هل تُضمّ "الثورة السورية" إلى ملفات نكبة "الربيع العربي"؟
ندين المعايطة
جو 24 :
لم تروِ فترة الثلاثةَ عشرَ عامًا من عمر الثورة السورية – التي راح ضحيتها ملايين النازحين والشهداء والمعتقلين والمفقودين – عطش العديد من الناس لاستيعاب صدمة زوال نظام بشار الأسد في فترة اثني عشر يومًا فقط، بعد أن كان الهدوء النسبي والحذر يخيّم على معظم مناطق الدولة السورية، لتنهال بعد ذلك التحليلات والقراءات السياسية والعسكرية من كل حدب وصوب، متمحورة حول "نظرية المؤامرة" وأن البلاد تتجه نحو "مستقبل مجهول ومظلم".
انطلقت الثورة السورية في السادس من آذار/ مارس عام 2011 امتدادًا لمسلسل الربيع العربي، الذي اشتعلت شرارته الأولى بالثورة التونسية في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2010، لتتبعها بعد ذلك الثورة المصرية ثم الليبية، هذا التسلسل دفع بعض المحللين للإجماع على سوداوية القادم في الملف السوري بعد حكم الأسد، مُستندين إلى نتائج الربيع العربي، التي لم تأتِ – وفق رأيهم – سوى بمزيد من التمزيق وإشعال الحروب الطائفية واتساع رقعة الصراع في المنطقة، برعاية قوى دولية وإقليمية ذات أطماع جمّة.
لم تمضِ أربع وعشرون ساعة على إعلان انتصار الثورة السورية حتى انقضّت إسرائيل على المنطقة العازلة في هضبة الجولان، مسيطرةً عليها ومتوغلة بدباباتها على مدى يومين داخل القرى السورية المحاذية للمنطقة العازلة، ومتمركزة في نقاط استراتيجية مهمّة إلى جانب
استخدام سلاحها الجوي وطلعاته الجوية على العاصمة دمشق، مدمرا مرابض الطائرات الحربية السورية، وعددًا من مخازن الأسلحة الثقيلة، ومراكز الأبحاث، وغيرها من المراكز الحسّاسة، جاء هذا كله في إطار تحقيق طموح توسيع رقعة الدولة الإسرائيلية، وتنفيذ رؤية "الشرق الأوسط الجديد"، التي بدأت ملامحها تتضح أكثر فأكثر.
ولم تقف تركيا مكتوفة الأيدي أمام مشهد "تقسيم كعكة الشرق الأوسط الجديد"، فهي تسعى إلى إضعاف القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا وكانت فصائل مدعومة من تركيا قد أعلنت سيطرتها على مدينة دير الزور (شرقًا) ومدينة منبج (شمالًا)، بعد معارك عنيفة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد. كما سبق لتركيا السيطرة على مدينة تل رفعت (شمالًا) وطرد القوات الكردية منها.
أما إيران وأذرعها، فقد سلّمت الساحة – بمن فيها – لأعدائها، بحسب وصفها، المتمثلين في الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، تاركةً خلفها "حلم الإمبراطورية الفارسية" ذلك الحلم الذي استطاعت خلال السنوات الماضية أن تغذّيه بتمددها الفكري والعسكري عبر أذرعها المدعومة سياسيًا وعسكريًا في المنطقة العربية
في مشهد تخنقه الضبابية وترهقه علامات التعجب والاستفهام لماذا؟ وما هو المقابل؟ وكيف؟
ينصهر المستقبل السوري بين فكّي كماشة الأطماع الإسرائيلية، والتركية، والأميركية من جانب، والإيرانية والروسية من جانب آخر، وهنا يبرز السؤال هل تمتلك "هيئة تحرير الشام"، بقيادة قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، القدرة على الوقوف في المنتصف، وردع أطماع القوى العالمية، وبناء "سوريا جديدة"؟ أم سيغلق ملف "الثورة السورية" على ملفات نكبة الربيع العربي، وتغرق في المجهول؟