الكيان يتهاوى من أربعة محاور.. هل تناور حماس لتأخير المفاوضات ولماذا؟
ايهاب سلامة
جو 24 :
السؤال المطروح دون مقدمات: هل تتعمد المقاومة، المناورة، لإطالة أمد مفاوضات وقف اطلاق النار، وربما افشالها، ضمن تخطيط تكتيكي يهدف الى استنزاف الكيان الاسرائيلي، واستثمار أزماته الداخلية والخارجية التاريخية المهولة، التي أضحت تشكل تهديدًا وجوديًا حقيقيًا عليه، بعد أن أدخلته بمنعطف تاريخي قاتل، وغاصت به في مستنقع ضحل لا يعرف الخروج والخلاص منه؟
من المؤكد، أن المقاومة تقرأ مجريات الأحداث بشكل بالغ الدقة، وتدرك، أن الكيان الدموي، استخدم واستنفد جميع أوراقه العسكرية والسياسية، وضاقت أفق خياراته، وخسر في تسعة أشهر فقط، ما بناه سياسيًا ودعائيًا طيلة ثمانين عامًا منصرفة، كان يحكم فيها ويرسم، ليس في المنطقة فحسب، بل في سدة عروش الدول المتحكمة بمجريات الأحداث في العالم.
ومن المؤكد أيضًا، أن المقاومة تقرأ حجم الضغوط العديدة المهولة التي يتعرض لها الكيان الدموي..
ميدانيًا، بخسائره العسكرية اليومية غير المسبوقة الفادحة، وانعدام تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة، وفراغ خططه مما يسميه بـ" اليوم التالي للحرب"، الأمر الذي أدى إلى انقسامات علنية بين القيادة العسكرية والسياسية التي تجلت للعيان مؤخرًا، وآخرها الاعتراف الصريح والخطير للمتحدث باسم جيش الاحتلال "دانيال هاغاري"، التي عكست الواقع الميداني المتردي لجيش الاحتلال، وأكدت الانقسام بين القيادتين العسكرية والسياسية، حين أقر بأن : "الحديث عن تدمير المقاومة ليس إلا ذرا للرماد"، وأن "المقاومة فكرة وحركة مغروسة في قلوب الناس" ومن "يعتقد أن بإمكان جيش الاحتلال اخفاءها فهو مخطئ " وأن "المقاومة باقية"، قبل أن يرد عليه مكتب رئيس وزراء الكيان فوراً، بأن الحكومة "أمرت بتدمير قدرات المقاومة العسكرية"، وأن "جيش الاحتلال ملتزم بذلك"، الأمر الذي يدلل على عمق الخلافات بين جنرالات الجيش، والقادة السياسيين.
سياسيًا، بلغت أزمة الكيان أوجها، حيث أصبح الكيان الدموي منبوذًا من جميع شعوب ودول الأرض، ومعزولًا كفيروس خبيث معد، وتحولت قياداته المجرمة إلى مطلوبين للعدالة الدولية، بشكل لم يكن ليتخيله مخرج الخيال العلمي ستيفن سبيلبرج.
اقتصاديًا، كبدت المقاومة اقتصاد الاحتلال خسائر فادحة، حيث بلغت كلفة الحرب حتى نهاية نيسان 2024 حوالي 270 مليار شيكل، وانخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل حاد بنسبة وصلت الى 55.8% خلال الربع الأول من 2024، وتراجع دخل الإسرائيليين بنسبة 20 بالمئة، وهرب رأس المال المحلي والاجنبي الى الخارج بارتفاع بلغت نسبته 30%، اضافة الى انهيار وشلل شبه تام في قطاع البناء والعقارات والصناعة والزراعة والسياحة الداخلية، وتعطيل العمل بالمدارس والجامعات والمرافق الاقتصادية والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه، وصولاً الى خروج الكيان المؤقت من قائمة الدول العشر الأوائل التي يهاجر إليها أصحاب الملايين.
استراتيجيًا، أطاحت المقاومة الفلسطينية الباسلة في السابع من اكتوبر وما يليه، بـ"استراتيجية الردع" الاسرائيلي التي صنعت هالة الكيان، وأسقطت أسطورة "الجيش الذي لايقهر"، التي منعت خصومه من مهاجمته، وأتاحت له في الوقت ذاته، مهاجمة من شاء وكيفما شاء، دون مساءلة ومحاسبة، كما طمرت المقاومة، مشاريع صهيوعربية تطبيعية، كانت بصدد الإجهاز على القضية الفلسطينية، وغيّرت مسارات المنطقة، مثلما كشفت الوجه الشيطاني الحقيقي المختبىء خلف قناع "الدولة الديمقراطية" التي تسبح في بحر من " الديكتاتوريات المشرقية"، وعرّته أمام شعوب العالم، وأصبح كيانًا معزولًا، ومكروهًا، في كل بقاع الدنيا.
إذن، من البديهي بأن القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة، الذين يتعرضون لضغوط تفوق التصور لتقديم تنازلات تنقذ نتنياهو وعصابته من ورطتهم، يقرأون المشهد جيداً، ويعون حجم الورطة الاسرائيلية، كذلك يقرأون المشهد الأمريكي، ويرصدون حجم المأزق الذي ورطت به عصابة تل أبيب الإدارة الأمريكية التي تقف على عتبات استحقاق دستوري انتخابي، سيحوّل الأصوات الغاضبة من جرائم الاحتلال في غزة، ومن موقف دولتهم الشريك معه، الى أصوات في صناديق الاقتراع، قد تطيح بالإدارة الامريكية، لذا، نرى صمود المقاومة السياسية في لعبة العض على الأصابع، تمامًا كما نشهد صمودها واستبسالها العسكري في ميدان المعركة.
إن مواصلة حركة المقاومة الاسلامية حماس، نهجها الاسطوري المقاوم على ذات المنوال، سيحسم الحرب لصالحها دون أدنى ذرة شك، إن لم تكن قد حسمتها سلفًا وانتهينا. فجيش الاحتلال الذي بنى عقيدته العسكرية على الحروب السريعة الخاطفة، يُستنزف اليوم بشكل دام ٍ رغم استدعائه 300 الف مقاتل من جنوده الاحتياط، فهو لم يضع في حساباته العسكرية الخائبة، صمود المقاومة كل هذه المدة، وهو الجيش الذي لم يخض طيلة تاريخه الملوث بالجرائم حربًا زادت عن بضعة أيام، لذا، نرى قطعان جنوده في حالة رثة، ومعنويات دون الحضيض، وتجاوز عدد معاقيه 70 ألفا، منهم 8663 أعطبوا على يد المقاومة منذ بدء حرب غزة، باعتراف الجيش الرديء ذاته.
ورطة جيش العلوج الصهيوني، أنه يواجه حرب استنزاف يومية لا يعرف كيف يتعامل معها، وورطته كذلك، أنه لا يواجه جيشًا نظاميًا بأطره العسكرية التراتبية، ولا بكتائب وفرق وألوية عسكرية نظامية، حالما يتمكن من إلحاق ضرر بالغ فيها، يحسم المعركة. بل لا يمكنه حتى احصاء عدد شهداء المقاومة، ولا معرفة حجم الخسائر التي لحقت بها، وربما وعت قيادة جيش الاحتلال هذا مؤخرًا، وأبرقت للقيادة السياسية المتعطشة لأي انتصار يذكر، فتجلى الخلاف بينهما باستقالات و استفراد بالأوامر الميدانية، دون الرجوع للقيادة السياسية.
المقاومة التي بنت لنفسها قواعد عسكرية تحت الأرض تمتد لمئات الكيلومترات، لم تحفرها للاختباء، بل قواعد هجومية استنزافية، وقبة دفاعية، أمام جيش يسيطر على الأجواء بصواريخه وطائراته الحربية، فحيدت الأنفاق قدراته الجوية التي لم تتمكن سوى من ذبح المدنيين وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد، ولم يعد من وسيلة أمام جيش الاحتلال سوى تقديم جنود المشاة، وقوات المظليين و"النخبة"، الى قذائف وصواريخ المقاومة المتعطشة لدمائهم.
وربما كان لمعتقلات الاحتلال "فضل" في صناعة هذا الجَلَد الاسطوري لأبطال المقاومة، التي حولت غياهب الأنفاق بساتين خضراء يانعة في نظرهم، قياسًا بسجون الأسر والتعذيب التي ترعرع غالبيتهم فيها، وربما أيضًا، هي مشيئة الله سبحانه، التي صنعتهم بعنايته، وأعدتهم لمثل هذا اليوم، لتذل بهم كيان الدم، وتذيقهم الهزيمة على أيديهم، وتسوء بهم وجوههم، ويتبروا ما علوا تتبيرا.