ما بعد الانتخابات .. واستدامة بناء جسور الثقة
المحامي لؤي عمايرة
جو 24 :
فاز الوطن ونجحت الانتخابات النيابية، بما اتسمت به من نزاهة وشفافية وأرضية تشريعية مبنية على مخرجات "تحديث المنظومة السياسية"، في بناء رافعة ثقة مع الشارع وترميم مصداقية "الصندوق الانتخابي". ما جرى، وبشكل مجمع عليه، أعطى دفعة قوية لمسار التحديث السياسي وعزز من خصوبة تربته لاستكمال الدرب نحو ديمقراطية أردنية حيوية ترسخ نهج الحكومات البرلمانية، وتمكن الشباب والمرأة. مجدداً "التحديث السياسي" يتجاوز توقعات الشارع رغم الظلال الثقيلة للظروف الاقليمية والاقتصادية والتحديات والمخاوف والهواجس.
وفي حديث النتائج، إذ تصدرت قوائم "جبهة العمل الاسلامي" جميع الدوائر الانتخابية على مستويي الاقتراع "عامة ومحلية" ما عدا دائرة بدو الوسط حيث حلت ثالثا، فإن القراءة الأولية تقودنا إلى جملة من العوامل الأساسية التي قادت وبنسب متفاوتة إلى هذه النتائج. حيث لا شك ان "العدوان على غزة" حضر في الصناديق بقوة، كما شكل "الصوت الاحتجاجي" على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية عاملا مؤثرا. ولعل العامل الابرز هو فارق القدرات التنظيمية بين الأحزاب وتماسك الالتزام التصويتي داخل القوائم الانتخابية والذي تميل كفته بوضوح لمصلحة "جبهة العمل الاسلامي" بصفته الحزب الاكثر تنظيما وبما يمتلك، وبتعبير كثير من المراقبين، من "بنية تحتية" متنوعة: خيريا وتعليميا واجتماعيا ودعويا واقتصاديا، واخيرا حالة "الاسترخاء" التي قادت الحراك الانتخابي لكثير من الأحزاب "الوسطية" والثقة المفرطة ارتكازا على "مشهد انتخابي" لا ينتمي لمرحلة "التحديث السياسي" ومواصفاتها ومتطلباتها.
لقد شكل "الاستحقاق الانتخابي" بمجرياته ومقتضياته ومآلاته قيمة مضافة حقيقية لقوة الدولة ومنعتها، والمطلوب اليوم المراكمة على ما انتجته من قواعد لبناء الجسور فوق هوة الثقة والمضي قدما في خارطة التحديث وترشيد الاصوات "المنتشية" والاصوات "الغاضبة والعاتبة" واعلاء قيمة الحوار في "التجاذب الوطني"، وفي سياق المراكمة من الواجب دراسة تفاصيل الحالة العامة وادراك المزاج العام وتعزيز حضور "الصندوق الانتخابي ومخرجاته" كفاعل حقيقي في البناء السياسي.
اليوم، ينتقل "مسار التحديث السياسي" ومخرجاته إلى دائرة الفعل والانتاجية، فالسلطة التشريعية "بنت المسار" والارادة السياسية لانجاحه غدت فعلا واقعا لا مجرد نوايا حسنة، ومساحة التقاطعات بين الفواعل السياسية في المشهد العام مُكنت من أداوت تغيير الصورة الذهنية "للسلطة التشريعية والتنفيذية" لدى المواطن وبناء انطباع ايجابي يرتكز على اداء نيابي فاعل على قدر التحديات والمسؤوليات، وتكريس علاقة "سليمة وصحية" بين السلطات واستثمار ذلك في ترسيخ العمل الحزبي، وتجذير حياة حزبية ناضجة.
وتكاملا مع السياق رسم كتاب "التكليف السامي" للحكومة الجديدة محددات عمل ضمن "مشروع الدولة التحديثي" ينتج مهاما وبرامج تقوي المشروع وتمضي في إنجاحه، ومن تلك المحددات بناء علاقة تعاون مؤسسية صحية مع السلطة التشريعية. وفي عهدة الحكومة الجديدة الاستحقاق الانتخابي القادم: مجالس المحافظات والبلديات. وهنا نتحدث مجددا عن "قواعد" تحتاجها البلاد وهي تعيد بناء "جسور" الثقة مع المواطن والمستقبل.
ان رفع منسوب الثقة والامل يتعزز بتلازم منجزات مسارات التحديث الثلاثة، إن انجاز "رؤية التحديث الاقتصادي" بما يسهم في تحسين جودة الحياة وإحداث نقلة نوعية في مستويات المعيشة، يحتاج من الفريق الوزاري الجديد عملا دؤوبا ومتابعة ومنهجية تشاركية حقيقية مع القطاع الخاص وصولا الى رفع معدلات النمو الاقتصادي وتوفير سبل العيش الكريم للمواطن وتحقيق التنمية المستدامة وانجاز اهداف "الرؤية" وتفعيل مبادراتها.
واليوم أيضا، هناك ملفات ساخنة وشائكة ومزمنة كثيرة امام المؤسسات الدستورية يتطلع المواطن إلى معالجتها والتخفيف من آثارها على واقعه المعيشي، وهي تمثل اختبارات حقيقية تحتاج من السلطتين التشريعية والتنفيذية شكلا فاعلا من التعاطي والانتاجية، وبما تشكل نتائجه "المدماك" الفعلي في بناء جسر "عودة" ثقة الشارع مع كل المستويات.
وغداً، إذ تقدم الدولة نجاحات لافتة في سياق مشروعها السياسي التحديثي تزيد من قوة ومنعة وثبات البلاد، وتعيد تركيب معادلات "انتاج وتشكيل" السلطات في النظام السياسي بشكل تدرجي خلال 12 عاماً وصولا إلى "الدولة التي نريدها" وفقا للمنطوق السامي في الاوراق النقاشية، فإنه من الواجب التشديد على ما ذكّر جلالته الجميع أن "نجاحنا في الوصول إلى الهدف النهائي للإصلاح مرهون بقيام جميع أطراف العملية الإصلاحية بمسؤولياتهم وأدوارهم والارتقاء بها، وبترسيخ القيم والممارسات الديمقراطية، وتعزيز الأعراف القائمة وتطوير الضروري منها، وبتحقيق مستويات النضج السياسي الضروري لإنجاز متطلبات كل محطة إصلاحية".