريف لمقاصده وتزييف لمعانية وحتى لايكون كذلك فنحن بحاجة لان ان ندرك وبوعي جمعي بان:
1- هناك اختلاف بين المنهج الديني والمنهج السياسي ,فاذا كان العقل هو مناط التكليف في الشريعة الاسلامية فان هذا العقل هو القادر على التمييز بين ماهو صالح للدنيا وما يتحقق به نعيم الاخرة وان هذا لايتاتى الى من خلال التمييز بين الاعمال والنوايا وهذا ما تايد بقول "اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا , واعمل لاخرتك كانك تموت غدا"
وعمل الدنيا المقصود به ما يحقق مصالح المجتمع من مؤسسات وافراد وذلك من خلال الافادة من العلوم وتجارب الاخرين وان ما يتحقق به نعيم الاخرة فمعروف لدى الجميع اذ ان في جزء كبير منه يتركز حول سلوك الفرد من التزام بتعاليم الدين لغاية التقرب الى الله عز وجل كالصلاة والصيام والزكاة والحج اذ انها هذه التعاليم هي مجاهدات فردية يراقبه الله تعالى بها
2-ان تسيس الدين يجعله اداة في يد جماعة من الناس تستخدمه لتحقيق مصالح دنيوية وان تاريخنا الاسلامي به الكثير من الشواهد حول هذا التوظيف للدين في السياسة وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما طلب معاوية ان يبايع الناس ابنه يزيد فقال له احدهم :أأبايع وانا كاره البيعة فقال له معاوية :"فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا" ناهيك بان السيوف قد سلت بين المسلمين من اجل الخلافة ومن يتبوأ سدة الحكم .
ان السلطة السياسة تستند الى رضا المحكومين لهذه السلطة وان الحكام فيها لايستندون الى حق الهي او اساس ديني وكما نعلم فان الرسول الاعظم كان اخر الانبياء ولم تمنح سلطة الهيه لاحد بعده وقد تاكد هذا عندما اعتلى عمر رضي الله عنه الخلافه قال " ايها الناس اذا رأيتموني على حق فأعيونني واذا رايتموني على باطل فقوموني"
3- ان هذه الجماعات الاسلامية تدأب من اجل تحقيق مصالحها الى تغير مسماها فمثلا الاخوان المسلمون في مصر عمدوا الى تاسيس حزب سياسي بمسمى العدالة والتنمية هل لهذا التغير سند ديني؟ ام انه تماشيا مع امر من امور الدنيا يتمثل في الانصياع للدستور ان مثل هذا السلوك في المواقف يصدر عن رؤيا معينة للدين وهذا يعني ان الاحزاب الدينية تمرر مصالحها الاقتصادية والاجتماعية عبر مظهر ديني يغلب فيه الشكل على المضمون الذي يكون اقرب الى النوايا من الافعال الواضحه المباشرة , والمصلحة السياسة هنا تجعل من الايات والاحاديث وسيلة للوصول الى سدة الحكم وتجيش الدهماء في سبيل تحقيق ذلك بحيث تصبح الايات والاحاديث احد وسائل الدعاية السياسة حيث تتضافر جهود القوى الدينية التي تهيمن على الدين والادعاء بفهمها للنصوص ومن ثم توظيف هذا الفهم لتخلق به حالة من الاستبداد السياسي , فمن خالف قولهم ودعواهم فهو ضد الدين وقد يصل الى حد القذف بالردة.
ويتاتى هذا من خلال التفسير الحرفي للاية او الحديث المراد استخدامه ورفضهم القاطع الى اي تاويل اخر لايتماشى مع مصالحهم الامر الذي يؤدي بنا بالتالي الى الجمود والوقوف في اماكننا ومخالفة التطور العلمي والتكنولوجي وحتى مخالفة ابسط مبادئ السياسة التي تقوم على المصالح الاجتماعية للبشر من حيث كونهم مواطنون لا رعايا .
4-ان ما نحتاج اليه هو صياغة خطاب ديني متجدد ومعاصر نستطيع من خلاله مواجهة تحديات العصر وان نستلهم من خلاله روح الاسلام السمحه وقيمه التقدمية وان نفهم من خلاله الدين الصحيح .نحن لسنا بحاجه الى حكم ديني على صوره الولاية الخمينية اوامارة ابن لادن متطرفة بل بحاجه الى اقامة دولة عدل ومساواة لادولة رجال الدين الذين يختصرون مشاكل الدولة في امور شكلية .
من هنا اقول بانه يتوجب علينا ان نفصل الدين عن السياسة وذلك لحماية المصدرين المقدسين في ديننا الحنيف من الاستخدام النفعي لجماعات ارادت السلطة فرفعت الاسلام شعارا براقا الا انه يحضرني قول الامام الغزالي هنا "بان تسيس الدين اخطر على العقيدة من الالحاد "كونه قد ادرك ما جره من تسيس للدين من ويلات على الامه وتفرقها.
" اينما توجد مصالح الناس فثم شرع الله "اذا لايوجد في السياسة نماذج اسلامية ونظم حكم اسلامية او غير اسلامية بل يوجد نماذج ديموقراطية واخرى مستبدة فاشلة مهما رفعت من شعارات كون الاسلام دين وامه لادين ودولة.
واخيرا دعونا نتسائل هل قامت هذه الجماعات برعاية مصالح الناس كافة ام هناك ضبابية وانتقائية في تحقيق هذه المصالح والتي لايستدل على المستفيد منها الا من خلال ضوابط معينة تحددها الجماعة ولنا هنا كثير من التجارب في هذاالمجال
مما يجعلنا نطالب مؤسسات المجتمع المدني والجامعات هنا الى لعب دور اساس في رفع سوية الوعي الجمعي من خلال الاعلام الهادف والارتقاء بمستوى التعليم لتعزيز الانتماء للوطن لا الاشخاص ودون تدخل الدولة- للرابط مابينها وبين هذه الجماعات منذ خمسينات القرن الماضي وكيف كانت هذه الجماعات ادوات في يد النظام في ملاحقة القوميين والتقدميين وهذا يتاكد من خلال الحرية التي منحت لهذه الجماعات في ممارسة نشاطها الحزبي في الوقت الذي كانت غالبية القوى السياسة الاخرى ملاحقة ومستهدفة.
كما وانه يجب علينا كنخب في هذا المجتمع استخدام كافة الادوات المتاحه لترسيخ الوعي الديموقراطي والعمل على سيادة القانون لتيسنى للجميع معرفة الغث من السمين.
المحامي طلال ابوردن