خطاب هنية في ظل مأزق حماس والقضية
ياسر الزعاترة
جو 24 : يوم السبت الماضي قدم إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس في قطاع غزة خطابا مطولا تعرض فيه لمجمل الملفات التي تعني القضية الفلسطينية والمهتمين بالشأن الفلسطيني، لاسيما ما يخص حركة حماس، فضلا عن وضع القطاع بعد التطورات الأخيرة في مصر.
لا جديد يذكر في خطاب هنية، اللهم سوى التأكيد على جملة المواقف التقليدية للحركة، إنْ كان على صعيد القضية وتفاصيلها، وملف المصالحة، أم على صعيد التطورات الأخيرة في مصر والعالم العربي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إن اللغة التي قدمها فيما يخص المصالحة، فضلا عن الموقف مما يجري في مصر والمنطقة يمكن أن تشكل محطة لخروج الحركة، والأهم القضية برمتها من المأزق الذي تعيش فيه؟ بالنسبة للمصالحة، فإن موقف حركة فتح يبدو أقرب إلى الغرور، وهي تعتقد أن وضع حماس في القطاع يفرض عليها المجيء إلى بيت الطاعة دون شروط، فيما لا ترى حماس المشهد من هذه الزاوية، وهي عموما تفضل انتظار التطورات، بل لا تمانع في خوض غمار المعركة إذا فرضت عليها؛ على أن تأتي طائعة إلى حضن محمود عباس والشروط التي يعرضها.
والحال أن المصالحة بالنسبة لمحمود عباس لا تعني غير شيء واحد ووحيد، يتمثل في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، يعتقد أن بوسعه في ظل الظروف الراهنة (وبقليل من التزوير إذا لزم الأمر) أن يكسبها بالتحالف مع القوى القريبة منه، وما على حماس سوى القبول بالموعد المضروب، لاسيما أن حكاية التزامن بين انتخابات الرئاسة والتشريعي وبين انتخابات المجلس الوطني لا تبدو معضلة، لأن الأخيرة لن تجرى خارج الأراضي المحتلة، فيما يتم التوافق على الحصص في الخارج، وإذْ يعرف الجميع أن فرصة حماس في الفوز بين أبناء الشتات تبدو أفضل، والنتيجة أن ما ستسفر عنه انتخابات الداخل هو ما سيحكم المعادلة، وبذلك تستعيد فتح الغالبية، ولو البسيطة، وتمضي في ذات البرنامج التفاوضي التقليدي، سواءً أفضى إلى حل نهائي (مشوّه وبائس دون شك)، أم حل انتقالي (دولة في حدود الجدار الأمني دون سيادة ولا قدس ولا عودة لاجئين)، وما على حماس والحالة هذه سوى أن تلعب دور الكومبارس في هذه المسرحية الكارثية على القضية برمتها.
أما الخطاب الناعم الذي قدمه هنية فيما يخص مصر، فلا يبدو أنه سيجدي، فالمؤامرة على حماس والقطاع لا صلة لها البتة بتدخل الحركة في الشأن المصري، وهي ماضية حتى لو دعمت الانقلاب ضد مرسي، لأن أولوية داعمي الانقلاب العرب هي الثورات العربية والإسلام السياسي (السنّي تحديدا)، وحماس تنتمي إلى الحالتين، وهي مزعجة ولا بد من التخلص منها، وأقله تحجيمها.
من هنا، فإن القاسم المشترك بين الملفين هو أن حركة فتح تنتظر سقوط حماس (عبر حركة تمرد، وإثارة الاضطرابات الداخلية)، وعبر دعم من مصر وداعمي انقلابها العرب، ولا تريد المصالحة إلا إذا وافقت حماس على كل الشروط، وأعلنت الاستسلام، ولن يجدي تبعا لذلك خطاب هنية في تغيير هذا المسار.
ما هو الحل في ضوء ذلك كله، وكيف يمكن لحماس أن تخرج من مأزقها، والأهم، كيف يمكنها تجنيب القضية ذلك المصير البائس الذي ينتظرها، بحل نهائي مشوّه، أو بحل انتقالي هو بمثابة تصفية لها؟ في سياق الرد على حملة “تمرد”، لا بد من التعامل مع أية احتجاجات ينظمها أزلام دحلان بكثير من المرونة والذكاء، بعيدا عن أية وسائل عنف، في ذات الوقت الذي يُحشد فيه الناس في الشوارع ردا على أية حشود انقلابية، طبعا من دون احتكاك بين الطرفين، والخلاصة أنه بقدر من الحكمة والذكاء وتجنب العنف يمكن لهذه الموجة أن تنتهي (إذا بدأت أصلا).
