jo24_banner
jo24_banner

مقترحات بلينكن السامة ..سعي لتكييش خطة الجنرالات الوحشية وتوظيفها دبلوماسيا !

كمال ميرزا
جو 24 :


مع أنّه أعلن صهيونيّته على الملأ منذ اليوم الأول، شأنه في ذلك شأن رئيسه "بايدن" الذي أعلن صهيونيّته منذ وقت طوييييل وكان ذلك جواز سفره للوصول إلى سدّة الرئاسة.. استغرب إصرار وسائل الإعلام العربيّة على أخذ زيارات وزير الخارجية الأمريكيّ "انتوني بلينكن" إلى المنطقة على محمل الجد!

أي جديد يمكن أن يأتي به "بلينكن" حيال حرب الإبادة والتهجير التي يخوضها الكيان الصهيوني بالوكالة عن بلاده الولايات المتحدة الأمريكيّة وجماعات المصالح الخاصة التي تحكمها؟!

نحن هنا إزاء نمط تكرّر في جميع الزيارات السابقة: يأتي "بلينكن"، يُطلق بعض التصريحات الممجوجة والمعوّمة عن ضرورة وقف إطلاق النار والتوصّل إلى اتفاق، يعقد اجتماعات هنا وهناك مع قادة ومسؤولين عرب وصهاينة دون أن نعرف حقيقة النقاشات التي دارت والتفاهمات التي أُبرمت في الغرف المغلقة.. لكن بركات ذلك سرعان ما تبدأ بالتبدّي عمليّاً بمجرد مغادرته أرض المطار.

وأولى بركات زيارة "بلينكن" الأخيرة هي استمرار الكيان الصهيونيّ وتماديه في مسح شمال غزّة بشراً وحجراً تحت مسمّى "خطة الجنرالات"، وكذلك العدوان على "إيران" (على هزاله) الذي استنفرت أمريكا ترسانتها لإسناده وتغطيته، وسارع البيت الأبيض إلى اعتباره جزءاً من حقّ إسرائيل المشروع في "الدفاع عن النفس"!

ومع هذا فلا "خطة الجنرالات" ولا العدوان على إيران هي أخطر ما تمخّضت عنه زيارة "بلينكن" الأخيرة، بل الخطورة تكمن قياساً بالزيارات السابقة في ذلك المقترح الشيطانيّ الذي حمله "بلينكن" معه هذه المرّة، وهو عقد "صفقة جزئيّة" قوامها إطلاق سراح عدد محدود من الأسرى الصهاينة لدى المقاومة مقابل وقف إطلاق النار لعدّة أيام.

قد يتسرّع بعض المحلّلين ويعتبرون مقترح "بلينكن" هذا بمثابة محاولة يائسة منه ومن إدارته لتحقيق إنجاز ما ولو صغير يستطيعون استثماره وتسويقه مع بدء العدّ التنازليّ للانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة التي تشهد شحناً غير مسبوق بين "الديمقراطيّين" و"الجمهوريّين".

إلّا أنّ مقترح "بلينكن" الخبيث ينطوي على أبعاد ومحاذير ومخاطر تتجاوز كثيراً هذا الفهم والتحليل السطحيّ!

فأولاً، هذا المقترح في حال السير فيه قُدُماً سيكسر الوحدة التي لا تتجزّأ لمطالب المقاومة التي تتمثّل في: وقف العدوان، والانسحاب الكامل من قطاع غزّة، وإبرام صفقة تبادل أسرى على مراحل، وإعادة الإعمار، وتقديم ضمانات دوليّة وأمميّة تكفل جميع ما تقدّم (وربما يمهّد ذلك إلى كسر وحدة الساحات أيضاً).

وثانياً، هذا المقترح في حال موافقة المقاومة عليه سيفسّر كمؤشّر ضعف ، بخلاف واقع حال المقاومة على الارض، وسيفسّر كمؤشّر قوة للكيان الصهيونيّ أيضاً بخلاف واقع الحال الفعليّ على الأرض.

ثالثاً، هذا الاتفاق سيجبّ جميع جرائم الإبادة التي اقترفها الكيان في شمال غزّة خلال الأسابيع الأخيرة ضمن ما تسمّى "خطة الجنرالات"، وسيعفيه من مسؤوليّته عن هذه الجرائم، وسيسبغ وجاهة ومشروعيّة على هذه الجرائم والخطة، وأنّه لولاها لما نجح الكيان في إخضاع المقاومة وإجبارها على الرضوخ وتقديم تنازلات والبدء بإطلاق سراح الأسرى لديها تباعاً بعيداً عن مطالبها الأصليّة.

