مستقبل سوريا : " الكيان الصهيوني والمتشددون المتطرفون ومعركة النفوذ "
جو 24 :
كتب احمد عبدالباسط الرجوب
يدخل مستقبل سوريا مرحلة غير مؤكدة ومتقلبة بعد أن ترك الرحيل المفاجئ للرئيس السوري السابق بشار الأسد البلاد في حالة من الفوضى السياسية والعسكرية. ومع غياب الأسد، يهدد الفراغ في السلطة بتكثيف المشهد المعقد بالفعل للفصائل المتنافسة، بما في ذلك الجماعات المسلحة المتطرفة مثل داعش، والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، وغيرها من القوى الجهادية. وفي خضم هذه الفوضى، تظن دولة الكيان الصهيوني انها تواجه تحديًا متزايدًا ومتعدد الأوجه، حيث توازن بين مخاوفها الأمنية والجهود الرامية إلى الحد من نفوذ الجماعات الاسلامية من أجل الهيمنة على سوريا ، في ظل الظروف البائسة التي تمر بها سوريا الجغرافيا والسياسة فمن المقرر أن تصبح معركة النفوذ في سوريا أكثر صعوبة في التنبؤ بها، مع عواقب بعيدة المدى على المنطقة وخارجها.
ندرس في هذه المقال الديناميكيات المتغيرة في سوريا، مع التركيز على الأولويات الاستراتيجية لجميع الاطراف اللاعبة في بيئة جيوسياسية سريعة التطور من خلال السرد التالي:
أولاً: الكيان الصهيوني
لم تكد تمر ساعات قليلة على هروب بشار الأسد من دمشق فجر الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 حتى سارع جيش الكيان الصهيوني إلى استغلال الفراغ الأمني الناتج عن عملية الانتقال المفاجئ للسلطة في سوريا، وانسحاب قوات الأسد من مواقعها الحدودية، ليبادر باجتياح الحدود السورية في المنطقة العازلة التي سبق أن أنشئت وفقا لاتفاقية فك الاشتباك بين سوريا والكيان الصهيوني الموقعة يوم 31 مايو/ أيار 1974. وهذه الاتفاقية تمت برعاية دولية في سويسرا وبوجود الاتحاد السوفياتي في هذا الوقت، وإثر هذه الاتفاقية أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء قوة دولية مراقبة على الحدود بين الكيان الصهيوني وسوريا، ومن جهة أخرى أبقت هذه الحدود المرسومة سيطرة الكيان الصهيوني على جزء كبير من الجولان، ولكن بعد انهيار النظام السوري زادت الكيان الصهيوني مساحات السيطرة من هذه الحدود مع الدولة السورية.
وفي قراءة لما يقوم به الجيش الصهيوني من توغل بالمنطقة العازلة، واحتلال قمة جبل الشيخ والهجمات التي يشنها الطيران الحربي الصهيوني في سورية، فإن ذلك يعكس أطماع دولة الكيان الصهيوني في الأراضي السورية بحجة الدفاع والدواعي الأمنية كما وأن الكيان في كل سيرورة الصراع مع الدول العربية تخضع أطماعه التوسعية لمشروع "اسرائيل الكبرى" إلى الدوافع والاعتبارات الأمنية، وعلى هذا الأساس تقوم بإجراءات احتلالية على أرض الواقع، وهو ما تجلى في تعاملها مع الحالة السورية فور سقوط نظام بشار الأسد.
وهنا لا بد من التذكير في الأطماع الصهيونية بالأراضي السورية، بدءً بتشريع قانون لضم هضبة الجولان، وهو ما حظي بتأييد الإدارة الأميركية في عهد حاكم البيت الابيض " ترامب الاول " في حينه، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجدد دولة الكيان الصهيوني أطماعها التوسعية، من خلال الترويج لإقامة المناطق الأمنية العازلة، وهو ما تسعى إليه في قطاع غزة وجنوب لبنان والآن في سوريا.
وفي قراءة لمفهوم المناطق الأمنية العازلة التي يسعى الجيش الصهيوني إليها مع سوريا ولبنان وغزة وفيها مآرب صهيونية تندرج بما يلي:
- في وقت سابق توغلت قوة من جيش الكيان الصهيوني ، وتحديدا في 15 سبتمبر/أيلول 2024 رفقة دبابات وجرافات لمسافة 200 متر داخل الأراضي السورية شرق خط فك الاشتباك في محيط بلدة "جباتا الخشب" في القنيطرة. وقبل ذلك أيضا في عام 2022 وسعت قوات الكيان الصهيوني وجودها شرقا متجاوزة خط " يندوف "، وأنشأت طريقا أطلقت عليه "سوفا 53" مخترقة المناطق السورية بعمق يصل إلى كيلومترين، وخلال توغلاتها السابقة اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني مواطنين سوريين من تلك المناطق التي يفترض أنها كانت خاضعة لسيطرة النظام السوري.
