jo24_banner
jo24_banner

مع سبق الإصرار والترصد..

ايهاب سلامة
جو 24 :


يعاتبني صديق على قلة كتابتي مؤخراً، وعزوفي عن المشاركة في كرنفال مواقع التواصل، وانكفائي بنفسي على نفسي، وانعزالي حتى عني، ومخاصمتي لقصائدي التي لم تكن لتفارق مخدعي، وها أنا اليوم على وشك طلاقها بالثلاث، معترفاً، وأنا بنصف قواي العقلية، أني أخطط لاغتيال الأبجدية، مع سبق الإصرار والترصد.

الحقيقة المرّة يا صديقي أنني بلغت من الإحباط مرحلة لم أعهدها في نفسي، طيلة خمسين عجاف، لا أذكر خلالها كمواطن عربي رضع مذ خرج من رحم أمه نشيد بلاد العرب أوطاني، أنني عشت كانسان في "بلاد العرب أوطاني".

 
أبداً.. ولم أشعر لحظة أنني مخلوق له حق الحياة بكرامة، والموت بكرامة، وقول ما يجول في خاطري، دون خوف وملامة.

نحن حقبة عايشت جميع ابتلاءات الأمة وانحطاطها، وتوارثنا الخذلان والهوان من رحم انكساراتها، وانشغلنا برغيف الخبز عن الكرامة، حتى خسرنا رغيف الخبر والكرامة!

نعم، أنا محبط يا صديقي مذ تفتحت عيناي على ظلمات أمة غارقة في وحل الهزائم، ومسفوك دمها بينها، على المغارم والمغانم، وقابعة في حضيض لا وصف له في كل المعاجم والتراجم.

نحن ورثة داحس والغبراء، وأحفاد غطفان، وعبس وبني شيبان، مهدور دمنا منذ آلاف السنين بين جميع القبائل.

نحن نسل جساس وكليب، ما زلنا نخوض غمار البسوس، وندفع دية ناقة عُقِر ضرعها، قبل الجاهلية بألف عام وعام.

كل القصائد التي رضعناها، والمعلقات النافقة التي ورثناها، ورسائل إخوان الصفا التي قرأناها، وردحيات الفرزدق وجرير التي رددناها، وقواعد العشق الأربعون التي قصصناها، ولصقناها.. لأوزان الخليل، وحواديت الأصفهاني، ومقدمة ابن خلدون، ومقامات بديع الزمان الهمذاني.. لعنتريات الشعوب التي "إذا بلغ الفطام رضيعها، تخرّ له الجبابر صاغرينا"..

كلها كاذبة كاذبة .. ومحض هراء وغثاء وافتراء..

فها هم المعاتيه والحمقى ينتصرون في الآخر، وها همو يقودون الشعوب على كل المنابر..وهم الذين كانت تخبئهم أمهاتهم عن عيون الناس درءا للفضيحة، يغنمون اليوم بارتكابهم الفضيحة.

وها أحفاد العلقمي، وأبو رغال، يلقون مواعظ في الأمانة، ها هم المخصيون يستعرضون فحولتهم، وبطولتهم، وهم الذين كانوا يفرون من الزحف، يبيعون الشرف اليوم، أولاد الخنا والخيانة!


 
تابعو الأردن 24 على google news