أما الأهم من ذلك، وهو ما يتعلق بمأزق الشعب الفلسطيني، فيتمثل في طرح مشروع شامل للقضية برمتها، يقلب الطاولة في وجه مشروع أوسلو وسلطته المصممة لخدمة الاحتلال، وهو المشروع الذي أصبح أكثر أهمية وحيوية الآن في ظل مفاوضات لن تكون كسابقاتها كما أشير من قبل.
ويتمثل المشروع بتشكيل جبهة عريضة من كل القوى التي ترفض الحلول المشوهة؛ تطرح إدارة بالتوافق للقطاع والضفة (تكون إدارية فقط)، وانتخاب قيادة مشتركة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس للسلطة، تقود الشعب في انتفاضة شاملة عنوانها دحر الاحتلال من كامل الأراضي المحتلة عام 67 وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط، كمقدمة لتحرير كل فلسطين. وفي الأثناء، ولأن قيادة السلطة (وفتح تبعا لها) سترفض ذلك، يجري الاتفاق على إدارة مشتركة بالتوافق للقطاع كبقعة محررة، وقاعدة للمقاومة في ظل ما راكمته من أسباب القوة.
ولعل حركة الجهاد ستكون الأقرب لهذا الطرح، بوصفها أهم القوى التي تؤمن بفكرة المقاومة، مع ضرورة الحرص على مشاركة فصائل أخرى أيضا، وإذا رفضت بضغط من قيادة السلطة أو لأسباب أخرى، فليشارك في الحكومة مستقلون من الرموز ذات المصداقية في القطاع. ولا ينبغي إغفال الشتات في هذه المعادلة، إذ ينبغي حشد رموزه من الفاعلين السياسين للمشاركة في هذه الجبهة.
من المؤكد أن محمود عباس سيرفض هذا المشروع، لكن ذلك لن يؤدي إلى وأده، إذ يمكن لعناصر من حركة فتح أن تنضم إليه، في ذات الوقت الذي ستؤدي الجبهة الجديدة إلى نزع شرعيته كرئيس مخوّل بالتوقيع نيابة عن الشعب الفلسطيني. وبذلك تفشل المؤامرة التي تستهدف إخراج قطاع غزة من معادلة المقاومة وضمها إلى لعبة التفاوض، في ذات الوقت يجري فيه إفشال مؤامرة التفاوض، أما الحصار على قطاع غزة، فيمكن التعامل معه بطرق شتى من خلال تحريك الشارع العربي ضد من يقفون خلفه، مع العلم أن القطاع لا يزال تحت الاحتلال وفق القانون الدولي، وهو المكلف بتزويده باحتياجاته الأساس، كما أن وقف الحصار هو جزءٌ من شروط التهدئة.
(الدستور)
لا جديد يذكر في خطاب هنية، اللهم سوى التأكيد على جملة المواقف التقليدية للحركة، إنْ كان على صعيد القضية وتفاصيلها، وملف المصالحة، أم على صعيد التطورات الأخيرة في مصر والعالم العربي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إن اللغة التي قدمها فيما يخص المصالحة، فضلا عن الموقف مما يجري في مصر والمنطقة يمكن أن تشكل محطة لخروج الحركة، والأهم القضية برمتها من المأزق الذي تعيش فيه؟ بالنسبة للمصالحة، فإن موقف حركة فتح يبدو أقرب إلى الغرور، وهي تعتقد أن وضع حماس في القطاع يفرض عليها المجيء إلى بيت الطاعة دون شروط، فيما لا ترى حماس المشهد من هذه الزاوية، وهي عموما تفضل انتظار التطورات، بل لا تمانع في خوض غمار المعركة إذا فرضت عليها؛ على أن تأتي طائعة إلى حضن محمود عباس والشروط التي يعرضها.
والحال أن المصالحة بالنسبة لمحمود عباس لا تعني غير شيء واحد ووحيد، يتمثل في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، يعتقد أن بوسعه في ظل الظروف الراهنة (وبقليل من التزوير إذا لزم الأمر) أن يكسبها بالتحالف مع القوى القريبة منه، وما على حماس سوى القبول بالموعد المضروب، لاسيما أن حكاية التزامن بين انتخابات الرئاسة والتشريعي وبين انتخابات المجلس الوطني لا تبدو معضلة، لأن الأخيرة لن تجرى خارج الأراضي المحتلة، فيما يتم التوافق على الحصص في الخارج، وإذْ يعرف الجميع أن فرصة حماس في الفوز بين أبناء الشتات تبدو أفضل، والنتيجة أن ما ستسفر عنه انتخابات الداخل هو ما سيحكم المعادلة، وبذلك تستعيد فتح الغالبية، ولو البسيطة، وتمضي في ذات البرنامج التفاوضي التقليدي، سواءً أفضى إلى حل نهائي (مشوّه وبائس دون شك)، أم حل انتقالي (دولة في حدود الجدار الأمني دون سيادة ولا قدس ولا عودة لاجئين)، وما على حماس والحالة هذه سوى أن تلعب دور الكومبارس في هذه المسرحية الكارثية على القضية برمتها.
