العنف الجامعي ...الاسباب والحلول
الى متى ستستمر دوامة العنف بكل مظاهره واشكاله في مجتمعنا بشكل عام , وجامعاتنا بشكل خاص .
لقد كنا نتردد كثيراً ان نطلق على ما يحدث في الجامعات من عنف مصطلح ظاهره , و لكن في الواقع ان تكرار المشاجرات بات ظاهره مزعجه للجميع , رغم الاجراءات التي تبنتها الجامعات بفصل المتسببين بالمشاجرات , والتي لم تكن رادعة , بدليل تكرار المشاجرات وبأزمان متقاربة .
فما هو الحل ؟ سؤال يجب ان يتكاتف اصحاب الشأن والخبره للاجابه عليه .
نفخر في بلدنا ما وصلنا اليه من تقدم علمي ومعرفي . ونفاخر بصروحنا العلميه , والتي ترفد بلدنا و الدول العربيه بخريجين بجميع التخصصات , وعلى مستوى متميز من المخرجات , وهذا ما يشهد له القاصي والداني .
فهذه الجامعات منارات للعلم والمعرفه وترسيخ القيم والاخلاق الايجابيه لمن يرتادها . وليست مكان لتعليم اساليب العنف والعدوانيه والساديه , والنزعات العشائرية والقبليه الجاهلية وتفريغ الاحقاد والضغائن بأساليب همجيه بعيده كل البعد عن اخلاقنا وعادتنا وتقاليدنا العشائريه , التي هذبها ديننا الحنيف .
فماذا يحدث اذن ؟
وما هو الحل لما يحدث ؟
دعوني اطرح ما لدي من رؤى وتفسير لما يحدث , وما اقترح من حلول , من خلال ما تراكم لدي من خبرات متواضعه من خلال عملي في الجامعات , وتماسي مع الطلبه لعقدين من الزمن , مع كل الاحترام لما تم من مناقشات وورشات من متخصصين وما تمخضت عنه من حلول , لم تتجاوز في اجراءاتها التنفيذيه للاسف الصفحات التي طبعت بها ؟
للوقوف على المشكله من جميع جوانبها , يجب علينا ان نتعرض لاربعة محاور
الطالب , الجامعة , الاسرة , المجتمع
ولنبدأ بمحور المشكله الاساسي الطالب :
المستعرض للمشكلات من خلال الملفات المتعلقه بالاستجوابات التي تمت مع الطلبه المتهمين بأثارة المشاجرات وما ينتج عنها من عنف , والتخطيط لها يلاحظ ما يلي :
1- ان غالبية الطلبه المتسببين للمشاجرات هم من متدنيي التحصيل , وجزء منهم منذر اكاديمياً
2- ان غالبيتهم من الطلبه المقبولين خارج نظام القبول الموحد , والمقبولين على نظام المكرمات ( الاقل حظاً , الجيش , المخيمات ....الخ ) وطلبة الموازي .
3- ان غالبية المتسببين بالمشكلات من الكليات الانسانيه والادبيه .
4- ان غالبيتهم ابناء عشائر لها ثقلها , وعشائرهم المحترمه براء مما يفعلون .
5- ان غالبيتهم لهم اسبقيات في اثارة المشاجرات , وجزء منهم استنفذ العقوبه وعاود الكره مره اخرى .
6- ان غالبيتهم غير ملتزمين بحضور المحاضرات بشكل منتظم , ولتكرار غيابهم , طبق عليهم الحرمان بحسب النظام.
7- ان غالبيتهم يشكلون ويقودون تجمعات عشوائية تحت مظلة ابناء محافظة كذا , او ابناء اقليم كذا شمال جنوب ..الخ , او ابناء عشيرة كذا , او عائلة كذا ...الخ .
8- ان شرارة المشاجره في العاده تبدا بسبب بنت , او تماس بين اثنين في الحافلات , او بسبب المزاح الذي يتحول لشجار , او بسبب انتخابات مجالس الطلبه او الانديه الطلابيه .
