عيد المقاومة والتحرير هل هو عيد لبناني؟
في 25 أيار من العام 2000 انسحب الجيش الإسرائيلي من معظم الأراضي التي كان يحتلّها في جنوب لبنان من دون مفاوضات أو اتفاق بين الجانبين. ولم يكن هذا الانسحاب التزاماً بتنفيذ القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن منذ العام 1978. ولم تجد تل أبيب نفسها ملزمة بتنفيذه، ولا نتيجة حسن نية تجاه بيروت حيث لا يزال الاحتلال ماثلاً في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر الحدودية. إنما جاء الانسحاب بعدما تكبّد الاحتلال خسائر جسيمة بفعل ضربات المقاومة في لبنان.
اللافت في هذا العيد أنّه بات كأنّه يخص مجموعة لبنانية دون المجموعات الأخرى، على الرغم من أن المناطق التي كانت إسرائيل تحتلها يسكنها مواطنون لبنانيون من مختلف الطوائف، وهم الآن أصبحوا يتمتعون بالحرية، وبمقدورهم الانتقال بين جميع المناطق من دون المرور بالحواجز والمعابر، ومن دون خوف من اعتقال أو تنكيل أو حتى انتقاص للكرامة الوطنية بوجود جيش غريب على الأرض اللبنانية.
دخل العيد في متاهات السياسة الداخلية وتحوّل نقطةً تُسجّل لطرف في مواجهة أطراف أخرى. أيعقل أنّه الوطن نفسه الذي تحرّر أم أنّ المشكلة كانت في نقص الإجماع على التحرير أو طريقة التحرير؟ فهل كان هناك فعلاً من يظنّ أن إسرائيل ستستيقظ ذات يوم وتقرّر تنفيذ القرارات الدولية، وتحديداً الانسحاب من لبنان، حرصاً على حسن الجوار مثلاً؟ هل كان الأمر يتطلب 22 عاماً كي تقرّر أنّها ليست بحاجة إلى الشريط الحدودي المحتلّ عند حدودها الشمالية؟
أيعقل أنّه الوطن نفسه الذي تحرّر أم أنّ المشكلة كانت في نقص الإجماع على التحرير أو طريقة التحرير؟
انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، أو أغلبه، مهزومةً بإقرار الإسرائيليين أنفسهم في سابقة تُسجل للمقاومة في هذا الوطن. ولكن ما الذي تحقق فعلاً بالنسبة إلى مواطني المناطق المحررة حديثاً؟ هل وجدوا الدولة الراعية الحاضنة، الدولة التي دعمتهم وعوضتهم عن سنوات الاحتلال؟ هل كان بإمكان الدولة بأجهزتها الرسمية والأمنية الدفاع عن الحدود في وجه العدو؟ هل يملك الجيش اللبناني المقدرة على الوقوف في وجه أحد أقوى الجيوش في العالم، إذ يحظى بدعم لا محدود من الولايات المتحدة الأميركية يمكن تلمّسه مما يجري في غزة من نحو ثمانية أشهر.
صحيح أن الدولة اللبنانية لم تكن منذ الانسحاب في أفضل أحوالها، إلّا أن السؤال يوجّه في ظل وجود دين عام بعشرات مليارات الدولارات، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام والشبهات حول سبل إنفاقه.
وصحيح أن الدولة كانت تعيش في ظل الوصاية السورية حتى العام 2005. وعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري انسحب آخر جندي سوري من لبنان، وتحديداً في 26 نيسان 2005. وهو انسحاب اعتبره البعض انتهاءً لفترة احتلال في حين كان البعض الآخر يضعه في خانة "الشرعي والضروري والمؤقت".
لم ينظر فرقاء في لبنان إلى اندحار جيش الاحتلال الإسرائيلي على أنّه تحرير، كما لم يرَ فرقاء آخرون في وجود الجيش السوري احتلالاً. لم يعرف اللبنانيون طريقاً للاحتفال معاً بما تحقّق من سيادة واستقلال، إذ اختلفوا على الطريقة والتوصيفات، واختلفوا على الإستراتيجية الدفاعية عن لبنان، كما اختلفوا على خريطة النهوض بالواقع المالي والاقتصادي، ولا يزالون.
اختلفوا على حرب تموز ونتائجها، فريق رأى فيها انتصاراً على العدوان الإسرائيلي وفريق لم يرَ منها سوى حجم الدمار والخسائر. ورغم أنّ إسرائيل لم تكن لتوقف عدوانها لولا الخسائر التي لحقت بها، فإنّ بعض اللبنانيين قرروا التمسك بتنفيذ القرار الدولي 1701، الذي لم يكن فعلاً هو الذي أوقف "العمليات القتالية". وتجاهل هذا البعض أن إسرائيل استمرت في خرق بنود هذا القرار منذ العام 2006 إلى اليوم. وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد أبلغ المنسّق المقيم للأمم المتّحدة للشّؤون الإنسانيّة في لبنان عمران ريزا بأكثر من 30 ألف خرق إسرائيلي لهذا القرار منذ العام 2006.
اللافت أن الدعوات اللبنانية إلى احترام القرارات الدولية تأتي في الوقت الذي كان مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة يمزق من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، نسخة من ميثاقها، احتجاجاً على التصويت لمصلحة منح فلسطين الحق في العضوية الكاملة. وهي نفسها فلسطين التي تتعرّض لحرب إبادة على مرأى من العالم أجمع وتعجز الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن عن وقفها.
فلمن يذكر ولمن لا يذكر عيد التحرير، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مذكّرةً تقضي بإقفال المؤسّسات العامّة والبلديّات والمدارس والجامعات الّتي تعمل أيّام السّبت، وذلك لمناسبة "عيد المقاومة والتحرير".
وجاء في المذكّرة:
"يُعلَنَ يوم السّبت في الخامس والعشرين من شهر أيّار 2024 يوم عطلة وطنيّة، لمناسبة "عيد المقاومة والتحرير"، وتُقفَل جميع المؤسّسات العامّة والبلديّات وجميع المدارس والجامعات الّتي تخضع لدوام خاص وتعمل أيّام السّبت.
وتُخصَّص الحصّة الأولى من يوم الإثنين الواقع فيه 27/5/2024 في جميع المدارس والمعاهد والجامعات، لشرح أهميّة هذه المناسبة الوطنيّة".
هذه اللغة الحيادية التي لا تحمل معنى الاحتفال بما تحقّق للوطن عموماً ولأهل الجنوب خصوصاً، أو لا تعطي إنجاز التحرير من الاحتلال حقّه كما يفترض، هي التعبير الأصدق عن الطريقة التي يتعامل بها الوطن بصفته الرسمية مع منطق الحرية والسيادة والاستقلال.