بين خازن المال وصانع السياسة
ياسر الزعاترة
جو 24 : من جديد يعود محمد رشيد، أو خالد سلام إلى صدارة المشهد السياسي، أولا عبر الحوار (المسلسل) الذي تجريه معه فضائية العربية تحت عنوان “الذاكرة السياسية”، وثانيا عبر طلب السلطة الفلسطينية من “الإنتربول” اعتقال الرجل بتهم الفساد، الأمر الذي لم يجد آذانا صاغية، ربما لأن السلطة ليست دولة كاملة السيادة كما يرجح المعنيون، وربما لأنهم لم يقدموا دلائل كافية، وربما لأن الطلب لم يكن حقيقيا في الأصل، وربما لأن الرجل يحمل خمسة جوازات سفر كما علمنا من دوائر السلطة ذاتها.
ليس غريبا بالطبع أن يحمل الرجل خمسة جوازات سفر (يقال إن جميعها دبلوماسية)، فرأس المال ليست له جنسية، وبوسع أصحاب الملايين (فضلا عن أصحاب مئات الملايين أو المليارات) أن يحصلوا بكل سهولة على جنسيات كثيرة من خلال استثمار جزء من أموالهم في هذا البلد أو ذاك.
في الحوار المشار إليه، يقدم محمد رشيد نفسه بوصفه أحد أهم أركان القيادة الفلسطينية الذين يطلعون على أدق المعلومات، ليس في أروقة كامب ديفيد صيف العام 2000 وحسب، بل قبل ذلك بسنوات بعيدة أيضا.
بدأت سيرة الرجل (الكردي العراقي) مع منظمة التحرير من خلال عمله مع الشهيد “أبو جهاد” كمستشار إعلامي في بيروت مطلع الثمانينات، قبل أن يستقطبه أبو عمار رحمه الله (كان الأخير يستمتع باستقطاب المقربين من منافسيه في حركة فتح ورموز الفصائل الأخرى)، ويصبح بعد ذلك مستشارا إعلاميا له يدير مقابلاته وعلاقاته مع الدوائر الإعلامية.
عندما عاد عرفات إلى الأرض المحتلة وبدأ مشروع أوسلو، تحول المستشار الإعلامي بقدرة قادر إلى مستشار اقتصادي وخازن للمال، والسبب كما يرى الراسخون في معرفة الراحل يتمثل في اعتقاده بأن الرجل الكردي الأصل سيكون أكثر طواعية من سواه من رموز فتح الذين يمكن أن يتمردوا فيما لو ملكوا حركة المال أو جزءا منه، لكن الرجل الذي لا يشك أحد في قدراته وذكائه لم يكن عند حسن ظن الرئيس، إذ ما لبث أن انقلب عليه عندما انقلب عليه كثيرون بعد قمة كامب ديفيد إياها، وتحالف مع محمد دحلان ومحمود عباس في سياق العملية الانقلابية الشهيرة، تلك التي كانت تحظى بدعم أمريكي إسرائيلي، ثم ما لبثت بعد فشلها أن هيأت الأجواء لاغتيال الرجل من قبل الإسرائيليين بعد رفع الغطاء المصري عنه حين انسجم حسني مبارك مع الأمريكان بعد ظهور معادلة التوريث في الساحة المصرية.
لا يتردد محمد رشيد في الحديث عن علاقاته الحميمة مع شارون ولقاءاته معه في مزرعته الخاصة، وعلاقاته أيضا مع نجله (عمري)، كما يفتخر أيضا بعلاقاته مع الأمريكان الذين بات هو وصاحبه دحلان من المقربين منهم (لا ندري كيف تسير علاقة الرجلين هذه الأيام بعدما جرى للأخير).
لندع الشق السياسي في حديثه، وحيث لا يخفي الرجل انحيازه لنهج التنازلات (يستكثر مثلا مطلب حق العودة بوصفه مستحيلا، مع أنه للأمانة لا يختلف في هذا السياق عما تبقى من القادة الذين يدركون أن مستحيل بالفعل ولا يصرون عليه؛ هو الذي لم يكن سببا في فشل قمة كامب ديفيد التي أفشلها ملف القدس الشرقية).
لندع ذلك ونتحدث عن الجانب الذي استفز السلطة، وهو على ما يبدو ذلك المتعلق بحديثه عن ثروة الرئيس وأبنائه. وهنا ثمة ما يثير التساؤل حول محاكمته الغيابية وتوقيت طلبه عن طريق الإنتربول، وهل كان قادة السلطة في حاجة لثماني سنوات منذ اغتيال ياسر عرفات حتى يكتشفوا اختلاس الرجل لأموال الشعب الفلسطيني؟! فيما يرد هو بأنه حصل على براءة ذمة من الرئيس شخصيا بعدما أعاد 600 مليون من الأموال التي كان يديرها. هكذا يُسأل الذين منحوه براءة الذمة، أو سكتوا في أقل تقدير على حيازته لمئات الملايين، هو الذي دخل الأراضي المحتلة وهو لا يملك شيئا يذكر.