- توغل قوات الكيان الصهيوني هذه المرة تختلف كثيرا عن كل المرات السابقة، ليس فقط في تزامنها مع رحيل عائلة الأسد عن حكم سوريا، ولكن أيضا في حجم واتساع التوغلات البرية والضربات الجوية الصهيونية وحتى الهجمات البحرية. لقد قام جيش الكيان بتنفيذ ضربات جوية وذلك في عملية تعد من أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو الالكيان الصهيونيي منذ 50 عاما فقد شن هجمات بأكثر من 350 طائرة داخل الأراضي السورية شملت قواعد عسكرية وطائرات مقاتلة وأنظمة صواريخ ومنظومات دفاع جوي ومواقع إنتاج ومستودعات أسلحة ومخازن أسلحة كيميائية ضمن عملية وصفت بأنها الأكبر في تاريخ سلاح الجو الالكيان الصهيونيي، وأسفرت عن تدمير 70-80% من القدرات العسكرية السورية وفق التقديرات الصهيونية الرسمية. وحتى الأسطول البحري الروسي لم يسلم من الهجمات بواسطة الصواريخ التابعة للبحرية الصهيوني.
ثانياً: الاستنتاج والتحليل:
إن اهداف الكيان الصهيوني في استهداف البنية التحتية العسكرية السورية والتحلل من اتفاقية وقف إطلاق النار بالعام 1974، بحسب إعلان نتنياهو وخاصة بعد هروب بشار الأسد إلى روسيا - متعددة الأوجه -، ويشمل مخاوف استراتيجية وأمنية وسياسية. وفي حين أن الأهداف المحددة للعمليات العسكرية الإسرائيلية قد تختلف بمرور الوقت، فمن الممكن تحديد عدة أهداف رئيسية في السياق الأوسع:
1. زعزعة حالة الاستقرار الداخلي بسوريا بعد أن سقط نظام حكم عائلة الاسد، وهي إجراءات تحمل في طياتها محاولات لاستفزاز فصائل المعارضة المنشغلة بتثبيت الوضع الداخلي والحفاظ على مكتسبات ثورة الشعب السوري.
2. تعطيل قدرات الجيش السوري
- جعل سوريا دولة منزوعة السلاح لا تقدر ان تدافع عن حدودها وسمائها وبحرها ، ومن المرجح أن تسعى دولة الكيان إلى إضعاف قدرة الدولة السورية على شن حرب بمفردها مستقبلا، ومن خلال تدهور القدرات العسكرية السورية - وخاصة أنظمة الدفاع الجوي والبنية التحتية للصواريخ والمدفعية - وهى بذلك تخلق الاجواء لزعزعة كيان الدولة السورية وقد تحسم الامر بان لا تملك اي فئة من العناصر المسلحة هذه القوة العسكرية..
3. منع عودة ظهور "محور المقاومة"
- كانت سوريا منذ فترة طويلة جزءًا من "محور المقاومة"، الذي يضم إيران وحزب الله وجماعات مسلحة أخرى معارضة لدولة الكيان والمصالح الغربية. حتى مع فرار الأسد أو إضعافه، تظل علاقة النظام بإيران وحزب الله محورًا حاسمًا يجب على إسرائيل مواجهته. من خلال استهداف البنية التحتية العسكرية السورية، تسعى إسرائيل إلى منع إعادة تشكيل كتلة قوية ومسلحة جيدًا يمكن أن تتحدى الأمن الإسرائيلي في المستقبل.
4. الحفاظ على الردع الإسرائيلي
- تخدم الضربات الصهيونية على الأهداف السورية أيضًا في الحفاظ على استراتيجية الردع الخاصة بها. من خلال إظهار استعدادها وقدرتها على الضرب كلما شعرت بتهديد، غالبًا ما يتم تقديم هذه الإجراءات كوسيلة لتحذير سوريا وحلفائها من أن إسرائيل لن تتسامح مع الأعمال العسكرية العدائية أو إنشاء البنية التحتية العسكرية المعادية بالقرب من حدودها.
5. السيطرة الاستراتيجية على مرتفعات الجولان
- تظل مرتفعات الجولان، وهي منطقة استراتيجية استولت عليها دواة الاحتلال من سوريا في حرب الأيام الستة عام 1967، منطقة بالغة الأهمية للأمن القومي الإسرائيلي. وفي حين ضعف الجيش السوري بسبب سنوات من الحرب الأهلية، تظل المنطقة القريبة من مرتفعات الجولان بمثابة نقطة اشتعال. كانت دولة الكيان تشعر بالقلق إزاء النشاط العسكري والمسلح المحتمل في المنطقة.
