تفوق «إسلامي» رغم الشيطنة ..
ياسر الزعاترة
جو 24 : كثيرة هي الجوانب التي تستوقف المراقب للانتخابات المصرية، وقد قيل وسيقال الكثير في هذا العرس الرائع الذي تابعته الأمة جمعاء من المحيط إلى الخليج في دلالة لا تخفى؛ ليس فقط على أن مصر هي الشقيقة الكبرى التي تقود القاطرة العربية نحو ضفاف الوحدة والعزة والكرامة، بل أيضا على محورية الحدث في مسيرة الربيع العربي، بل في مسيرة الأمة بشكل عام، تلك التي لم تعتد على انتخابات لا يجزم أحد بهوية الفائز فيها.
نتوقف هنا عند تلك الحملة التي استهدفت الإسلاميين بشكل عام؛ والإخوان بشكل خاص خلال الشهور الأخيرة، تحديدا بعد نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والتي بالغت في شيطنتهم على نحو رهيب. وهي حملة شاركت فيها وسائل إعلام بلا حصر تعود ملكية أكثرها لفلول النظام السابق، بخاصة رجال الأعمال الذين كانوا جزءا من منظومته خلال العقدين الأخيرين.
حملة بالغة الشراسة لم يكن بوسع من تابعها سوى القول إن الإخوان سيخرجون بهزيمة منكرة من الانتخابات الرئاسية، وأنهم لن يكرروا بحال فوزهم في مجلسي الشعب والشورى، الأمر الذي ينطبق على الإسلاميين الآخرين (أبو الفتوح تحديدا)، فيما تركزت الأنظار على أحمد شفيق وعمرو موسى.
لكن النتائج على ما انطوت عليه من تنوع وتنافس جاءت لتثبت أن للإخوان تحديدا، وللإسلاميين بشكل عام شعبية واسعة، وكتلة تصويتية كبيرة لا يمكن تجاهلها بحال، وهي كتلة لا تتأثر كثيرا بالضخ الإعلامي؛ ربما لأنها اعتادت عليه منذ أيام الرئيس المخلوع الذي وظف السينما وسائر أدوات الإعلام في معركة الهجوم عليهم وتشويههم.
بحسب النتائج الأولية يظهر أن الإخوان قد حصلوا على نتيجة جيدة رغم أن مرشحهم هو الاحتياطي، ولو كان الأصيل (خيرت الشاطر) لكانت النتيجة أفضل من دون شك، لاسيما أن هناك من اشتغل على قصة الاحتياطي هذه وجعلها محورا لمعركة الضخ الإعلامي ضد مرشح الجماعة.
والمسألة هنا لا تنحصر في صعود محمد مرسي لجولة الإعادة رغم كل الهجمة الشرسة المشار إليها، بل تتجاوزها إلى حصوله إلى جانب المرشح الآخر (الإخواني السابق) عبد المنعم أبو الفتوح على ما يقرب من نصف الأصوات، وهي نتيجة كبيرة من دون شك، وإن تكن أقل من النتيجة التي حصل عليها الإسلاميون بكافة أطيافهم في انتخابات مجلس الشعب، ربما لأن حماسة القوى الإسلامية الأخرى، بخاصة السلفيين للمعركة لم تكن بمستوى حماستهم لانتخابات مجلس الشعب، أولا بسبب الانقسام بين مرسي وأبو الفتوح، وثانيا للاعتبارات الحزبية التقليدية.
لا خلاف على أنه لو كان هناك مرشح إسلامي واحد لاختلف المشهد برمته، ولكان بالإمكان الحديث عن احتمال حسم السباق من الجولة الأولى (لا ننسى أن هناك مرشحا ثالثا هو الدكتور العوا، وإن لم يحصل على نتيجة ذات وزن، ولا ننسى حكاية حازم أبو إسماعيل الذي استبعد من السباق وموقف مؤيديه).
