2024-12-31 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

محاكمة الحرية وربيع العرب

ياسر الزعاترة
جو 24 : لم يكن عبثا أن يحضر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى القاهرة قبل يوم واحد من محاكمة الرئيس مرسي بتهمة التحريض على قتل متظاهرين، وبتهمة التخابر مع حركة حماس، لاسيما أن جزءا أساسيا من جولة الوزير الأمريكي كان يتعلق بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي ما كان لها أن تمضي وفق ذات النسق، وتصل إلى ذات النتائج لو بقي مرسي في الحكم، أعني تسوية تنطوي على تصفية للقضية الفلسطينية، إن كان بحل نهائي بائس ومشوّه، أم بحل مؤقت أكثر بؤسا وخطورة.
ولا شك أن زيارة كيري قد جاءت لتهيل التراب على كل الجدل الذي ساد حول حقيقة الموقف الأمريكي من الانقلاب، فيما جاء استئناف بريطانيا تصدير السلاح إلى مصر، ليؤكد أن ذلك هو الموقف الغربي بشكل عام بعيدا عن بعض الكلام الدبلوماسي من هنا وهناك، ولم يكن نصيب الرئيس المنتخب المعزول في أحاديث كيري غير المطالبة له بمحاكمة عادلة!! ولا قيمة هنا لتقليص المساعدة الأمريكية العسكرية، لأن ذلك جزء لا يتجزأ من الابتزاز، ومحاولة للظهور بمظهر أخلاقي، لكن بعض الموتورين لا يريدون الاعتراف بالحقيقة التي كان نتنياهو يعلنها ليل نهار بحملته الدبلوماسية لتأمين الدعم للانقلاب، ويبدو أن البعض لم يعد يرى أن نتنياهو هو العدو، ويبحث عن مواقف أخرى لكي يبرر موقفه السياسي....
ليست هذه محاكمة رئيس في واقع الحال، وهو ليس مجرما كي يُحاكم، ومن وفروا البراءة لحسني مبارك لا يمكن أن يكونوا أمناء على أية محاكمة ذات طابع سياسي، لو توقفنا عند حيثيات المحاكمة، فهي أقرب للمهزلة، لأن التحريض على قتل المتظاهرين كلام بلا قيمة، فمن قتلوا أمام قصر الاتحادية كانوا عشرة؛ ثمانية منهم من الإخوان، وحتى لو كان هناك تحريض، فالرئيس لا صلة له بذلك، وأما التخابر مع حماس، فيمثل تهمة أقرب إلى الفضيحة للانقلابيين؛ لما تنطوي عليه من بؤس لا يرى في التواصل مع دولة الاحتلال عيبا، بينما يرى التواصل مع حركة تحرر فلسطينية عربية شكلا من أشكال الخيانة.
أما طريقة المحاكمة وسريتها التي لم تعرف في التاريخ (حتى الأقلام منعت من دخول قاعة المحكمة)، فهي تؤكد أن مرسي هو الذي كان يحاكمهم، وليس العكس، وهم الخائفون منه، وليس هو الذي يخاف منهم.
من هنا يمكن القول إننا أمام محاكمة ثورة أكثر منها محاكمة لشخص، بل إن هناك ما هو أكثر من ذلك، فهذا الدعم الدولي لما جرى في مصر، ولمحاكمة الرئيس المنتخب يشير إلى أننا إزاء محاكمة للربيع العربي برمته، لاسيما إذا تذكرنا ما يجري في سوريا وهذه المؤامرة البشعة للانقلاب على ثورة الشعب، وتأييد الإبقاء على رئيس مجرم، فضلا عما يجري في ليبيا وتونس، وما جرى ويجري في اليمن، وكذلك التآمر على حماس في قطاع غزة التي وصل الحال بالجامعة العربية حد استقبال مذكرة مما عرف بحركة “تمرد” في قطاع غزة، ليس فيها سوى دعوة لضم القطاع إلى الضفة في مربع التنسيق الأمني والمفاوضات مع العدو، ذات النهاية المعروفة، والتي يفضحها نتنياهو يوميا بشروطه التي أضاف إليها بالأمس شرط الإبقاء على غور الأردن (30 في المئة من الضقة)، وذلك بعد شروطه الأخرى (الاعتراف بيهودية إسرائيل، وبقاء القدس الموحدة عاصمة لها، وتخلي الفلسطينيين عن حق العودة).
السؤال الذي يبرز من خلال المحاكمة التي جرت بالأمس يتعلق قبل كل شيء بالمصير الذي ينتظر مرسي، وما إذا كان الإعدام على طريقة عدنان مندريس في تركيا (1960)، أم القتل بطريقة أو بأخرى، لاسيما أن الرجل لا زال يملك ما يقوله .
إنها محاكمة لإرادة الشعب المصري، وهي محاكمة لثورته، بل هي كما قلنا محاكمة لربيع العرب برمته، لكن شعوب هذه المنطقة التي اكتشفت ذاتها وعناصر قوتها لن تلبث أن تنتفض من جديد وصولا إلى استعادة قرارها المسروق، وأرادتها المسلوبة، وما هي سوى جولة من جولات صراع مرير على منطقة بالغة الحساسية للعالم أجمع.

(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير