الانتخابات النزيهة: الأمل في مستقبل ديمقراطي أفضل للأردن
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
نزاهة الانتخابات هي المعيار الأبرز الذي يُحدد مدى قوة الديمقراطية في أي دولة ، وتشكل الأساس الذي ترتكز عليه الديمقراطية، فهي الضمان الحقيقي لتمثيل الإرادة الحرة للشعب، ومن خلالها يتم ترسيخ شرعية النظام السياسي.
في الأردن، تكمن أهمية نزاهة الانتخابات في التزام الجهات المشرفة على العملية الانتخابية بمعايير الحياد والشفافية في التعامل مع جميع الأطراف المعنية، بدءًا من المرشحين والناخبين ووصولًا إلى المراقبين الدوليين والمحليين. يجب أن يبدأ هذا الالتزام من اللحظة الأولى لتسجيل الناخبين والمرشحين، مرورًا بإدارة الحملات الانتخابية بشكل عادل، وصولًا إلى يوم الاقتراع وفرز الأصوات، وحتى إعلان النتائج النهائية بشفافية .
إن الحياد السياسي هو حجر الزاوية لضمان نزاهة العملية الانتخابية. ولا يمكن تحقيق هذا الحياد إلا من خلال وجود هيئة انتخابية مستقلة تتمتع بسلطات واسعة وتعمل بعيدًا عن تأثير السلطتين التنفيذية والقضائية. هذه الهيئة يجب أن تعمل في إطار قانوني يضمن العدالة والمساواة في التعامل مع جميع المرشحين والناخبين، دون أي تمييز على أساس العرق، الدين، أو الوضع الاجتماعي. إن التزام الهيئة بهذه المبادئ هو الذي يعزز ثقة المواطنين في العملية الانتخابية، ويضمن أن النتائج النهائية تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين بشكل عادل ونزيه .
على الرغم من هذه المعايير، تواجه الانتخابات في الأردن تحديات جدية تهدد نزاهتها وتضعف من مصداقيتها. من بين أبرز هذه التحديات ظاهرة شراء الأصوات، التي باتت تمارس بشكل علني في بعض الدوائر الانتخابية، وهي ظاهرة تتعارض مع القانون وتقلل من مصداقية الانتخابات. إلى جانب ذلك، تبرز مشكلة التلوث البصري الناتج عن الانتشار العشوائي للافتات والصور الشخصية للمرشحين في الشوارع والأماكن العامة، مما يعكس حالة من الفوضى وعدم الالتزام بالقواعد المنظمة للحملات الانتخابية. هذه المخالفات ليست مجرد انتهاكات فنية، بل تعكس ضعف الرقابة وتراخي الالتزام بالقوانين المنظمة للانتخابات، مما يثير تساؤلات جدية حول نزاهة العملية برمتها .
إحدى القضايا المثيرة للجدل التي ظهرت في الأيام الأخيرة هي قضية التعامل مع حزب جبهة العمل الإسلامي. فبينما تعرض مرشحو الحزب لإنذار بسبب استخدامهم لشعار "بالإسلام نحمي الوطن وبني الأمة"، تم التغاضي عن مخالفات مشابهة ارتكبتها أحزاب أخرى في دعايتها الانتخابية. هذا التمييز في التعامل يثير الشكوك حول مدى التزام الهيئة المستقلة للانتخابات بالحياد، ويؤدي إلى تراجع ثقة المواطنين في نزاهة العملية الانتخابية. حزب جبهة العمل الإسلامي يمثل شريحة واسعة من المجتمع الأردني، والإسلاميون طوال تاريخهم موالين للدولة الأردنية قيادة وشعبا ،وهم معروفون بنزاهتهم وابتعادهم عن استخدام المال الأسود في حملاتهم الانتخابية. هذه الحقيقة تستدعي ضرورة ٠التعامل بإنصاف مع مرشحي الحزب، وضمان عدم تعرضهم لأي نوع من التمييز أو الاستهداف .
الدستور الأردني ينص بوضوح على مبدأ المساواة أمام القانون، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صادقت عليه الأردن، يؤكد على نفس المبدأ. إن احترام هذا المبدأ يعد شرطًا أساسيًا لضمان نزاهة الانتخابات. أي انتهاك لهذا المبدأ، سواء كان ذلك عبر التمييز في التعامل مع المرشحين أو عبر التغاضي عن مخالفات معينة لصالح أطراف معينة، يؤدي إلى تقويض ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وفي النظام السياسي بشكل عام .
إجراء انتخابات غير نزيهة، حيث تتحكم السلطة بنتائجها مسبقًا أو تلجأ إلى تزويرها، لا يخدم إلا في تكريس الوضع القائم ولا يسهم في تحقيق أي تقدم حقيقي في تمثيل إرادة الشعب. هذه الانتخابات قد توفر شرعية ديمقراطية زائفة ، لكنها في الواقع تفشل في تحقيق الهدف الأساسي للعملية الديمقراطية، وهو التداول السلمي للسلطة وتمكين المواطنين من المشاركة الفعلية في صنع القرار .
الانتخابات القادمة في الأردن تمثل فرصة حقيقية لتحقيق تحول إيجابي في مسار الديمقراطية. الأمل معقود على أن تكون هذه الانتخابات بداية جديدة نحو تحقيق مجلس نيابي يعكس الإرادة الحقيقية للشعب، ويؤدي دوره في الرقابة والتشريع بكفاءة وفاعلية. لتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر التزامًا جادًا من جميع الأطراف بمعايير النزاهة والشفافية، واحترام سيادة القانون، لضمان انتخابات حرة ونزيهة تعزز من ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية، وتضع الأردن على مسار التطور والازدهار ،وتجعله الدولة الانموذج في المنطقة، وتترجم الروئ الملكية بالاصلاح والتحديث .
الانتخابات النزيهة ليست فقط مطلبًا قانونيًا، بل هي ضرورة وطنية لضمان مستقبل أفضل للأردن وشعبه .