ملاحظات على بيان السيسي
فهمي هويدي
جو 24 : لدى ثلاث ملاحظات على البيان الذي ألقاه المشير عبدالفتاح السيسي وأعلن فيه اعتزامه الترشح لرئاسة الجمهورية، أرجو أن تتسع لها الصدور. ولو أن أي أحد اتهمني بالتعجل لأن بيان الترشح ليس مجالا لاستعراض برنامجه فلن أختلف معه، إلا أنني مع ذلك وجدت أن البيان كان عاكسا لطريقة التفكير ومعبرا عن حدود وآفاق الرؤية الأمر الذي يستحق الرصد والمناقشة. كذلك لن أختلف مع الذين وجدوا في البيان إشارات إيجابية تنافس كثيرون في استعراضها. وإذ اعتبر تلك الإشارات بمثابة الجزء الملآن من الكوب فإنني أزعم أنه لايزال يعاني من بعض الفراغ الذي إذا تم تداركه فقد يمتلئ الكوب ويصبح في وضع أفضل إذا لم يكن أمثل.
• ملاحظتي الأولى أن المشير السيسي اهتم في بيانه بالحديث عن استعادة هيبة الدولة وإعادة بناء جهازها، كما تحدث عن أزمة الاقتصاد ومشكلة البطالة وعجلة الإنتاج المتعثرة والجهد الشاق المطلوب لتلبية احتياجات الناس. وتلك نقاط مهمة لا ريب. لكنني وجدت أنه لم يشر إلى نقطتين أساسيتين هما الحرية والديمقراطية من ناحية والعدالة الاجتماعية من ناحية ثانية. صحيح أن الحرية ذكرت مرة واحدة وكذلك الديمقراطية إلا أن الحديث عن الهم كان طاغيا بحيث شحبت الإشارة إلى الحلم الذي تحتل الحرية والديمقراطية عنوانا رئيسيا له. في حين لم يشر البيان إلى قضية العدل الاجتماعي. وإذا قال قائل إن السيسي ركز على مخاطبة بسطاء الناس كى يصل إلى قلوبهم، فإن ذلك قد يصح لكنه لا يكفي، لأن إشباع حاجات الناس مهم حقا، لكن ممارستهم للحرية وإقامة نظامهم على أسس ديمقراطية. واقتناعهم بأنهم ماضون باتجاه تحقيق العدل الاجتماعي لا يقل أهمية، إن لم يكن أكثر. وأخشى أن يكون التركيز على إشباع الحاجات متأثرا بأجواء التحالف مع الدول المحافظة المساندة لمصر حاليا، التي تفتح الباب على مصراعيه لسياسة الإشباع والكفاية، في حين توصد الأبواب تماما أمام الحرية وتنفر من الحديث عن العدالة الاجتماعية.
• الملاحظة الثانية أن المشير السيسي ركز في بيانه على مصر المكان. لكنني لم أجد في الخطاب شيئا عن مصر المكانة. إن شئت فقل إنه حدثنا طول الوقت عن مصر المصرية ولكنه لم يشر بكلمة إلى مصر العربية. حدثنا عن مصر القطر الذي يتطلع إلى التعافي والنهوض وليس القاطرة التي تتقدم مسيرة الأمة وتقود نهضتها. وهو الدور الذي قامت به مصر على مر التاريخ وبأمر الجغرافيا. ذلك النظر القطري المشغول بالمكان الذي تغيب عنه آفاق المكانة بدا أكثر وضوحا في حديثه عن التحديات التي تواجه مصر. وهي التي حصرها في العناوين الداخلية التي تشغل المصلح في أي دولة عادية. لكن الأمر ينبغي أن يختلف حين يتعلق الأمر بأكبر دولة عربية كانت تحتل موقع قيادة الأمة يوما ما. وأثبتت الأيام أنها حين انكسرت وصغرت فإن الأمة انكسر دورها،كما أن مقعد القيادة في العالم العربي ظل شاغرا، ولم يستطع أحد أن يملأه. وتتضاعف درجة الاختلاف إذا ما تحدثنا عن «أم الدنيا» التي ذكر السيسي يوما ما بأنه يتطلع لأن تكون «قد الدنيا». وذلك حلم جميل لا يريب. لم نجد له أثرا أو صدى في رؤيته التي قدمها إلينا وهو مقبل على الترشح للرئاسة.
• الملاحظة الثالثة لها بعض صلة بالثانية. ذلك أن بيان المشير السيسي الذي ظل محكوما بحدود المكان والجغرافيا المصرية ولم ترد فيه أية إشارة إلى العمق أو الانتماء العربي تخلى عن هذا الموقف في نهايته عند الحديث عن الإرهاب. ذلك أنه ذكر أن مصر مهددة من الإرهابيين. وأضاف قائلا إنه سيظل يحارب الإرهاب كل يوم.. ليس في مصر فقط وإنما في المنطقة كلها بإذن الله.
استوقفتني الملاحظة الأخيرة من عدة أوجه. من ناحية لأنها الإشارة الوحيدة التي وردت في البيان لدور ستقوم به مصر خارج حدودها. ومن ناحية ثانية لأن السيسي لم يتحدث عن قيام مصر بذلك الدور في العالم العربي، وإنما في «المنطقة» وهو الوصف الذي يثير سؤالين. الأول ما هي الدول الأخرى المقصودة في المنطقة، وهل تكون إسرائيل مثلا أم إيران؟ والثاني يتعلق بطبيعة الإرهاب المقصود في هذه الحالة. من ناحية ثالثة لأن هذه الرسالة التي حرص السيسي على أن يسجلها في بيان ترشحه أطلقها في اليوم التالي مباشرة لحضوره حفل تدشين أول قوة للتدخل السريع في تاريخ العسكرية المصرية (الاحتفال كان يوم الاثنين 24 مارس والبيان ألقاه يوم الثلاثاء 25 مارس). وفي حفل تخرج تلك القوة قال المشير السيسي إنها ستقوم بمهام نوعية خاصة داخل مصر وخارجها. من ناحية رابعة لأن فكرة قيام مصر بدور في مواجهة الإرهاب بالمنطقة استبعدتها مصر مبكرا، حين طرحت في أعقاب توقيع السادات لاتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979، إذ قيل وقتذاك إن واشنطن اقترحت على مصر بعد انتهاء الحرب ضد إسرائيل أن تركز في خططها العسكرية على مواجهة الإرهاب في «المنطقة». علما بأن الولايات المتحدة شكلت في ذلك العام، مباشرة (بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران) قوة الانتشار السريع لتأمين نفط الخليج والمحيط الهندي. أخيرا فإنني لاحظت أن الإعلان عن تشكيل قوة التدخل السريع المصرية تم بعد شهر من المناورات العسكرية المشتركة التي تمت مع الإمارات لأول مرة في تاريخ العسكرية المصرية أيضا، ولست واثقا من وجود علاقة بين المناورات التي تمت في أواخر فبراير وتشكيل القوة المذكورة في أواخر مارس. إلا أن السياق يستحق الانتباه والملاحظة.
(السبيل)
• ملاحظتي الأولى أن المشير السيسي اهتم في بيانه بالحديث عن استعادة هيبة الدولة وإعادة بناء جهازها، كما تحدث عن أزمة الاقتصاد ومشكلة البطالة وعجلة الإنتاج المتعثرة والجهد الشاق المطلوب لتلبية احتياجات الناس. وتلك نقاط مهمة لا ريب. لكنني وجدت أنه لم يشر إلى نقطتين أساسيتين هما الحرية والديمقراطية من ناحية والعدالة الاجتماعية من ناحية ثانية. صحيح أن الحرية ذكرت مرة واحدة وكذلك الديمقراطية إلا أن الحديث عن الهم كان طاغيا بحيث شحبت الإشارة إلى الحلم الذي تحتل الحرية والديمقراطية عنوانا رئيسيا له. في حين لم يشر البيان إلى قضية العدل الاجتماعي. وإذا قال قائل إن السيسي ركز على مخاطبة بسطاء الناس كى يصل إلى قلوبهم، فإن ذلك قد يصح لكنه لا يكفي، لأن إشباع حاجات الناس مهم حقا، لكن ممارستهم للحرية وإقامة نظامهم على أسس ديمقراطية. واقتناعهم بأنهم ماضون باتجاه تحقيق العدل الاجتماعي لا يقل أهمية، إن لم يكن أكثر. وأخشى أن يكون التركيز على إشباع الحاجات متأثرا بأجواء التحالف مع الدول المحافظة المساندة لمصر حاليا، التي تفتح الباب على مصراعيه لسياسة الإشباع والكفاية، في حين توصد الأبواب تماما أمام الحرية وتنفر من الحديث عن العدالة الاجتماعية.
• الملاحظة الثانية أن المشير السيسي ركز في بيانه على مصر المكان. لكنني لم أجد في الخطاب شيئا عن مصر المكانة. إن شئت فقل إنه حدثنا طول الوقت عن مصر المصرية ولكنه لم يشر بكلمة إلى مصر العربية. حدثنا عن مصر القطر الذي يتطلع إلى التعافي والنهوض وليس القاطرة التي تتقدم مسيرة الأمة وتقود نهضتها. وهو الدور الذي قامت به مصر على مر التاريخ وبأمر الجغرافيا. ذلك النظر القطري المشغول بالمكان الذي تغيب عنه آفاق المكانة بدا أكثر وضوحا في حديثه عن التحديات التي تواجه مصر. وهي التي حصرها في العناوين الداخلية التي تشغل المصلح في أي دولة عادية. لكن الأمر ينبغي أن يختلف حين يتعلق الأمر بأكبر دولة عربية كانت تحتل موقع قيادة الأمة يوما ما. وأثبتت الأيام أنها حين انكسرت وصغرت فإن الأمة انكسر دورها،كما أن مقعد القيادة في العالم العربي ظل شاغرا، ولم يستطع أحد أن يملأه. وتتضاعف درجة الاختلاف إذا ما تحدثنا عن «أم الدنيا» التي ذكر السيسي يوما ما بأنه يتطلع لأن تكون «قد الدنيا». وذلك حلم جميل لا يريب. لم نجد له أثرا أو صدى في رؤيته التي قدمها إلينا وهو مقبل على الترشح للرئاسة.
• الملاحظة الثالثة لها بعض صلة بالثانية. ذلك أن بيان المشير السيسي الذي ظل محكوما بحدود المكان والجغرافيا المصرية ولم ترد فيه أية إشارة إلى العمق أو الانتماء العربي تخلى عن هذا الموقف في نهايته عند الحديث عن الإرهاب. ذلك أنه ذكر أن مصر مهددة من الإرهابيين. وأضاف قائلا إنه سيظل يحارب الإرهاب كل يوم.. ليس في مصر فقط وإنما في المنطقة كلها بإذن الله.
استوقفتني الملاحظة الأخيرة من عدة أوجه. من ناحية لأنها الإشارة الوحيدة التي وردت في البيان لدور ستقوم به مصر خارج حدودها. ومن ناحية ثانية لأن السيسي لم يتحدث عن قيام مصر بذلك الدور في العالم العربي، وإنما في «المنطقة» وهو الوصف الذي يثير سؤالين. الأول ما هي الدول الأخرى المقصودة في المنطقة، وهل تكون إسرائيل مثلا أم إيران؟ والثاني يتعلق بطبيعة الإرهاب المقصود في هذه الحالة. من ناحية ثالثة لأن هذه الرسالة التي حرص السيسي على أن يسجلها في بيان ترشحه أطلقها في اليوم التالي مباشرة لحضوره حفل تدشين أول قوة للتدخل السريع في تاريخ العسكرية المصرية (الاحتفال كان يوم الاثنين 24 مارس والبيان ألقاه يوم الثلاثاء 25 مارس). وفي حفل تخرج تلك القوة قال المشير السيسي إنها ستقوم بمهام نوعية خاصة داخل مصر وخارجها. من ناحية رابعة لأن فكرة قيام مصر بدور في مواجهة الإرهاب بالمنطقة استبعدتها مصر مبكرا، حين طرحت في أعقاب توقيع السادات لاتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979، إذ قيل وقتذاك إن واشنطن اقترحت على مصر بعد انتهاء الحرب ضد إسرائيل أن تركز في خططها العسكرية على مواجهة الإرهاب في «المنطقة». علما بأن الولايات المتحدة شكلت في ذلك العام، مباشرة (بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران) قوة الانتشار السريع لتأمين نفط الخليج والمحيط الهندي. أخيرا فإنني لاحظت أن الإعلان عن تشكيل قوة التدخل السريع المصرية تم بعد شهر من المناورات العسكرية المشتركة التي تمت مع الإمارات لأول مرة في تاريخ العسكرية المصرية أيضا، ولست واثقا من وجود علاقة بين المناورات التي تمت في أواخر فبراير وتشكيل القوة المذكورة في أواخر مارس. إلا أن السياق يستحق الانتباه والملاحظة.
(السبيل)