المحكمة العقارية الاردنية : متى سترى النور ؟
المحامي الدكتور فواز ابو حجلة
جو 24 :
عطفا على مقالتي السابقة والمتعلقة باعادة الاختصاص للمحاكم العادية للنظر في قضايا ازالة الشيوع ووجود شبهة دستورية في اناطة هذا الاختصاص بلجان ادارية ليست قضائية ومطالبتي باعادة هذا الاختصاص للمحاكم النظامية، فانني اضيف لما سبق ان الوقت قد حان لانشاء "محكمة عقارية" كمحكمة خاصة تكون مختصة بالنظر بالمنازعات العقارية التي ينظمها ويحكمها قانون الملكية العقارية.
وقبل الخوض في مبررات واهمية انشاء مثل هذه المحكمة يجب علينا بيان المقصود بالمحكمة الخاصة وبيان اسانيد انشاء مثل هذه المحاكم والمرجع القانوني لذلك.
ولبيان ذلك نقول بأن الاصل في المحاكم انها على ثلاث انواع هي: المحاكم النظامية، المحاكم الدينية، المحاكم الخاصة. وفقا لما نصت عليه المادة 99 من الدستور. وتمارس هذه المحاكم الخاصة إختصاصها في القضاء وفاقاً لأحكام القوانين الخاصة بها.
وبالتالي فان المحاكم الخاصة هي محاكم ذو سلطة قضائية تنشأ للنظرفي قضايا معينة في حد ذاتها ويمكن تقسيمها الى نوعين رئيسيين وهما:
النوع الاول : محاكم خاصة جميع قضاتها نظاميون مثل:
-محكمة البداية الضريبية ومحكمة الاستئناف الضريبية
-محكمة الجمارك البدائية و محكمة استئناف الجمارك
-محكمة الجنايات الكبرى
-المحكمة العمالية
-محاكم البلديات : مثل محكمة امانة عمان الكبرى، محكمة سلطة إقليم البترا التنموي السياحي، وغيرها
النوع الثاني : محاكم خاصة قضاتها أو بعضهم غير نظاميين مثل:
-محكمة أمن الدولة
-المحاكم العسكرية
-المجلس العسكري لدائرة المخابرات العامة
-محكمة الشرطة
وقياسا على هذه المحاكم الخاصة فانني اناشد الحكومة بضرورة انشاء "محكمة عقارية" كمحكمة خاصة تكون مختصة بالنظر بالمنازعات العقارية التي ينظمها ويحكمها قانون الملكية العقارية.
لأن هذا سوف يؤدي لتوفير قضاء متخصص بنظر الدعاوى العقارية بجميع انواعها اسوة بما يماثلها من المحاكم الخاصة، أما عن اهمية وضرورة ومبررات انشاء هذه المحكمة، فإن مبررات انشاء المحاكم الخاصة الاخرى التي ذكرناها كمحكمة الجمارك والضريبة والامانة تنطبق على انشاء هذه المحكمة العقارية، زد على ذلك ان القضايا التي ستنظرها المحكمة العقارية هي غالبا قضايا شائكة وينتج عنها تفرعات عديدة وهي اعقد واصعب من القضايا التي تنظر بها تلك المحاكم الخاصة الاخرى، كما ان القضايا العقارية كما هو الحال عليه الان تاخذ جهد ووقت من عمل المحاكم العادية وتضع عبء كبير عليها، وتمس افرادا عدة في المجتمع. ولذلك فنحن بحاجة لجهة قضائية مختصة ومتمرسة مدعومة بخبرات دائرة الاراضي والمساحة، كذلك فإن دائرة الاراضي والمساحة نفسها بحاجة لمثل هذه المحكمة تكون مساندة لها في ضمان امن الملكية العقارية وتوثيق هذه الملكية وتحصينها بالقرارات القضائية.
وبالاضافة لكل ما سبق فإنه ومن خلال خبرتي وتعاملي مع الجهات الدولية الناشطة في المجال العقاري مثل البنك الدولي وتقاريره المتعلقة بممارسة الاعمال (Doing Business ) وكذلك الجهات التي تقيس مستوى الفساد والشفافية في العالم والجهات المشرفة على مؤشرات الاستثمار وتحسين ادارة الاراضي مثل ( Land Matrix ) و (LANDac) و (Global Land Tool Network) و (ILC) وغيرها الكثير، فإنه يلاحظ أن هذه الجهات ومن خلال تقاريرها ومؤشراتها دائما تركز على وجود جهة مختصة وذات استقلالية عن دائرة الاراضي تستقبل الشكاوى والمنازعات العقارية وتوفر احصائية عن عدد هذه المنازعات والشكاوى ونسبة الفصل فيها، ولكن في ظل الوضع الحالي يصعب توفير احصائية عن عدد القضايا المتعلقة بالمنازعات العقارية بشكل منفصل عن غيرها من الدعاوى بسبب ان هذه الدعاوى العقارية تدخل في عداد وتعداد الدعاوى الاخرى بشكل اجمالي .
وبالتالي فإن هذه الملاحظات تؤثر على مركز الاردن في هذه التقارير والمؤشرات لصالح دول اخرى - وهي بشكل عام اقل درجة من ناحية ضمان وامان وتوثيق الملكية العقارية من الاردن - الا انها انتبهت لهذه النقاط وتراعيها في انظمتها واجراءاتها، مما يعطيها نقاط اعلى من الاردن.