أما الخطاب الناعم الذي قدمه هنية فيما يخص مصر، فلا يبدو أنه سيجدي، فالمؤامرة على حماس والقطاع لا صلة لها البتة بتدخل الحركة في الشأن المصري، وهي ماضية حتى لو دعمت الانقلاب ضد مرسي، لأن أولوية داعمي الانقلاب العرب هي الثورات العربية والإسلام السياسي (السنّي تحديدا)، وحماس تنتمي إلى الحالتين، وهي مزعجة ولا بد من التخلص منها، وأقله تحجيمها.
من هنا، فإن القاسم المشترك بين الملفين هو أن حركة فتح تنتظر سقوط حماس (عبر حركة تمرد، وإثارة الاضطرابات الداخلية)، وعبر دعم من مصر وداعمي انقلابها العرب، ولا تريد المصالحة إلا إذا وافقت حماس على كل الشروط، وأعلنت الاستسلام، ولن يجدي تبعا لذلك خطاب هنية في تغيير هذا المسار.
ما هو الحل في ضوء ذلك كله، وكيف يمكن لحماس أن تخرج من مأزقها، والأهم، كيف يمكنها تجنيب القضية ذلك المصير البائس الذي ينتظرها، بحل نهائي مشوّه، أو بحل انتقالي هو بمثابة تصفية لها؟ في سياق الرد على حملة “تمرد”، لا بد من التعامل مع أية احتجاجات ينظمها أزلام دحلان بكثير من المرونة والذكاء، بعيدا عن أية وسائل عنف، في ذات الوقت الذي يُحشد فيه الناس في الشوارع ردا على أية حشود انقلابية، طبعا من دون احتكاك بين الطرفين، والخلاصة أنه بقدر من الحكمة والذكاء وتجنب العنف يمكن لهذه الموجة أن تنتهي (إذا بدأت أصلا).
أما الأهم من ذلك، وهو ما يتعلق بمأزق الشعب الفلسطيني، فيتمثل في طرح مشروع شامل للقضية برمتها، يقلب الطاولة في وجه مشروع أوسلو وسلطته المصممة لخدمة الاحتلال، وهو المشروع الذي أصبح أكثر أهمية وحيوية الآن في ظل مفاوضات لن تكون كسابقاتها كما أشير من قبل.
ويتمثل المشروع بتشكيل جبهة عريضة من كل القوى التي ترفض الحلول المشوهة؛ تطرح إدارة بالتوافق للقطاع والضفة (تكون إدارية فقط)، وانتخاب قيادة مشتركة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس للسلطة، تقود الشعب في انتفاضة شاملة عنوانها دحر الاحتلال من كامل الأراضي المحتلة عام 67 وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط، كمقدمة لتحرير كل فلسطين. وفي الأثناء، ولأن قيادة السلطة (وفتح تبعا لها) سترفض ذلك، يجري الاتفاق على إدارة مشتركة بالتوافق للقطاع كبقعة محررة، وقاعدة للمقاومة في ظل ما راكمته من أسباب القوة.
ولعل حركة الجهاد ستكون الأقرب لهذا الطرح، بوصفها أهم القوى التي تؤمن بفكرة المقاومة، مع ضرورة الحرص على مشاركة فصائل أخرى أيضا، وإذا رفضت بضغط من قيادة السلطة أو لأسباب أخرى، فليشارك في الحكومة مستقلون من الرموز ذات المصداقية في القطاع. ولا ينبغي إغفال الشتات في هذه المعادلة، إذ ينبغي حشد رموزه من الفاعلين السياسين للمشاركة في هذه الجبهة.
من المؤكد أن محمود عباس سيرفض هذا المشروع، لكن ذلك لن يؤدي إلى وأده، إذ يمكن لعناصر من حركة فتح أن تنضم إليه، في ذات الوقت الذي ستؤدي الجبهة الجديدة إلى نزع شرعيته كرئيس مخوّل بالتوقيع نيابة عن الشعب الفلسطيني. وبذلك تفشل المؤامرة التي تستهدف إخراج قطاع غزة من معادلة المقاومة وضمها إلى لعبة التفاوض، في ذات الوقت يجري فيه إفشال مؤامرة التفاوض، أما الحصار على قطاع غزة، فيمكن التعامل معه بطرق شتى من خلال تحريك الشارع العربي ضد من يقفون خلفه، مع العلم أن القطاع لا يزال تحت الاحتلال وفق القانون الدولي، وهو المكلف بتزويده باحتياجاته الأساس، كما أن وقف الحصار هو جزءٌ من شروط التهدئة.
(الدستور)