الأردن في عين العاصفة
د. هايل السواعير
جو 24 :
يعيش الاردنيون اليوم وسط إقليم مجنون سياسياً، حيث فقد العدو الصهيوني عقله كردة فعل على هجمات السابع من اكتوبر و التي يجمع الكثيرون على انها شكلت نقطة تحول تاريخي في الصراع العربي الصهيوني، هذا الصراع الذي يحدد بلا ادنى شك شكل الأنظمة الحاكمه إن لم يكن يحدد شكل الدول في المنطقة.
في ظل هذه الظروف الاستثنائية و في ظل الاشتباك السياسي الكبير على الساحة السياسية الاردنية ، فقد بات واضحاً لكل العاقلين (أو بقيتهم) بأن من يطرح مشروع الدولة الاردنية القوية المتماسكة بديلاً لمشروع التحرر الفلسطيني العربي من المشروع الصهيوني هو بالتأكيد يطوف في فلك هذا المشروع الاستعماري و أدواته.
النغمة الإقليمية البائسة التي يتم استحضارها عند كل منعطف مهم (٧ أكتوبر مثالاً) يدعم تماسك الأمة و يطلق مشروع التحرر العربي، هي نغمة خبيثة، يتم إطلاقها خدمة لرغبات الصهاينة و عملائهم.
و قد برزت هذه النغمة مجدداً خلال الأيام الماضية من خلال انتخابات مجالس الطلبة في جامعاتنا الاردنية و الذي لاحظنا فيه و بوضوح حجم الجهد المبذول لمزيد من التجهيل الذي يُمارس تجاه طلبة الجامعات من مختلف المشارب ، و تعميق الشروخات التي تخدم اعداء الوطن و الأمة.
الاردنيون و خصوصًا أبناء شرق النهر (لا احب استخدام هذه المصطلحات و لكنها ضرورة أحيانًا لإيصال الفكرة بوضوح) يجب ان يعوا ان مشروع التحرر و المقاومة الفلسطيني ليس نقيضًا للدولة الاردنية، بل هو النقيض الواضح و الأكيد للمشروع الصهيوني الذي يهددنا جميعًا، وهو وبكل تأكيد الداعم الرئيس لاستقرار الأردن و ضمان أمنه، و أن دعم المشروع المقاوم الفلسطيني فيه حماية للاردن و مشاركة في الجهد الواجب علينا جميعاً لرفع الاحتلال عن الأراضي العربية المحتلة و في مقدمتها القدس الشريف.
ما هو مطلوب الآن من الاردنيين يتمثل في ضرورة العودة الى الوجدان الاردني العروبي الأصيل و الذي برز في مراحل مختلفة من عمر الدولة الاردنية من خلال التضحيات الكبيرة التي قدموها على أرض فلسطين، و الانتباه لمحاولات تزييف هذا الوعي و النيل منه، و التمسك بالحالة النضالية الأصيلة و عدم الإنجرار وراء الأبواق الخبيثة التي تحاول حرف بوصلتهم.
أيضًا تكمن الأولوية في طريق الحفاظ على دولتهم في دعم مشروع المقاومة و التحرر الفلسطيني و الذي يشكل خط الدفاع الأول في مواجهة الكيان الغاصب و الذي ما فتأ قادته في الدعوة علناً الى التوسع شرقًا بإتجاه الاردن.
الحفاظ على الدولة الاردنية قويةً منيعةً في وسط هذا الإقليم الهائج يتطلب ( بالمناسبة) من صاحب القرار الرسمي أيضًا إعادة التموضع الاقليمي في المنطقة و ذلك ضمن امكانياته المتاحه ( و هي ليست بقليلة بالمناسبة )، إعادة التموضع المطلوب يبدأ من الاعتراف بحركات المقاومة الفلسطينية كممثل حقيقي لتطلعات الشعب الفلسطيني، و انهاء مهزلة التعاون مع سلطة عباس البائسة و التي ما عادت قادرة على إقناع أحد.
المعادلة الصحيحة التي يجب ان يعيها الجميع تقوم على ان الدولة الاردنية القوية و المشروع التحرري الفلسطيني الهادف الى اقامة دولة فلسطينيه يقفان في ذات الجهة في مواجهة مشروع صهيوني استعماري يقف على الجهة المقابلة.
و عليه فإن العبث بهذه المعادلة و محاولة جر الدولة الاردنية الى الطرف الآخر من المعادلة لتقف مع الكيان الغاصب في مواجهة المقاومة الفلسطينية هو أقصى درجات الشيطنة و العمالة التي ما عرف لها التاريخ مثيلاً حتى الان.
نحب أن نرى وطننا الأردن في أبهى صوره و أفضل حالاته، و نتمنى أيضًا ان نعيش لتلك اللحظة التي نرى فيها دولة فلسطينيه مستقلة و قوية على كامل ارض فلسطين، و هذا لن يتم سوى بالقضاء على المشروع الاستعماري الذي زرعه الغرب بين ظهرانينا.
لأجل هذه الأمنيات و لأجل ان تصبح واقعًا ملموسًا فإننا جميعاً مدعوون للعمل الجاد و الواعي وصولاً لتلك اللحظة التاريخية، و إن لم نصلها فإننا نكون على الأقل قد عملنا ما هو مطلوب منا، و تركنا للأجيال القادمة من بعدنا فرصة تحقيق ذلك الحلم.