حرب أمريكا واسرائيل على الفلسطينيين: هذا ما يريده الاحتلال من غزة!
د. لبيب قمحاوي
جو 24 :
تخوض أمريكا ومعها اسرائيل حربهما الجديدة المباشرة على الفلسطينيين في غزة دون أي رحمة تجاه المدنيين أو المناطق المدنية أو البنية التحتية لإقليم غزة . ولكن تبقى الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في أن السلاح في هذه المعركة أمريكي، والذخائر أمريكية، والمال لتغطية تكاليف الحرب أمريكي، والدعم السياسي لتلك الحرب أمريكي غربي وهو دعم مفتوح بلا حدود أو قيود بهدف إعادة الثقة الى نفوس الاسرائيليين المذعورة والخائفة منذ 7/10/2023، وكذلك الانتقام المروع والمجنون من الشعب الفلسطيني في إقليم غزة عقاباً على الرعب والخوف الذي سببوه للإسرائيليين يوم 7/10/2023.
المجتمع الإسرائيلي قد كشف عن حقيقته وعن فقدانه لإنسانيته ولروحه في هذه الحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني مما أعاد هذا المجتمع إلى أصوله كمجموعات بشرية مبعثرة من هنا وهناك لا يربطها معاً سوى ذكريات دموية شاذة عن ممارسات نازية يعيد الإسرائيليون الآن تمثيل فصولها من خلال عمليات قتل وإبادة الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وقراه.
عندما يتم التوصل إلى وقف لهذه المجزرة للبشر والحجر، سوف يكتشف الإسرائيليون أنهم لم يكسبوا شيئاً سوى احتقار العالم لإجرامهم ووحشيتهم، وأن ما حاولوا إكتسابه على مدى سبعين عاماً من عطف وتأييد من دول العالم قد إنقلب إلى رفض واحتقار لسلوكهم الدموي المجنون ممزوجاً بتعاطف إنساني واضح ومتزايد مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
أمريكا واسرائيل والغرب يقاتلوا الفلسطينيين وكأنهم (أي الفلسطينيين) دولة عظمى. والواقع أن الفلسطينيين شعب محتل ومحاصر منذ ما يزيد عن سبعين عاماً يخضع لإجراآت متزايدة من القمع الجائر والفصل العنصري المتزايد، مما يجعل ذلك الجمع من الأمريكيين والإسرائيليين والدول الغربية في هذه الحالة أقرب ما يكونوا إلى حلف الشيطان في محاولة دموية لقتل فكرة عظمى سامية تمثلها القضية الفلسطينية وليس دولة عظمى كما في المفهوم التقليدي . فالفلسطينيون في غزة شعب محتل خاضع للاحتلال ولأقسى أنواع الحصار في العصر الحديث لم يماثله سوى حصار مدينة ستالينغراد السوفياتية َمن قبل ألمانيا النازية، أما الفكرة العظمى التي تغلف الفلسطيني كهالة من نور فهي تكمن في كونهم التجسيد الحي لقضيتهم الفلسطينية َوهُمْ بذلك يشكلوا الناقض الحقيقي لإسرائيل والإسرائيليين، حيث أن الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين ليس طارئاً بل هو إستمرار طبيعي لِحقَّهم التاريخي في التواجد على أرض وطنهم فلسطين.
الفَزَعْ الذي أصاب اسرائيل صباح يوم 7/10/2023 جاء كجرس إنذار لما يستطيع الفلسطينيون،حتى ولو كانوا محاصَرين، ِفعْلَهُ وانجازه دفاعاً عن حقوقهم الوطنية، والى ُضعْف وهشاشة الكيان الاسرائيلي المصطنع والمفروض طوال الوقت على الفلسطينيين وعلى المنطقة بشكل عام بقوة السلاح الأمريكي، بإعتباره اللاصق الوحيد الذي يجمع مكونات الكيان الاسرائيلي معاً.
