ماذا يحدث في غزه
دكتورة مارينا الشياب
جو 24 :
تعددت وتباينت الآراء المطروحة عن الإجابة على سؤال ماذا يحدث في غزة ؟! إن هذا السؤال يجيب عن نفسه فما يحدث في غزة هاشم اليوم هو واحدةٌ من أهم الدروس والملاحم النضالية الممنهجة في التاريخ المعاصر سواء على المستوى القتالي لعناصر المقاومة أو على المستوى الاجتماعي الثقافي التي زرعها أبناء غزة في نفوس الشعب الفلسطيني أولاً والعربي ثانياً وكل الشعوب المقهورة في الأرض في مواجهة تغول الحرب الاقتصادية التي اختبأت خلف حرب الإبادة والتطهير العرقي للشعب العربي الفلسطيني في غزة التاريخ والجغرافيا .
فقطاع غزة ذلك الشريط الضيق من الإرض الذي لا تتجاوز مساحته 360كم2 وطوله41كم2، وعرضه12كم2 يُطل على البحر المتوسط كان ذات يوم ممرا لرحلتي الشتاء والصيف، واليوم يُعد منطقةً اقتصاديةً حيوية لفلسطين يربطها بالعالم الخارجي بإطلالة ساحله كاملاً كميناء على البحر المتوسط مما جعل جرفها القاري مكمناً مهماً للصيد، ومخزناً غنياً للغاز الطبيعي.
هذا البعد الإستراتيجي لغزة كواحدةً من المنافذ الاقتصادية والسياسية المهمة عالميا غير أُوكرانيا دفع التغول الاقتصادي الاستعماري عبر مصالح مدللته إسرائيل لارتكاب جرائم إبادة لتفريغ غزة من سكانها الأصليين الفلسطنين العرب معيداً للأذهان ما حصل لشعب فلسطين في العام 1948من قتل وتهجير بغية بناء دولة إسرائيل وخلق كيان داخل الأرض العربية لزعزعة آمنها واستمرار نهب قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والحضارية، هذا الحدث الذي القى بظلاله على مجريات القرن العشرين كان درساً خلق نموذجاً لجيل فلسطيني غزاوي واعي ومناضل رافض أن يُستغل مرةً أُخرى لتمرير مخطط القرن الجديد لشرق أوسط جديد حضارياً واقتصادياً بأن تكون جزءاً من أرض غزة قناةً بن غوريون - المزعم شقها- لضرب تحكم العرب- وإن كان غير مكتمل- بممر التجارة الدولية عبر قناة السويس المصرية من جهة، ومن جهةٍ أخرى أن تكون أرض غزة آباراً لاستخراج الغاز الطبيعي وسحبه من باطن الأرض العربية لصالح ترسانة المتحكم الاقتصادي الجديد القديم قدم الأرض العربيه.
وبرغم الدمار الكبير، وإرتفاع عدد الشهداء إلا أن الحرب استطاعت تحقيق تفوق فلسطني في كافة المجالات على المستويين الداخلي والخارجي عربيا ودولياً على السواء عبر ما رأيناه على شاشات السوشيال ميديا المختلفة للقدرات التنظيمية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية لعل ابرزها المعنويات المرتفعة وحب التضحية والشهادة، وامتلاكها تراسانة ذاتية طورتها عقلية مقاومة برغم الحصار المفروض عليها ظهر ذلك بالأساليب القتالية البرية والتوسع في حفر الأنفاق في كل اتجاه في باطن الأرض سواء لداخل أراضي الضفة الغربية أو وصولا الى مصر بهدف مباغتة العدو وإفشال تقدمه والقضاء عليه بحصره بالداخل، ناهيك عن القدرات المطوره لبعض صواريخ المقاومة الفلسطينية في تدمير وحرق دبابات الصهيونية المتطورة، وفنون قتالية أُخرى ستُنبىء عنها الأيام القادمة، كما أنبأتنا الحرب أن المصالحة الوطنية بين كل فصائل المقاومة هي الخيمة الوطنية الفلسطنية الشعبية الواحدة الجامعة والمحاربة على الأرض.
وإذا كانت الحرب على غزة والتي ستضع أوزارها عاجلا أم آجلا ستصنع انتعاشا اقتصاديا في منطقة الشرق الأوسط عامة الذي كانت اسرائيل تأمل في إعادة بنائه من جديد وفق رؤيتها. فإنها بالمقابل صنعت شعبا عربي فلسطيني مستمر بالصمود لا يقهر ولا يهزم عصي على التهجير والزوال أمام شعب يهودي صهيوني متأزم داخليا متصارع حول حقيقة استمرارية فكرة الوطن اليهودي والتضحية من أجله، كما أجبرالصمود الغزاوي أمريكا على دعم تطبيق حل الدولتين في فلسطين، وضرورة رفع الحصار المفروض على قطاع غزة الذي لن تستطيع إسرائيل إدارته وبالتالي يجب عليها عدم العودة لاحتلاله وفي هذا اعتراف ضمني باستحالة القضاء على المقاومة وعلى رأسها حماس، ولذا دعت لوقف الحرب مما سيؤدي الى إطلاق عدد من الاسرى الفلسطينيين .
إن ما يحدث في غزة اليوم مرحلةً جديدةً عالمياً وعربياً هي شعلة حريةٍ جديدة تُضاء في سماء النهوض العربي إن تم توجهيها بالطريق الصحيح عبر البنية الفكرية للجيل العربي القادم ليكون مستعداً للمحافظة على مقدراتنا وشخصيتنا العربية الحضارية والتي باتت ضرورة مُلحة لحفظ بقاءنا في مواجهة محاولات التذويب لصالح عقيدة فكريةٍ جديدة تتماشى مع الهيمنة المادية الاقتصادية والفكرية والاجتماعية الاستعمارية الجديدة وذلك بتوظيف تكنولوجيا العصر الرقمية كساحةٍ أُخرى للصراع التي لن تزداد ذكاءاً إلا في إطار الناموس الألهي المسموح بها ولها.
فطوبى للمقاومة والصمود الغزاوي في فلسطين، والرحمة للشهداء الإحياء ببطولتهم وسلاما لطفولةٍ وئدت وأخرى ستولد من جديد ...