الجانب الآخر الذي يستوقفنا هنا هو المتعلق بالطرف الآخر في معادلة الثورة، أعني فلول النظام السابق الذين لم يسلموا بالهزيمة في المعركة رغم كل ما جرى، إذ ألقوا بثقلهم خلف أحمد شفيق من أجل تأمين صعوده إلى الدور الثاني. والفلول هنا يتشكلون من أمن وعسكر ونافذين في الدولة، والأهم من رجال أعمال كان الجزء الأكبر من ثرواتهم نتاج التحالف مع رموز النظام، وهم قوم وظفوا المال السياسي ووسائل الإعلام على نحو رهيب لصالح شفيق.
الأكثر أهمية هنا هو الحضور الكبير للصوت القبطي الذي صبَّ بشكل شبه كامل لصالح شفيق تبعا لهواجس مفهمومة، فيما فعل الصوفيون ذلك أيضا بتوجيه من بقايا النظام السابق، ولا ننسى فئات ليبرالية، وربما يسارية تكره الإسلاميين كانت لها مساهمتها في تلك النتيجة.
ولعل السؤال الأكثر أهمية الآن هو ذلك المتعلق بموقف ناخبي أبو الفتوح وحمدين صباحي (المرشح الناصري الذي حصل على نسبة كبيرة) على وجه التحديد خلال جولة الإعادة، وما إذا كانوا سينتخبون مرسي أم سيستنكفون عن المشاركة أم سيذهبون في الاتجاه الآخر من باب النكاية، ولتكون النتيجة هي فوز شفيق فيما يمكن القول إنه طعن للثورة، لاسيما إذا بقي النظام رئاسيا كما هو، ولم يجر التوافق على دستور يحجِّم صلاحيات الرئيس لصالح البرلمان والحكومة.
في أي حال، فقد كانت معركة ديمقراطية رائعة، وما دام شباب مصر قادرين على النزول إلى الشوارع من أجل حماية الحرية والتعددية، فإن العملية التي شهدناها ستتكرر كل أربع سنوات على نحو يسمح بالقول إن زمن الزعيم الأوحد المفروض بسطوة القوة قد انتهى إلى غير رجعة. وذلك هو جوهر الربيع العربي.
بقي القول إن مخاض الثورات الكبرى عسير دائما، لاسيما حين تواجه بجحافل من الفلول في الداخل، وحشد من التأثيرات الخارجية القوية. إنها مصر؛ كبرى دول المنطقة، وليست دولة هامشية يقف الخارج منها موقف الحياد.
الدستور
نتوقف هنا عند تلك الحملة التي استهدفت الإسلاميين بشكل عام؛ والإخوان بشكل خاص خلال الشهور الأخيرة، تحديدا بعد نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والتي بالغت في شيطنتهم على نحو رهيب. وهي حملة شاركت فيها وسائل إعلام بلا حصر تعود ملكية أكثرها لفلول النظام السابق، بخاصة رجال الأعمال الذين كانوا جزءا من منظومته خلال العقدين الأخيرين.
حملة بالغة الشراسة لم يكن بوسع من تابعها سوى القول إن الإخوان سيخرجون بهزيمة منكرة من الانتخابات الرئاسية، وأنهم لن يكرروا بحال فوزهم في مجلسي الشعب والشورى، الأمر الذي ينطبق على الإسلاميين الآخرين (أبو الفتوح تحديدا)، فيما تركزت الأنظار على أحمد شفيق وعمرو موسى.
لكن النتائج على ما انطوت عليه من تنوع وتنافس جاءت لتثبت أن للإخوان تحديدا، وللإسلاميين بشكل عام شعبية واسعة، وكتلة تصويتية كبيرة لا يمكن تجاهلها بحال، وهي كتلة لا تتأثر كثيرا بالضخ الإعلامي؛ ربما لأنها اعتادت عليه منذ أيام الرئيس المخلوع الذي وظف السينما وسائر أدوات الإعلام في معركة الهجوم عليهم وتشويههم.