وكما يعلم الجميع، فإن الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني لم يبدأ في السابع من أكتوبر عام 2023، ولكن مرحلة جديدة من هذا الصراع قد ابتدأت في ذلك التاريخ . وهذه المرحلة تؤشر على أن الأمور لن تعود كما كانت، بل سوف تزداد سوأء مع مرور الوقت وليس العكس مما يعني بالنسبة لحلف الشيطان ضرورة العمل على الخروج من هذا المأزق بحل يرضي الفلسطينيين وبأقل تكلفة على إسرائيل، وليس الاكتفاء بالتركيز على وقف إطلاق النار باعتبار ذلك هو الحل . إذ من المعروف أن الحلول التي تأتي نتيجة لضغوط التفوق العسكري لأحد أطراف الصراع قد تكون حلولاً غير متوازنة ولن تصمد أمام ضغوط الأحداث وتطورها، ولكن الضغط الدولي يمكن أن يساهم في هذه الحالة في إضافة المزيد من التوازن إلى تلك الحلول مما قد يساهم في جعلها أكثر قبولاً للطرفين، مما قد يفسر دعوة البعض إلى حل الدولتين في هذه المرحلة.
الجنون الذي يتسم به القصف الاسرائيلي الوحشي الحالي على المناطق المدنية والسكان المدنيين في قطاع غزة والدعم الأعمى الذي تقدمه أمريكا ومن ورائها دول الغرب لهذا القصف المجنون لا يمكن تفسيره إلا برغبة مكبوتة داخل النفس الاسرائيلية لحلّ الأزمات النفسية المرتبطة بأزمة الوجود للكيان الاسرائيلي المصطنع من خلال تزوير التاريخ وقتل المكون السكاني الفلسطيني ومحاولة إبادته من جهة أو العبث بما يتبقى منه من خلال تفكيكه وتشتيته وتفريقه وإعادة توزيعه بما يتناسب ورغبات اسرائيل ومصالحها من جهة أخرى، ودون أي اعتبار للقانون الإنساني ومنظومة حقوق الإنسان.
ما يجري حتى الآن يهدف إلى إرسال رسالة إلى الفلسطينيين والعرب وحلفائهم عن طبيعة ومستوى الانتقام الذي يجب أن يتوقعوه من أمريكا والغرب فيما لو قاموا بفعل ما يمكن أن يؤدي إلى تهديد وجودي للكيان الإسرائيلي . الرسالة الخفية في هذا السياق تشير إلى أن اسرائيل هي في محصلة الأمر نتاجاً للحرب العالمية الثانية وهي بالتالي أحد إفرازات العالم الغربي المنتصر ومصالحه وليس كياناً يهودياً يهدف إلى تمثيل يهود العالم فقط، وأن استمرار وجودها يقع بالتالي في صلب المصالح الامريكية والغربية . الأمر إذاً لم يعد مقتصراً على تعويض اليهود عن ما جرى لهم على يد النازيين، فهذا الأمر قد اسُتْنفِذَ وإستهلك والشعوب والأجيال الجديدة في أوروبا لم تعد تقبل بعقدة الذنب تلك كونها قد استنفذت أغراضها، ومن هنا كان لا بد من كشف الحقيقة وهي التحام المصالح بين اسرائيل من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى ضد العالم العربي بشكل عام وليس الفلسطينيين حصراً.
الأجيال الجديدة من الفلسطينيين والعرب بخير. ومع أن منهاج التربية الوطنية قد تم حذفه من منهاج التربية والتعليم تلبية لتوجيهات أمريكية، إلا أن ما يجري في فلسطين أعاد تقدمة هذا الموضوع بشكل عملي وعلى أرض الواقع إلى عقول وقلوب الأجيال الجديدة وجعلهم أكثر التصاقاً بالقضية الفلسطينية واكثر إلماماً بالخطر الصهيوني على فلسطين والعالم العربي .