اما فيما يتعلق بالجامعات :
فدعوني وبكل موضوعيه ان احمَل الجامعات جزء ليس بيسير من المشكله للاسباب التالية :
1- عدم تفعيل الانشطه المصاحبه للمنهاج ( الانشطه اللامنهجية ) في استقطاب العدد المطلوب من الطلبه واشغالهم خارج اوقات المحاظرات بفاعليات ذات نوعية , فيها اثراء فني , رياضي , ثقافي , بحيث تكون في شكلها ومضمونها وتنوعها بعيده عن النمطيه تستوعب وتستقطب هؤلاء الطلبه الذين يعانون من الفراغ وعدم الاهتمام . ويلجأون لاثارة العنف لاثبات وجودهم , وذلك بفتح المرافق من ملاعب ومسابح وقاعات لهم , وتفعيل الاندية الطلابيه واشغال فراغهم , بنشاطات تثري شخصياتهم , وتعيد لهم الثقة بأنفسهم .
2- عدم وجود متابعه من عمادات شؤون الطلبه , وغياب التعاون مع الكليات من خلال اعضاء هيئة التدريس , في اكتشاف هؤلاء الطلبه ومحاولة تعديل سلوكاتهم من خلال مكاتب الارشاد النفسي الموجوده في كليات التربية , او دوائر الخدمات الطلابية في عمادات شؤون الطلبة , والتعاون مع مساعدي عمداء الكليات لشؤون الطلبه علماً انه يوجد في كل كليه مساعداً للعميد لشؤون الطلبه , كذلك تبني المدرسين لمتابعة بعض طلابهم من هذه الفئة لتحقيق هذه الغايه .
فهذه الفئة من مثيري الشغب منبوذه لتدني تحصيلها وعدم التزامها بقوانين الجامعه , والانكى انها خارج نطاق المتابعه والرصد , تتحرك بحريه وتكَون بؤر لاثارة النعرات واستغلال اي شجار بسيط بين اثنين , ربما يكون بداعي المزاح , ليتطور في غياب المتابعه , لشجار تسفك فيه الدماء , وتخرب بسببه الممتلكات , وتؤجج فيه العشائريه والمناطقيه , ويقحم طلبه ليس لهم اي يد بالمشكله , سوى انهم من عشيرة اومحافظة المعتدي او المعتدى علية , ويختلط الحابل بالنابل , ويدب الرعب , وتظطر الجامعة لايقاف التدريس كما حدث في البلقاء مؤخراً.
3- عدم تطبيق العقوبات الصادره بحق الطلبة المتسببين بالمشاجرات بالشكل المطلوب , وذلك بسبب انصياع غالبية رؤساء الجامعات للضغوط التي يتعرضون لها للعفو , او تخفيض العقوبات عن الذين صدرت بحقهم عقوبات , مما اضعف من هيبة القانون الرادع , وجعل البعض يستمرء التطاول , ويعاود تكرار المشكله مرة ثانيه .
4- عدم منح الحرس الجامعي الصلاحيات والتغطيه القانونيه لتفعيل دورهم في متابعة الممارسات الغير مقبوله لهذه الفئه من الطلبه غير الملتزمين باللوائح والتعليمات الضابطه لسلوك الطالب الجامعي , وتخويل الحرس بممارسة دورهم وتنفيذ اجراءات وقائيه يتم الاتفاق عليها , ومنها فض اي تجمع مشبوه , واحضار اي طالب يرتكب مخالفه للمعنيين في شؤون الطلبه , كذلك دورهم في القبض على المتسببين بالمشكلة قبل ان تتفاقم الامور وتخرج عن السيطره , والعمل على زيادة كادر الحرس بحسب اعداد الطلبه .