بحسب النتائج الأولية يظهر أن الإخوان قد حصلوا على نتيجة جيدة رغم أن مرشحهم هو الاحتياطي، ولو كان الأصيل (خيرت الشاطر) لكانت النتيجة أفضل من دون شك، لاسيما أن هناك من اشتغل على قصة الاحتياطي هذه وجعلها محورا لمعركة الضخ الإعلامي ضد مرشح الجماعة.
والمسألة هنا لا تنحصر في صعود محمد مرسي لجولة الإعادة رغم كل الهجمة الشرسة المشار إليها، بل تتجاوزها إلى حصوله إلى جانب المرشح الآخر (الإخواني السابق) عبد المنعم أبو الفتوح على ما يقرب من نصف الأصوات، وهي نتيجة كبيرة من دون شك، وإن تكن أقل من النتيجة التي حصل عليها الإسلاميون بكافة أطيافهم في انتخابات مجلس الشعب، ربما لأن حماسة القوى الإسلامية الأخرى، بخاصة السلفيين للمعركة لم تكن بمستوى حماستهم لانتخابات مجلس الشعب، أولا بسبب الانقسام بين مرسي وأبو الفتوح، وثانيا للاعتبارات الحزبية التقليدية.
لا خلاف على أنه لو كان هناك مرشح إسلامي واحد لاختلف المشهد برمته، ولكان بالإمكان الحديث عن احتمال حسم السباق من الجولة الأولى (لا ننسى أن هناك مرشحا ثالثا هو الدكتور العوا، وإن لم يحصل على نتيجة ذات وزن، ولا ننسى حكاية حازم أبو إسماعيل الذي استبعد من السباق وموقف مؤيديه).
الجانب الآخر الذي يستوقفنا هنا هو المتعلق بالطرف الآخر في معادلة الثورة، أعني فلول النظام السابق الذين لم يسلموا بالهزيمة في المعركة رغم كل ما جرى، إذ ألقوا بثقلهم خلف أحمد شفيق من أجل تأمين صعوده إلى الدور الثاني. والفلول هنا يتشكلون من أمن وعسكر ونافذين في الدولة، والأهم من رجال أعمال كان الجزء الأكبر من ثرواتهم نتاج التحالف مع رموز النظام، وهم قوم وظفوا المال السياسي ووسائل الإعلام على نحو رهيب لصالح شفيق.
الأكثر أهمية هنا هو الحضور الكبير للصوت القبطي الذي صبَّ بشكل شبه كامل لصالح شفيق تبعا لهواجس مفهمومة، فيما فعل الصوفيون ذلك أيضا بتوجيه من بقايا النظام السابق، ولا ننسى فئات ليبرالية، وربما يسارية تكره الإسلاميين كانت لها مساهمتها في تلك النتيجة.
ولعل السؤال الأكثر أهمية الآن هو ذلك المتعلق بموقف ناخبي أبو الفتوح وحمدين صباحي (المرشح الناصري الذي حصل على نسبة كبيرة) على وجه التحديد خلال جولة الإعادة، وما إذا كانوا سينتخبون مرسي أم سيستنكفون عن المشاركة أم سيذهبون في الاتجاه الآخر من باب النكاية، ولتكون النتيجة هي فوز شفيق فيما يمكن القول إنه طعن للثورة، لاسيما إذا بقي النظام رئاسيا كما هو، ولم يجر التوافق على دستور يحجِّم صلاحيات الرئيس لصالح البرلمان والحكومة.
في أي حال، فقد كانت معركة ديمقراطية رائعة، وما دام شباب مصر قادرين على النزول إلى الشوارع من أجل حماية الحرية والتعددية، فإن العملية التي شهدناها ستتكرر كل أربع سنوات على نحو يسمح بالقول إن زمن الزعيم الأوحد المفروض بسطوة القوة قد انتهى إلى غير رجعة. وذلك هو جوهر الربيع العربي.
بقي القول إن مخاض الثورات الكبرى عسير دائما، لاسيما حين تواجه بجحافل من الفلول في الداخل، وحشد من التأثيرات الخارجية القوية. إنها مصر؛ كبرى دول المنطقة، وليست دولة هامشية يقف الخارج منها موقف الحياد.
الدستور