قانون الجرائم الالكترونية الجديد.. ضربة قاصمة للحريات وحق التعبير
المحامي محمد احمد المجالي
جو 24 :
مشروع قانون الجرائم الالكترونية الجديد، وفي موادّه (15 و16 و17) يمثّل ضربة قاصمة للحريات العامة وحقوق الانسان، وخاصة حق حرية التعبير ونقد السياسات العامّة والإدارات الرسمية ومسؤوليها، ويُمثل مصادرة تامة لهذه الحقوق المصونة بموجب أحكام الدستور الأردني والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وقبل ذلك وبعده مصادرة للحقوق الطبيعية الأصيلة للانسان كإنسان حرّ وتحويل المواطنين إلى مجرّد عبيد وتابعين خانعين للسلطة ومسؤوليها، لا يحق لهم لا ابداء الرأي ولا الانتقاد ولا التعبير عن معارضتهم أو امتعاضهم من أي قرار أو سياسة أو تصرفات لأي مسؤول حتى لو كان ظاهراً للعيان فسادُه أو فشلُه أو تقصيرُه بواجباته الوظيفية.
كنا وما زلنا نعاني من مشكلة تشريعية مرتبطة بالحقوق والحريات العامة تتمثل بعدم وجود تعريفات محددة ومنضبطة للجرائم ذات المساس بحق التعبير والعمل السياسي والنشاط الحقوقي مثل ما هو موجود في قانون العقوبات وقانون منع الإرهاب وأيضاً ما ورد في مواد مشروع قانون الجرائم الألكترونية الجديد كجريمة ذم وتحقير المؤسسة الرسمية أو القائمين عليها وجرائم التحريض على تقويض النظام وإطالة اللسان واغتيال الشخصية وإثارة الفتنة وإثارة النعرات والنيل من الوحدة الوطنية والحض على الكراهية والدعوة للعنف أو تبريره وازدراء الأديان، وما هي الحدود الفاصلة ما بين حرية التعبير وبين هذه الجرائم، وما هي الضمانات التشريعية والقضائية التي تكفل عدم تعدّي السلطات الرسمية والأمنية والقضائية على الحريات العامة عند تعاملها مع هذه القضايا وتنفيذ أحكام القانون أو الحكم بموجبها!.
إن أكبر المآزق في مثل هذه النصوص المطاطية والهلامية تتمثل في الحرج الذي سيواجهه كثير من السادة القضاة عند إحالة مثل هذه القضايا إليهم، فهم وإن كان لديهم حسّ العدالة وفهم الحدود الفاصلة ما بين الجريمة وما بين الحقوق والحريات وخصوصاً حرية التعبير إلا إنهم مجبرون على الحكم بموجب هذه النصوص القانونية الجائرة حتى لو كانت تصادر حرية التعبير، فالنصوص الحالية قد ضيّقت هوامش الفصل بين المسألتين إلى حدٍّ يُصادر أيضاً حرية القاضي في الإجتهاد والتفسير والتأويل لضمان عدم الإعتداء على حقوق المواطنين الدستورية في التعبير.
إن مشروع قانون الجرائم الالكترونية الجديد في موادّه 15 و16 و17 بالذات يُشكل مرحلة جديدة ومتقدّمة جداً في العقلية القمعية الديكتاتورية التي يسعى إليها النافذون في السلطة وكأنهم بالجبر والإكراة وبقوة القانون وإنفاذه يريدون أن يفرضوا على الناس النظر إلى المسؤولين والسياسات العامة والمؤسسات بعين الرهبة والخوف والرعب من جهة وبعين التقديس والإجلال من جهة ثانية ومهما اعتراهم من فساد أو فشل أو تقصير وإهمال بحق الوطن والدولة والشعب والمال العام.
لقد كان الحقوقيون والسياسيون والنشطاء في المجال العام وحقوق الإنسان يطالبون خلال السنوات الماضية بإلغاء المواد المذكورة في القانون الحالي أو تعديلها بما يضمن عدم التعدّي على الحريات العامة وحق التعبير وقد طالبت بذلك أيضاً الجمعيات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في العديد من تقاريرها ونشراتها ولكن دون أي استجابة من قبل السلطات الرسمية، فإذا بها الآن تقدّم مشروع قانون جديد يُمعن في مصادرة الحريات ويُغلّظ العقوبات السالبة للحرية ويفرض غرامات مالية بعشرات الآلاف من الدنانير، ولا أعتقد أن هذا التصرّف القمعي اللانساني إلا أنه يُعبّر عن أزمة سياسية وفكرية وأخلاقية مستمرة ومستحكمة في عقلية من يقفون خلف مشروع القانون الجديد.
إن مشروع قانون الجرائم الالكترونية الجديد هو مجزرة جديدة وكبيرة للحقوق والحريات فمن يوقفها؟!