5- غياب دور مجالس الطلبه , والتي للاسف تتضمن نوعيه من الطلبه , همها التنافس لاشغال مقاعد المجلس , دون تفعيل الدور المطلوب بمتابعة مشكلات زملائهم الذين لديهم مشكلات , ومنهم فئة مثيري المشاكل , ونقل همومهم ومطالبهم لادارة الجامعه , وتتحمل دوائر الهيئات الطلابيه الدور الاكبر , في تفعيل دور مجالس الطلبه بالشكل المطلوب .
رغم اني لست مع انتخاب مجالس للطلبه . لان الانتخابات احد البؤر الساخنه , التي تزرع العشائريه والمناطقيه والفئويه في الجامعات
ولا تخلوا انتخابات من مشاجرات و تبقى اثارها ممتده .
والبديل ان يتم اختيار انتقائي للطلبة المتميزين تحصيلياً , بحيث يترشح من كل تخصص طالب من الاوائل يرغب بالعمل التطوعي . وبذلك يشكل مجلس نوعي متميز من طلبه متفوقين بدون انتخابات , وبعيداً عن كل الاعتبارات .
6- ان تعمل الجامعات على تركيب نظام كاميرات المراقبه المركزية , لجميع المرافق الاساسية في الجامعة , وان يكون هناك غرفة كونترول , لمتابعة هذه المرافق من خلال الشاشات , ورصد اي تحركات او تجمعات طارئه مشبوهة , كأجراء وقائي , وربما يكون علاجي اذا تم اعلام جميع الطلبة بوجود هذه الكاميرات والهدف من وجودها , مما يحول دون القيام بأي سلوك مخالف .
الاسرة
ربما لا اكون مبالغاً اذا قلت ان الاسرة هي المؤسسه الاهم التي تتحمل الدور الاكبر في رعاية ابنائها , الرعاية الصحيحة , وذلك بزرع القيم والاخلاقيات والممارسات الادبيه , التي تراعي احترام الاخر , وتراعي الحرص على اختيار الصديق المميز , واحترام القوانين والانظمة و ومعرفة الحقوق والواجبات .
ويتم هذا من خلال التعلم بالنمذجه , فالاب والام والاشقاء , هم النماذج الحقيقون , فلا يعقل ان يخرج من بيت ما , طفل متمرد مشاكس الفاظه بذيئه , وابواه مهذبان يتعاملون فيما بينهم بأدب واحترام , ومن خلال خبرتي لاحظت خلال عملي في لجان التحقيق مع الطلبة لما يزيد على ثمانية اعوام , ان غالبية اباء الطلبة المتهمين بأثارة الشغب , يتسمون بالانفعال والتوتر وعدم الاتزان . وهذا يؤكد ان غالبية الطلبه العدوانيين , ساعدت تربيتهم على تغذية الجانب العدواني لديهم .
والمطلوب ان يعمل الاباء على رعاية ابنائهم عاطفياً واخلاقياً , وان يعلمون ابنائهم حقوقهم وواجباتهم , وان نحاور ابنائنا ونتلمس مشاكلهم , ونتابعهم في مدارسهم وجامعاتهم , ونشعرهم انهم مراقبين من باب الحرص عليهم .
كل هذا سيحد من الشطط والانجراف الذي يسير فيه ابنائنا في غياب متابعاتنا لهم , فعندما يشعر الطالب ان والده يزور جامعته مرة او اكثر في الفصل , سيخشى ان يصدر منه اي سلوك سيء .
فالاب الذي لايعرف تخصص ابنه ولا في اي مستوى هو , ويدعى للجامعة لابلاغة بفصل ابنه منها , نتيجة مشاجره شارك فيها , او تم فصله بسبب استنفاذه للانذارات الاكاديميه , فليعلم انه شريك رئيسي بما وصل له ابنه من حال .
وحينها كل ما سيفعله سيركض لاحضار الواسطات لاعادة ابنه للجامعة , فان هذا لعمري سلوك يتنافى مع المنطق . وهذا ما يقوم به الغالبية ممن يمرون بنفس التجربه , كونها اصبحت للاسف عرفاً .
