حماس الفلسطينية والمؤسسة الأمنية والعسكرية الاسرائيلية
د. لبيب قمحاوي
جو 24 :
لا تحتاج حركة حماس الفلسطينية لمن يُدخِلُها التاريخ . فهي قد فعلت ذلك منذ السابع من شهر أكتوبر عام 2023 عندما نجحت في اختراق أكبر شبكة أمنية إسرائيلية والعبور إلى عدة مدن ومستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة بل واحتلالها لعدة أيام . لقد نجحت حماس في عبور بوابة التاريخ والجلوس على أعلى درجاته مرتبة، لا ينقصها في ذلك شئ، لأن العدو قبل الصديق قد أكدَّ على أهمية وخطورة ما أنجزته وأثره على إعادة تشكيل واقع المنطقة .
حماس ليست جيشاً أو دولة بل هي تنظيم شعبي فلسطيني، وهي بالتالي ليست نِداً لدولة أخرى مثل "إسرائيل" في إمكاناتها العسكرية والمادية وفي الدعم الدولي الغربي لها . ومع ذلك ، فقد استطاعت حماس أن تعصف بنجاح بمحددات الوضع القائم للاحتلال قبل 7/10/2023 بكل ما كان يكتنفه من إحتلال وظلم وقهر وتمييز واستبداد، ودمرَّت حماس بنجاح صَنَمَ التفوق العسكري الاسرائيلي وأطاحت بأكذوبة "إسرائيل التي لا تقهر"، وأذاقت العدو الاسرائيلي للمرة الأولى الطعم الحقيقي المر للهزيمة المباشرة عندما َتَقاَبلَ الاسرائيلي والفلسطيني وجهاً لوجه ونِداً لند في ساحة المعركة يوم 7/10/2023 .
حماس،التنظيم الفلسطيني الشعبي البسيط قد زلزل أركان المؤسسة العسكرية والأمنية الاسرائيلية، وأعطى إسرائيل الدرس الحقيقي الأول بأن الإرادة الشعبية والعزيمة الرافضة للاحتلال هي أقوى من السلاح الأجوف القاتل مهما بلغ في قوته التدميرية إذا ما استند استعمال ذلك السلاح إلى الظلم والاستبداد والوحشية واغتصاب حقوق الآخرين.
وعلى أية حال، فإن الصمود تحت ظروف قاسية أو مستحيلة كما هو حال إقليم غزة، في مواجهته الحالية لهذا العدو الاسرائيلي المجرم القاتل الذي يفتقر إلى الإنسانية، لمدة تقارب الشهر من القصف اليومي المباشر والمتواصل على المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء هو بحد ذاته شكلاً من أشكال الانتصار . ولكن على الفلسطينيين إعادة طرح آمالهم وطموحاتهم المرحلية بما يتناسب وإمكانات حماس وقدرتها على التنفيذ الصحيح، وعدم وضعها تحت ضغوط شعبية فلسطينية ربما تفوق في نتائجها قدرات حماس الحالية . حماس أدرى بقدراتها وعلينا الاكتفاء بذلك من منطلق الثقة بحماس وحكمتها في استغلال إمكاناتها تحت قيادتها المتجددة دائماً .
لا يمكن لإسرائيل أن تنتصر بالمفهوم التقليدي للنصر العسكري في الحرب الدائرة الآن بينها وبين حماس . وبالمقياس نفسه لا يمكن لإسرائيل أن تهزم حماس الهزيمة النهائية المطلقة كما يطالبون و َيدَّعون . عدم انتصار اسرائيل هي هزيمة، وعدم هزيمة حماس هي انتصار . وهكذا تقف الأمور في ميزان التاريخ وإلى أن تتغير الظروف الدولية والاقليمية السائدة .
النصر موضوع نسبي، وإذا كان هنالك من يعتقد أن حماس في طريقها لتحرير فلسطين ضمن المعطيات الاقليمية والدولية السائدة، فليعد إلى فراشه وينام ويتمتع بأحلامه، أما من يؤمن بالمقاومة بأشكالها المختلفة كنهج للتحرير فهذا هو التفكير الصائب. وإذا كانت حماس ببطولاتها وتضحياتها غير قادرة ضمن الظروف السائدة على تحرير الأرض، فانها قادرة على تحرير النفس الفلسطينية المقهورة والمهزومة ومعها عقول وقلوب أجيال الشباب حول العالم في رفضهم الاحتلال والعنصرية والاستبداد والاجرام الأمريكي- الاسرائيلي المشترك .
إعلام حماس ليس بحاجة للكذب كحاجة نتنياهو وإعلامه. إعلام حماس ينطلق من النصر فيما نتنياهو وإعلامه ينطلقان من الهزيمة . لا حاجة للمبالغة أو اختراع القصص والأكاذيب، فهذا كله سلاح المهزومين . إن عَطَشَ الفلسطينيين للنصر بعد عقود من الهزائم العربية والفلسطينية قد يفسر جزءاً من الجنوح الفلسطيني نحو المطالبة بالمزيد من الانجازات والتوقعات. وفي هذا السياق، من الضروري التأكيد على أنه لا حاجة لتحميل حماس ثقل الأماني الشعبية الفلسطينية أو متطلباتها أو مطالبها أو شعاراتها مهما كانت مشروعة . فلندع حماس وشأنها فهي أدرى بما هي قادرة أو غير قادرة عليه، وهي أدرى بما يتوجب عليها فعله، أو أين ومتى؟ وقد يكون في العمل على تخليص الشعب الفلسطيني من السلطة الفلسطينية الحاكمة في الضفة الفلسطينية مدخلاً لتلبية بعض المطالب الشعبية الفلسطينية المحقة لتعزيز مسار النضال الفلسطيني دون أن يؤدي ذلك إلى أي تأثير سلبي على حماس.
lkamhawi@cessco.com.jo