الانتفاضة في افريقيا تعيد توزيع المتغيرات في معادلة النفوذ في العالم

لم يكن مفاجئا لاحد ما يجري في منطقة وسط وغرب قارة افريقيا. فقد كانت الحالة مأساوية الى حد كبير فيما يتعلق بعلاقة اوروبا خاصة فرنسا مع دول القارة.

استقلت دول افريقيا عن فرنسا مطلع الحقبة السادسة من القرن الماضي وذلك بدعم كبير وحيوي من مصر جمال عبد الناصر للمقاومة في تلك الدول ضد المستعمر الفرنسي.

لكن فرنسا تمكنت لاحقا من العودة لاستعمار تلك الدول بثوب جديد تلخص في تقديم الاموال والدعم السياسي لقادة افارقة ارتبطوا معها في شبكة مصالح على نطاق واسع على قاعدة "السلطة من فرنسا مقابل الولاء المطلق من الرئيس."

لقد قامت فرنسا "بتقييف" نظام سياسي يرتدي ثوبا ديمقراطيا حيث تنشئ فرنسا، باسلوبها الاستعماري المعروف، نظام حكم سياسي وبرلمانا منتخبا وتقوم بالاشراف على انتخابات الرئاسية التي تنتج رئيسا "على المقاس" يقوم بالنيابة عن فرنسا بحكم البلاد مقابل السماح للشركات الفرنسية بنهب مقدرات البلاد ومواردها بسعر بخس، ويعاد انتخابه مرارا وتكرارا ما دام قادرا على اداء الدور المطلوب منه.

من الامثلة على هذا الاسلوب الفرنسي ان رئيس الغابون تم تنصيبه بانتخابات اشرفت عليها فرنسا مطلع سبعينيات القرن الماضي واعيد انتخاباته مرات متعددة الى ان توفي بعد اربعة عقود ونصف من استلامه السلطة في هذا البلد ، وبعد وفاته رتبت فرنسا لانتخاب نجله ثم اعيد انتخابه ثلاث مرات الى ان اطاح به الجيش الاسبوع الماضي مباشرة بعد اعلان لجنة الانتخابات اعادة انتخابة رئيسا للبلاد في انتخابات مزورة بشكل كامل وعلنا وعلى رؤوس الاشهاد حيث لجأ الى حجب الانترنت ووضع البلاد في حالة طوارئ خلال ايام الانتخابات وذلك لضمان القيام بتزوير الانتخابات حسب الاصول..

فرنسا تعتمد بشكل شبه كامل لاستمرار رفاهيتها على افريقيا ، فمصادر الطاقة النووية فيها تعتمد الى حد كبير على مناجم في افريقيا حيث مخزونات اليورانيوم الضخمة ورخيصة الثمن خاصة في النيجر التي تعتبر المصدر الاول لتزويد محطات الطاقة الفرنسية باليورانيوم والفائض من تلك المخزونات يعاد تصديره من فرنسا الى دول اوروبا الاخرى..

لقد كانت حالة الرفاهية والرخاء التي سادت اوروبا خلال السبعين سنة الماضية تتغذى بموادر تأتي من افريقيا بالاضافة طبعا الى مصادر الطاقة الاحفورية رخيصة الثمن من روسيا..

والان بعد توقف روسيا عن تصدير الطاقة لاوروبا بسبب تداعيات الحرب في اوكرانيا وانطلاق الانتفاضة الافريقية ضد اوروبا، يتسائل الجميع كيف ستكون حالة اوروبا المترفة والمزدهرة في مستقبل الايام؟ ..

qatamin8@hotmail.com

*اكاديمي وكاتب اردني