رابعاً، وهو الأخطر، هذا الاتفاق الجزئي أو المجتزأ، سيمثّل مكافأة لسلوك الكيان الإجراميّ تغريه بالتمادي، وتكرار خطة جنرالاته بجرائمها وحقاراتها في أجزاء أخرى من قطاع غزّة، ومواصلة الابتزاز الرخيص: وقف الإبادة مقابل إطلاق الأسرى، دون الحاجة لإبرام اتفاق كلّي وشامل، ودون الحاجة لمقايضة أسرى بأسرى.

وفي المقابل، في حال رفض المقاومة لهكذا اتفاق مجتزأ، سيُستخدم هذا الرفض ضدها ضمن الحملة الدعائيّة الرخيصة التي لم تتوقّف للحظة بأنّ المقاومة هي التي تعرقل التوصّل لاتفاقات وتفاهمات، وهي التي لا تريد حقن دماء أهالي غزّة وإنهاء معاناتهم، ومرّة أخرى بما يمنح الكيان المسوّغ الدعائيّ للاستمرار في جرائمه وإبادته والتمادي فيها أكثر بغطاء أمريكيّ وتواطؤ وسكوت عربيّ كامل.

هذا المقترح لا يخرج عن إطار ما يسمّيه عبد الوهاب المسيري" بـ "البرجماتيّة السطحيّة" التي تسم العقل الغربيّ عموماً، والأمريكيّ على وجه الخصوص، والتي يُطلَق عليها تجميلاً وتلطيفاً وتسويغاً اسم "العقلانيّة"!

فهذه "البرجماتيّة" تنحو نحو "تجاهل الكليّات والغايات والثوابت وتركّز على الإنجاز".

ومن هنا يأتي "الأسلوب البرجماتيّ في التفاوض"، والذي "يذهب إلى أنّه من الممكن إرجاء النظر في القضايا النهائيّة الكبرى والتركيز على القضايا التي يمكن حلّها. إذ أنّه بطريقة أو بأخرى في وقت ما في مكان ما في أثناء المفاوضات قد يظهر شيء ما يساعد على حلّ للقضايا النهائية".

وهذه الطريقة في التفاوض "تعقّد الأمور من خلال تبسيطها، وينتهي الأمر بأنّ صاحب المدفع الأكبر هو الذي يفرض رأيه، وذلك بسبب غياب أي مرجعيّة كليّة". ومن هنا تأتي كلّ هذه المماطلة والتسويف وشراء الوقت بدماء الفلسطينيّين من أجل إعطاء الكيان الصهيونيّ الفرصة لـ "إنجاز المهمة"، وفرض "أمر واقع" جديد بالقوة يحسم أي مفاوضات وتفاهمات نهائيّة يتم إبرامها مستقبلاً.

هذا ما حدث في "كامب ديفيد" و"أوسلو" كما يرى المسيري (وأضف إليهما وادي عربة)، وهذا ما يحاول العدو القيام به في حالة "طوفان الأقصى".

بكلمات أخرى، قتل وإبادة وتهجير أهالي غزّة هو مجرد سلوك برجماتيّ وعقلانيّ وتفاوضيّ بالنسبة للعدو الصهيو ـ أمريكيّ، وهو ما تحاول الأنظمة العربيّة للأسف محاكاته ومجاراته، والتخلي عن "المبدئيّة" التي يُفترض أن يمليها عليها انتماؤها الدينيّ والقوميّ والوطنيّ، ظنّاً منها أنّها بذلك تلحق ركب والتطوّر والتقدّم والعلم واتقان فنون الحكم والسياسة الحديثة، وذلك بموازاة لهاثها المحموم لـ "التطاول في البنيان"، وتمثّل مظاهر وقشور نمط الحياة العصريّة حتى لو عنى ذلك عودتها إلى "جاهليّتها" و"وثنيّتها" القديمة و"عبادة الطاغوت"!

بالعودة إلى "بلينكن"، فما هي إلا أيام وينتهي عهد الإدارة الإمريكيّة الحاليّة، وهناك احتمالات قويّة بأن يخسر الديمقراطيّين لصالح الجمهوريّين في مسرحيّة "قم لأجلس مكانك" الأمريكيّة السمجة، والمثل الشعبي في مثل هذه المواقف يقول: "يا رايح كثّر ملايح"، ولكن يبدو أنّ "بلينكن" والإدارة التي ينتمي إليها مصرّون على "تكثير الجرائم" وليس الملايح، ربما أملاً بأن يرضى عنهم "الربّ الصهيونيّ" الذي يعبدونه فيعاد انتخابهم، أو حتى لا يتهمهم أحد وفق تعاليم "الدين البرجماتيّ" الذي يعتنقونه بأنّهم فشلوا في "إنجاز المهمّة"!

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير