أسئلة سيناء الحائرة
فهمي هويدي
جو 24 : ثمة لغط يتردد في كواليس القاهرة حول الذي يجري في سيناء.. وليس بمقدورنا تبيان وجه الحقيقة فيه.. ففاجعة قتل عشرة من المجندين وإصابة 37 آخرين قرب العريش تروى بتفاصيل توحي بأن ثمة خطأ في الترتيب أسهم في وقوع الجريمة. وما سمعته أن أولئك الجنود كانوا عائدين إلى أهليهم بعدما أدوا واجبهم في سيناء، وجاء من يحل محلهم. والخطأ الذي يتحدث عنه المطلعون على التفاصيل يتمثل في أن زملاءهم حين وصلوا إلى المعسكر في الليلة السابقة. فإن مجموعات المتطرفين المتربصين رصدت الخبر، وتوقعت أن تقوم الحافلات التي حملتهم بإعادة عدد مقابل لهم إلى القاهرة لكي يقضوا إجازاتهم. ومن ثم فإنهم كمنوا حتى ظهرت الحافلات على الطريق العام مع طلوع الشمس وقاموا بعمليتهم الانتحارية التي أدت إلى الكارثة. بسبب ذلك يتحدث العارفون عن أن العملية خلت من الحذر الواجب. ذلك أنه في أجواء التربص الراهنة ما كان ينبغي للعائدين أن يخرجوا إلى الطريق العام مع طلوع الشمس. حيث يقضي واجب الحذر بأن تتحرك قافلتهم تحت جنح الظلام، في فترة حظر التجول الممتد طوال الليل وحتى السادسة صباحا. لأن ذلك هو الوقت الذي تكمن فيه المجموعات الإرهابية في مخابئها، حتى لا تقع في أيدي الحواجز الأمنية المنصوبة على الطرق.
لا أعرف مدى دقة هذه المعلومات التي تنتقد التدبير الذي عرض حياة المجندين للخطر. إلا أن تداولها يعد نموذجا للتسريبات التي تثير البلبلة والحيرة. الأمر الذي جعل ملف سيناء محاطا بالعديد من علامات الاستفهام حول مجمل عناصره وعناوينه. ذلك أننا لا نعرف حجم وهوية المجموعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة. (صحيفة هاآرتس الإسرائيلية ذكرت أنها 15 مجموعة جهادية، في حين أن المعلومات المتواترة تتحدث عن ثلاث مجموعات فقط هي أنصار بيت المقدس والسلفية الجهادية ومجلس شورى المجاهدين). كما أننا لا نعرف ما إذا كان هؤلاء على صلة بالإخوان أم لا، أو لهم صلة بتنظيم القاعدة أم لا، وهل هم مصريون من أبناء سيناء فقط، أم أن بينهم من ينتمون إلى جنسيات عربية (ذكرت «هاآرتس»أن بينهم سعوديين ويمنيين وليبيين. ومعهم آخرون من قطاع غزة). كذلك فنحن لا نعرف مصدر سلاحهم أو تمويلهم. ولم نفهم لماذا أوقف هؤلاء نشاطهم ضد إسرائيل ونقلوا عملياتهم إلى الداخل المصري بعد عزل الدكتور محمد مرسي في بداية يوليو الماضي، حيث كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم علامة على ذلك التحول الذي يكتنف الغموض مقاصده. إلى جانب هذا كله وذاك فثمة همسات تتحدث عن علاقة بين الأجواء المخيمة على سيناء وبين ترتيبات أمن إسرائيل ومستقبل قطاع غزة.
فتحت الموضوع مع أحد خبراء الشأن السيناوي، فبادرني قائلا إن أحد مفاتيح فهم ما يجري يتمثل في ضرورة تحري أسباب الاحتقان الذي يملأ فضاء سيناء. وفي رأيه أنه من الطبيعي أن تعطى الأولوية لوضع حد للعمليات الإرهابية وأن يتم القضاء على المجموعات التي تباشرها ــ لكن كثيرين يتجاهلون البيئة التي تتحرك وسطها تلك الجماعات، وكيف أنها مشحونة بمشاعر النقمة والسخط. وأرجع ذلك الاحتقان إلى الفترة التي أعقبت تفجيرات طابا في أعوام 2005 و2006 و2007. ذلك أن الأجهزة الأمنية صبت جام غضبها آنذاك على القبائل التي تعيش في المنطقة، وعاملت الناس بقسوة وفظاظة أهانتهم، وانتهكت أعرافهم وأذلت شبابهم الذين أُلقيت أعداد منهم في السجون التي تعرضوا فيها لعذابات لا تنسى. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الانتهاكات التي خلفت جراحات وثأرات عبأت الناس بالغضب، كما جرى استغلالها من جانب الجماعات الإرهابية على نحو دعا البعض إلى التعاطف مع عناصرها.
ما قاله صاحبنا أكده آخرون من ذوي الصلة. إذ ذكروا أن بعض الحملات الأمنية التي استهدفت عناصر المجموعات الإرهابية أفرطت في الانتهاكات، حين اعتقلت أعدادا من الأبرياء، وأحرقت مضارب وعششا، وعمدت إلى تجريف الزراعات. وفهمت أن الحذر الذي غاب في عملية إعادة الجنود لقضاء إجازاتهم، غاب أيضا عن بعض الحملات والمداهمات، التي استهدفت أفرادا معدودين، وآذت وأضرت بأضعافهم من أهاليهم وجيرانهم الأبرياء.