زد على ذلك أن هذه الدراسات والاحصائيات التي تقدمها تلك الجهات الدولية دائما ما تلفت انتباه مكاتب الدراسات العقارية التي تزود المستثمرين الراغبين في دخول الاسواق العقارية بمعلومات السوق العقارية لاي بلد، وبالتالي فإن الدولة التي لا تحصل على درجات متقدمة تجعل كثير من المستثمرين يلجأون لاعادة التفكير بالاستثمار العقاري في الاردن، والكل يعلم بأن اكثر ما يهم المستثمر هو الحماية القانونية المتخصصة التي تحمي استثماراته، على الرغم بأن أمن الملكية العقارية وقوة السجل العقاري في الاردن تضاهي بل تتفوق على كثير من الدول المتقدمة الا ان الاردن لم ياخذ حقه اعلاميا في المنطقة بسبب عدم الانتباه لهذه الملاحظات والمتطلبات الدولية التي اعتبرها بسيطة ويمكن تحقيقها وتجاوزها.
جدير بالذكر انه كانت هناك محكمة تسمى محكمة تسوية الاراضي والمياه انشأت في عام 1933 بموجب نص المادة رقم 9 من (قانون تسوية الاراضي لسنة 1933). والتي نصت على : (تنحصر صلاحية سماع الاعتراضات على جدول الحقوق والبت فيها بمحكمة خاصة تسمى (محكمة تسوية الاراضي) وتتالف هذه المحكمة من قاض منفرد يعين بمقتضى احكام قانون الموظفين وتكون مقرراتها نهائية...)
وكان مقر هذه المحكمة يقع ضمن مباني دائرة الاراضي والمساحة ويرفدها كادر اداري من هذه الدائرة، ويتم تنفيذ قرارتها من خلال اقسام ومديريات دائرة الاراضي والمساحة.
الا أنه في عام 2019 وبعد صدور قانون الملكية العقارية تم الغاء هذه المحكمة بموجب نص المادة 53 من هذا القانون وتم حصر صلاحيات النظر بالاعتراضات المتعلقة بقضايا التسوية لمحكمة البداية، وايضا احالة جميع القضايا المنظورة امام محكمة التسوية لمحاكم البداية.
وبناء عليه وبعد ما يقارب من 86 عام من انشاء هذه المحكمة وبعد العمل الجبار والجهد الدؤوب لهذه المحكمة في نظر اعتراضات تسوية الاراضي والمياه والفصل فيها بكل حرفية ومهارة ومع تراكم خبرة هذه المحكمة وكوادرها خلال تلك السنوات الذي ادى لايجاد سجل عقاري قوي وامين بعد ان تناوب على العمل بهذه المحكمة قضاة وكادر وظيفي مؤهل ومدرب ومشهود له على مستوى المنطقة، خلال هذه الفترة الطويلة كانت دائرة الاراضي والمساحة تعد المنارة والرائدة في اعمال التسجيل العقاري ولاجل هذا السبب تم استقطاب العديد من هذه الكوادر والكفاءات من قبل بعض الدول العربية للعمل لديها.
كما ان الكثير من الدول المجاورة نقلت عن تجربة الاردن المتقدمة في المجال العقاري، علما بأن قانون تسوية الاراضي والمياه بالاضافة لجميع النصوص المتعلقة بعمل هذه المحكمة كان ولا يزال يطبق في الضفة الغربية ويعتبر هو المرجع القانوني لسلطة الاراضي وتسوية الاراضي الفلسطينة للآن.
الا ان كل ذلك انتهى عندنا في عام 2019، وكثير من المتعاملين في القطاع العقاري لم يلحظ او يلمس للآن اثر هذا الغياب بسبب توقف اعمال التسوية في دائرة الاراضي والمساحة منذ عدة سنوات، كما تم مؤخرا الغاء مديرية التسوية والمساحة في دائرة الاراضي والمساحة وتحويلها الى قسم. واعتقد ان العقبات والمشاكل ستظهر عند بدء اعمال التسوية مجددا حيث سيتبين الدور الذي كانت تقوم به هذه المحكمة وكوادرها وتؤديه على اكمل وجه مدعومة بكوادر مديرية التسوية والمساحة. وكان الأجدر هو ابقاء هذه المحكمة واستغلال خبرتها المتراكمة في النزاعات العقارية لا بل وتوسيع صلاحياتها لتشمل باقي المنازعات العقارية.
وفي الختام فإن المحكمة العقارية إن صدر قرار بانشائها فإن ذلك سيكون له دور كبير في حل المنازعات العقارية المتخصصة والتي اقترح ان تشمل اختصاصاتها ما يلي:
-قضايا ازالة الشيوع
-قضايا الاستملاك ونقصان القيمة
-قضايا الشفعة والاولوية والافضلية
-قضايا ابطال التصرفات العقارية واعادة الحال لما كان عليه
-دعاوى اثبات الملكية
-دعاوى تسوية الاراضي والمياه
-دعاوى تصحيح الاسم والقيود والمساحات في السجل العقاري
-القضايا المتعلقة بتملك غير الارنيين والاشخاص الطبيعيين
-القضايا والمنازعات والاعتداءات المتعلقة بأملاك الدولة
لذلك ومن هذا المنبر فانني ومرة اخرى اناشد الحكومة الموقرة التفكير جديا بالسير بانشاء هذه المحكمة واعطاء هذا الامر صفة مستعجلة.