حكاية محمد رشيد جزء من حكاية طويلة تتعلق أولا بطريقة اختيار القيادات، وثانيا بأموال منظمة التحرير التي تاهت بعد ياسر عرفات، فضلا عن تضخم أموال كثير من رموز السلطة وأبنائهم بعد أوسلو، الأمر الذي سيظل طي الكتمان على الأرجح باستثناء ما يسمعه الناس من تراشق تهم بين المعنيين ما يلبث أن ينتهي بعد وقت لا يطول عبر وساطات وتسويات متبادلة لا تخلو من تهديدات بكشف المستور. ولا عزاء للشعب الفلسطيني!!
الدستور
ليس غريبا بالطبع أن يحمل الرجل خمسة جوازات سفر (يقال إن جميعها دبلوماسية)، فرأس المال ليست له جنسية، وبوسع أصحاب الملايين (فضلا عن أصحاب مئات الملايين أو المليارات) أن يحصلوا بكل سهولة على جنسيات كثيرة من خلال استثمار جزء من أموالهم في هذا البلد أو ذاك.
في الحوار المشار إليه، يقدم محمد رشيد نفسه بوصفه أحد أهم أركان القيادة الفلسطينية الذين يطلعون على أدق المعلومات، ليس في أروقة كامب ديفيد صيف العام 2000 وحسب، بل قبل ذلك بسنوات بعيدة أيضا.
بدأت سيرة الرجل (الكردي العراقي) مع منظمة التحرير من خلال عمله مع الشهيد “أبو جهاد” كمستشار إعلامي في بيروت مطلع الثمانينات، قبل أن يستقطبه أبو عمار رحمه الله (كان الأخير يستمتع باستقطاب المقربين من منافسيه في حركة فتح ورموز الفصائل الأخرى)، ويصبح بعد ذلك مستشارا إعلاميا له يدير مقابلاته وعلاقاته مع الدوائر الإعلامية.
عندما عاد عرفات إلى الأرض المحتلة وبدأ مشروع أوسلو، تحول المستشار الإعلامي بقدرة قادر إلى مستشار اقتصادي وخازن للمال، والسبب كما يرى الراسخون في معرفة الراحل يتمثل في اعتقاده بأن الرجل الكردي الأصل سيكون أكثر طواعية من سواه من رموز فتح الذين يمكن أن يتمردوا فيما لو ملكوا حركة المال أو جزءا منه، لكن الرجل الذي لا يشك أحد في قدراته وذكائه لم يكن عند حسن ظن الرئيس، إذ ما لبث أن انقلب عليه عندما انقلب عليه كثيرون بعد قمة كامب ديفيد إياها، وتحالف مع محمد دحلان ومحمود عباس في سياق العملية الانقلابية الشهيرة، تلك التي كانت تحظى بدعم أمريكي إسرائيلي، ثم ما لبثت بعد فشلها أن هيأت الأجواء لاغتيال الرجل من قبل الإسرائيليين بعد رفع الغطاء المصري عنه حين انسجم حسني مبارك مع الأمريكان بعد ظهور معادلة التوريث في الساحة المصرية.
لا يتردد محمد رشيد في الحديث عن علاقاته الحميمة مع شارون ولقاءاته معه في مزرعته الخاصة، وعلاقاته أيضا مع نجله (عمري)، كما يفتخر أيضا بعلاقاته مع الأمريكان الذين بات هو وصاحبه دحلان من المقربين منهم (لا ندري كيف تسير علاقة الرجلين هذه الأيام بعدما جرى للأخير).
لندع الشق السياسي في حديثه، وحيث لا يخفي الرجل انحيازه لنهج التنازلات (يستكثر مثلا مطلب حق العودة بوصفه مستحيلا، مع أنه للأمانة لا يختلف في هذا السياق عما تبقى من القادة الذين يدركون أن مستحيل بالفعل ولا يصرون عليه؛ هو الذي لم يكن سببا في فشل قمة كامب ديفيد التي أفشلها ملف القدس الشرقية).
لندع ذلك ونتحدث عن الجانب الذي استفز السلطة، وهو على ما يبدو ذلك المتعلق بحديثه عن ثروة الرئيس وأبنائه. وهنا ثمة ما يثير التساؤل حول محاكمته الغيابية وتوقيت طلبه عن طريق الإنتربول، وهل كان قادة السلطة في حاجة لثماني سنوات منذ اغتيال ياسر عرفات حتى يكتشفوا اختلاس الرجل لأموال الشعب الفلسطيني؟! فيما يرد هو بأنه حصل على براءة ذمة من الرئيس شخصيا بعدما أعاد 600 مليون من الأموال التي كان يديرها. هكذا يُسأل الذين منحوه براءة الذمة، أو سكتوا في أقل تقدير على حيازته لمئات الملايين، هو الذي دخل الأراضي المحتلة وهو لا يملك شيئا يذكر.
حكاية محمد رشيد جزء من حكاية طويلة تتعلق أولا بطريقة اختيار القيادات، وثانيا بأموال منظمة التحرير التي تاهت بعد ياسر عرفات، فضلا عن تضخم أموال كثير من رموز السلطة وأبنائهم بعد أوسلو، الأمر الذي سيظل طي الكتمان على الأرجح باستثناء ما يسمعه الناس من تراشق تهم بين المعنيين ما يلبث أن ينتهي بعد وقت لا يطول عبر وساطات وتسويات متبادلة لا تخلو من تهديدات بكشف المستور. ولا عزاء للشعب الفلسطيني!!
الدستور