لا يوجد أي بطولة في حروب الإسرائيليين على الفلسطينيين. البطولة طالما جسدها الفلسطينيون في قتالهم المباشر مع الإسرائيليين وجهاً لوجه . أما الإسرائيليون فبطولاتهم محصورة في قصف المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ من الجو ومن البحر ومن البر ولكن عن بعد دائماً . إن وحشية العدوان الأمريكي – الاسرائيلي وحجم التدمير والقتل الذي أصاب إقليم غزة الفلسطيني وسكانه قد يدفع الأمور في العالم الغربي خصوصاً الى خلق موقف شعبي جديد يرفض ما تفعله اسرائيل ويقوم بمساءلة حكوماته على ما يجري . وهذا قد يؤثر على موقف الحكومات الغربية المعنية ويرغمها على تغيير سياستها من تأييد مفتوح لإسرائيل وعداء مفتوح للفلسطينيين، إلى احترام القانون الدولي ومطالبة المجتمع الدولي بمحاسبة اسرائيل على وحشيتها ضد المدنيين، ويرغم حكومات أوروبا الغربية على تعديل مواقفها لتتناسب وذلك التوجه .
الرئيس الأمريكي بايدن لا يملك الصلاحية لتحديد من يتكلم بإسم الشعب الفلسطيني أو يمثلهم ولا يحق له ذلك، ومع أنه بصفته رئيساً للولايات المتحدة قد يملك القوة العسكرية التي تعطيه إمكانية إعلان الحرب وقتل المدنيين من الفلسطينيين وتدمير مدنهم وقراهم كما هو عليه الحال الآن، إلاَّ أن دور أمريكا الحقيقي في المنطقة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل يبقى في كل الاحوال دوراً منحازاً يتراوح بين القتل والتدمير أوالتهجير والظلم والاقتلاع بهدف حماية إسرائيل وضمان وجودها وبقائها كدولة إحتلال .
الخطر كل الخطر يكمن في خلق سابقة العبث الديموجرافي الشامل بشعب بأكمله. ومثال على ذلك هو الترحيل السكاني القهري للفلسطينيين ونقلهم إما من مكان لمكان آخر داخل وطنهم، أو ترحيلهم من وطنهم الى خارج وطنهم جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد وبما يجعل من الترانسفير سياسة مقبولة دولياً ومعمول بها. إن رفض العالم لسياسة الترانسفير، أي النقل الشامل للشعب بأغلبيته أو بأكمله من مكان لمكان آخر بغية إجراء عملية تطهير عرقي تسمح بأخذ الأرض والاستيلاء عليها خالية من البشر ومن سكانها الأصليين، كان دائماً حجر العثرة أمام المخططات الاسرائيلية الصهيونية للتخلص من الشعب الفلسطيني وابتلاع أرضه . ما يجري الآن هو في هذا السياق تماماً ويهدف الى خلق سابقة دولية يوافق عليها المجتمع الدولي وتجعل من الممكن، بل والمسموح به ، إخلاء فلسطين من سكانها والسماح للاحتلال الإسرائيلي بابتلاع الإرض الفلسطينية خالية من سكانها . وهذا قد يكون أهم الأهداف الخفية للحرب الأمريكية – الاسرائيلية الوحشية الدائرة الآن ضد إقليم غزة الفلسطيني وسكانه المدنيين .
ما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية الآن و كخطوة إنتقالية هو إعادة تشكيل إقليم غزة الفلسطيني بعد تدميره وقتل الآلاف من ابنائه ومحاولة القضاء التام على تنظيم حماس وبشكل يجعل من غزة إقليماً تدير أموره سلطة تماثل سلطة الضفة الفلسطينية تكون تابعةً للاحتلال تأتمر بأوامره وتقوم على تنفيذها على الرغم من إرادة الشعب الفلسطيني تماماً كما يحصل في الضفة الفلسطينية، والشرط الأساسي لحصول ذلك هو نجاح اسرائيل في القضاء بشكل كامل على حركة حماس وهذا أمر مشكوك به كون حماس ليست حزباً سياسياً وانما حركة وطنية جذورها ضاربة في العمق الفلسطيني .
lkamhawi@cessco.com.jo