أكرر أن هذا الذي ذكرت من أصداء اللغط الذي يتردد بشأن الحاصل في سيناء، والذي لا نعرف وجه الحقيقة فيه، وهو ما يسهم في إشاعة البلبلة والحيرة. لذلك تمنيت أن تكلف لجنة بتحري حقائق وخلفيات ما يجري هناك، ليس فقط لكي نفهم ونضع حدا للشائعات والتسريبات، ولكن أيضا لكي لا نترك المؤسسة الأمنية وحدها في الساحة، الأمر الذي يحملها بما لا تطيق وبما هي ليست مؤهلة له. ذلك أننا نريد لسيناء أن تحتل مكانها في حضن الوطن، لا أن تتحول إلى جبهة قتال ضد بعض أبناء الوطن.
(السبيل)
لا أعرف مدى دقة هذه المعلومات التي تنتقد التدبير الذي عرض حياة المجندين للخطر. إلا أن تداولها يعد نموذجا للتسريبات التي تثير البلبلة والحيرة. الأمر الذي جعل ملف سيناء محاطا بالعديد من علامات الاستفهام حول مجمل عناصره وعناوينه. ذلك أننا لا نعرف حجم وهوية المجموعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة. (صحيفة هاآرتس الإسرائيلية ذكرت أنها 15 مجموعة جهادية، في حين أن المعلومات المتواترة تتحدث عن ثلاث مجموعات فقط هي أنصار بيت المقدس والسلفية الجهادية ومجلس شورى المجاهدين). كما أننا لا نعرف ما إذا كان هؤلاء على صلة بالإخوان أم لا، أو لهم صلة بتنظيم القاعدة أم لا، وهل هم مصريون من أبناء سيناء فقط، أم أن بينهم من ينتمون إلى جنسيات عربية (ذكرت «هاآرتس»أن بينهم سعوديين ويمنيين وليبيين. ومعهم آخرون من قطاع غزة). كذلك فنحن لا نعرف مصدر سلاحهم أو تمويلهم. ولم نفهم لماذا أوقف هؤلاء نشاطهم ضد إسرائيل ونقلوا عملياتهم إلى الداخل المصري بعد عزل الدكتور محمد مرسي في بداية يوليو الماضي، حيث كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم علامة على ذلك التحول الذي يكتنف الغموض مقاصده. إلى جانب هذا كله وذاك فثمة همسات تتحدث عن علاقة بين الأجواء المخيمة على سيناء وبين ترتيبات أمن إسرائيل ومستقبل قطاع غزة.
فتحت الموضوع مع أحد خبراء الشأن السيناوي، فبادرني قائلا إن أحد مفاتيح فهم ما يجري يتمثل في ضرورة تحري أسباب الاحتقان الذي يملأ فضاء سيناء. وفي رأيه أنه من الطبيعي أن تعطى الأولوية لوضع حد للعمليات الإرهابية وأن يتم القضاء على المجموعات التي تباشرها ــ لكن كثيرين يتجاهلون البيئة التي تتحرك وسطها تلك الجماعات، وكيف أنها مشحونة بمشاعر النقمة والسخط. وأرجع ذلك الاحتقان إلى الفترة التي أعقبت تفجيرات طابا في أعوام 2005 و2006 و2007. ذلك أن الأجهزة الأمنية صبت جام غضبها آنذاك على القبائل التي تعيش في المنطقة، وعاملت الناس بقسوة وفظاظة أهانتهم، وانتهكت أعرافهم وأذلت شبابهم الذين أُلقيت أعداد منهم في السجون التي تعرضوا فيها لعذابات لا تنسى. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الانتهاكات التي خلفت جراحات وثأرات عبأت الناس بالغضب، كما جرى استغلالها من جانب الجماعات الإرهابية على نحو دعا البعض إلى التعاطف مع عناصرها.
ما قاله صاحبنا أكده آخرون من ذوي الصلة. إذ ذكروا أن بعض الحملات الأمنية التي استهدفت عناصر المجموعات الإرهابية أفرطت في الانتهاكات، حين اعتقلت أعدادا من الأبرياء، وأحرقت مضارب وعششا، وعمدت إلى تجريف الزراعات. وفهمت أن الحذر الذي غاب في عملية إعادة الجنود لقضاء إجازاتهم، غاب أيضا عن بعض الحملات والمداهمات، التي استهدفت أفرادا معدودين، وآذت وأضرت بأضعافهم من أهاليهم وجيرانهم الأبرياء.
أكرر أن هذا الذي ذكرت من أصداء اللغط الذي يتردد بشأن الحاصل في سيناء، والذي لا نعرف وجه الحقيقة فيه، وهو ما يسهم في إشاعة البلبلة والحيرة. لذلك تمنيت أن تكلف لجنة بتحري حقائق وخلفيات ما يجري هناك، ليس فقط لكي نفهم ونضع حدا للشائعات والتسريبات، ولكن أيضا لكي لا نترك المؤسسة الأمنية وحدها في الساحة، الأمر الذي يحملها بما لا تطيق وبما هي ليست مؤهلة له. ذلك أننا نريد لسيناء أن تحتل مكانها في حضن الوطن، لا أن تتحول إلى جبهة قتال ضد بعض أبناء الوطن.
(السبيل)