ثالثاً: فراغ السلطة والفصائل المتنافسة:
لقد كان الوضع في سوريا في الآونة الأخيرة متقلبا، مع وجود العديد من اللاعبين والتحالفات المتغيرة، لذا فإن التنبؤ بالمستقبل على وجه اليقين أمر صعب. ومع ذلك، يمكننا أن ننظر إلى الديناميكيات لتقييم احتمال حدوث تطورات معينة.ونشرح ونقول اكثر في السياق التالي:
1. تأثير رحيل الرئيس بشار الأسد:
- فراغ السلطة: إن الإطاحة ببشار الأسد خلقت فراغا كبيرا في السلطة. لقد حافظ بشار الأسد على سيطرة هشة على سوريا لأكثر من عقد من الحرب الأهلية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الدعم من روسيا وإيران وحزب الله. إن رحيله من شأنه أن يقوض بنية الحكومة، مما قد يتركها مجزأة وعرضة للاقتتال الداخلي بين الفصائل المتنافسة.
- الفصائل المتنافسة: قد تتنافس الفصائل الرئيسية في سوريا - بدءًا من حكومة الأسد السابقة والقوات الكردية إلى مختلف الجماعات المتمردة والجهادية - على السلطة، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة ، فمن المرجح أن تكثف هذه الفصائل من اقتتالها الداخلي.
2. المنظمات الإرهابية:
- القاعدة وداعش: يمكن لجماعات مثل داعش (الدولة الإسلامية) والكيانات التابعة للقاعدة، والتي حافظت على وجودها في سوريا، أن تستغل أي حالة من عدم الاستقرار الناجم عن سقوط الأسد. وفي حين هُزم داعش إلى حد كبير على المستوى الإقليمي، فإن أيديولوجيته وبقاياه لا تزال قوية في المنطقة. وقد يحاول داعش إعادة بناء قواته، وخاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة أقل من القوى الخارجية.
- القاعدة: قد ترى جماعات مثل هيئة تحرير الشام، التي تتكون في المقام الأول من فروع القاعدة السابقة، فرصة لزيادة نفوذها في غياب نظام الأسد. وقد تحاول تأكيد نفسها باعتبارها القوة "الإسلامية" الأساسية، على الرغم من أنها ستواجه منافسة من داعش والفصائل الأخرى.
- الجماعات المتطرفة الأخرى: بالإضافة إلى داعش والقاعدة، قد تسعى جماعات جهادية وسلفية أصغر حجمًا أيضًا إلى توسيع نفوذها. وقد يركز البعض على التمردات المحلية، في حين قد يحاول البعض الآخر الانخراط في أنشطة إقليمية أوسع.
3. الصراعات الداخلية بين الجماعات الإرهابية:
- التنافسات: غالبًا ما يكون للمنظمات الإرهابية، وخاصة تلك التي لها أيديولوجيات مختلفة مثل داعش والقاعدة، تاريخ من التنافس. انفصلت داعش، على وجه الخصوص، عن القاعدة في عام 2014 بسبب النزاعات الإيديولوجية والقيادية. وقد يستمر هذا التنافس، مع محاولة كل من المجموعتين السيطرة على مناطق وموارد معينة، مما يؤدي إلى الاقتتال الداخلي.
- السيطرة الإقليمية: مع سعي الفصائل المختلفة (بما في ذلك الجماعات الإرهابية) إلى السيطرة على مناطق استراتيجية في سوريا، من المرجح أن تتزايد الاشتباكات على الأراضي والموارد والنفوذ. وقد يؤدي هذا إلى المزيد من التفتت والعنف.
الخلاصة:
في حين أنه من الممكن أن تنمو المنظمات الإرهابية في سوريا في غياب الأسد، فمن المرجح أن يتعقد الوضع بسبب المنافسة الشديدة بين الفصائل المختلفة. فمن من المرجح أن تشهد سوريا فترة من عدم الاستقرار المتزايد، مع تنافس الجماعات الإرهابية والميليشيات المحلية والقوى الأجنبية على السيطرة. وقد يؤدي هذا إلى مزيد من الاقتتال الداخلي بين المنظمات الإرهابية نفسها وكذلك مع الفصائل الأخرى، ولكن الصراع على السلطة من شأنه أن ينطوي أيضا على مجموعة من الجهات الفاعلة الأخرى - مما يجعل من غير المرجح أن تظهر مجموعة واحدة مهيمنة في أعقاب ذلك مباشرة وعليه فمن المرجح أن يظل الوضع متقلبا للغاية، مع تحول التحالفات والمنافسة العنيفة على الموارد والسيطرة على الأراضي.
** نعتذر عن الاطاله بسبب تشعب وارهاصات الوضع الذي من شأنه أن ينطوي على مجموعة من الجهات الفاعلة الأخرى وهو ما تطلب الاسهاب في التحليل..
باحث ومخطط استراتيجي - الاردن