فلنعد حساباتنا كأباء في رعاية ومتابعة ابنائنا , وان نكون نماذج حسنه لهم , فالابناء المنحرفين ضحية لتربيه رديئة .
المجتمع
وعندما اتحدث عن المجتمع ,اقصد المجتمع بكل مؤسساته وقطاعاته , بدءاً من المؤسسه التربويه , وانتهاءاً بالمؤسسه الدينيه .
ولنبدأ بالمدارس , فالمدارس لم تعد تقم بدورها التربوي كما كانت سابقاً , واصبحت غالبيتها للاسف بؤراً للمشاجرات والمشاحنات وعدم الالتزام بالانظمه والتمرد على المعلمين وعلى التعليمات والانظمه المدرسيه , وتغذية روح العنف , وذلك بسبب سحب الصلاحيات التي كان يتميز بها المعلم سابقاً , والتي كانت تخوله اللجوء لمعاقبة المسيء , وضبط النظام , وانا هنا لا اقصد العقاب البدني القاسي , ولكن التأديب الابوي , الذي يردع المسيء , ويحفظ هيبة المعلم , والتي للاسف سحقت تحت شعار عدم الاساءه النفسيه والبدنيه للطالب , واصبح الطالب يشتكي على معلمه , ويحظر سيارة الشرطه لاقتياد المعلم للمخفر امام طلبته , بعد كل هذا كيف سيحترم الطالب التعليمات والانظمه , ويحترم مدرسته , يقول رب العزه ( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون ) .
وفي غياب الردع فتح المجال على مصراعيه للطلبه الغير منضبطين , لتبني سلوكات عدوانيه , حملوها معهم للجامعات ولمجتمعهم .
فعلى وزارة التربيه ان تعيد النظر في تعليمات العقوبات للطلبه الغير منضبطين , وان ترتقي بمعلميها وتعيد لهم هيبتهم ومكانتهم , وان تدقق في اختيارهم , لان المعلم يجب ان يمتلك سمات تؤهله بالاضافه لمؤهله العلمي , ليكون نموذجاً طيباً يقتدي به الطالب .
اما دور المؤسسه الدينيه المتمثل بالمساجد ودورها في التركيزمن خلال الدروس والخطب على الوقايه من العنف , والتأكيد على دور الاباء في تربية الابناء التربيه الاخلاقية , ومراعاة التربيه الدينية التي تؤكد على القيم الطيبه واحترام الاخر , ونبذ العنف والتعصب بكل اشكاله .كذلك وسائل الاعلام يجب يكون لها دور مماثل للمساجد بتأصيل القيم الاخلاقيه الايجابيه ونبذ العنف , من خلال برامج معده باسلوب شيق يجتذب فئة الشباب . يشارك في هذه البرامج رجال امن وقضاه وشيوخ عشائر واساتذة جامعات , ومعلمين واباء وابناء , ليشارك الجميع بالتأكيد على ان العنف بكل اشكاله منبوذ من الجميع .
واقترح في النهاية ان يتبنى شيوخ العشائر وثيقة شرف تتضمن الاجماع على نبذ العنف في الجامعات , وعدم مساعدة كل من يثبت انه تسبب او شارك في مشاجره , وان يتم المطالبة بتطبيق العقوبه التي يستحقها . وان يتحمل ولي الامر تبعات وعواقب سلوك الابن .
عندئذ لن يجرؤ اي طالب ان يرتكب اي سلوك مشين , لانه سيكون بدون دعم او مسانده , ولن يتغنى اي من هؤلاء بعشيرته او مدينته او جماعته , الا بتميزه وتفوقه الدراسي . وليس بالدخول في مشاجرات ومشاحنات . لا ينتج عنها الا العنف والتخريب , وتشويه صورة جامعاتنا التي نفاخر بها . والاساءه لسمعة بلدنا وعشائرنا التي تتحلى باطيب الاخلاق والعادات الاصيلة الطيبه التي تربينا عليها .