jo24_banner
jo24_banner

التضامن مع غزة فعل مقاوم

سلام العكور
جو 24 :


مع بزوغ الفجر، وصوت الأذان، فتح علي عينيه ونظر الى أمه التي تنام على يمينه وأخذ يتأمل ملامحها الشاحبة وملابسها الممزقة المتسخة . 

كان ينظر اليها والحزن يملأ قلبه ، هو يعرف انها متعبة جدا فلم تتناول أدويتها منذ اشهر ،ولكن يجب ان يوقظها للصلاة ، لا وجود للماء الذي ستتوضأ به لكنها تصلي رغم ذلك ، هو يحبها ويحب صبرها ، يحب قوتها وصمودها بل وشموخها . 
التف قليلا ونظر الى اختيه النائمتين بجانب بعضهما وهما تحتضنان ، لعل دفء الحضن يبدد الخوف، ويمنحهما بعض النوم .
قاطعه ألم بطنه الخاوي ، فاستدار على بطنه عله يخفف الألم الذي ظن أنه اعتاد عليه ، ولكن دون جدوى . 
ومع الأذان الثاني ، اقترب من امه وهمس في اذنها  " أم علي "
 ،حاول ان يوقظها بلطف " أم علي .. أم علي الغالية .. استيقظي يا حنونة .. ان الله ينادينا .. استيقظي وايقظي اختيّ لنداء الفجر " . 
حاولت ان تتكلم لكن فمها متحجر من شدة العطش ، عجزت عن الكلام ، اكتفت بايماءة بسيطة ، ونظرة تفيض بالشفقة . 

نهضت واقتربت من بنتيها ، قبلتهما ، ضمتهما بصمت ، استيقظتا على وقع دقات قلب الام الخائف. 

توضأوا او للدقة تيمموا  بتراب الأرض المخضبة بدماء الشهداء ،واستعدوا جميعهم لاداء الصلاة  ، لا صوت غير" الله اكبر " ، يتخلله أنين الجوع،  وبكاء مكتوم ممزوج برجاء لا ينطفىء . 

وتحت خيمة رديئة متهالكة ، خلف محطة طبريا في مواصي خان يونس ، وبينما كانوا في صلاتهم ، سمعوا صوت الوحش الذي لا ينام . 

وبدأ الصوت يقترب اكثر فأكثر ، والخوف يتمكن منهم شيئا فشيئا ، حتى سجدوا سجدتهم الأخيرة ....ياالله 

في جنوب غزة ، كما في كل شبر من الأرض المقدسة ، يموت الناس بصمت وايمان  ، يهجرون قسرا من بيوتهم الى أماكن تسمى "  آمنة" ، لكن الأمان بالله وحده . 

وتحت الخيام التي لا تقيهم بردا او حرا ، يرزح المهجرون ،يقبضون على مفاتيح بيوتهم كما يقبضون على الحق ، بينما آلة الحرب الصهيوينة لم تبقِ حجرا على حجر . 

ان الواقع المأساوي الذي يعيشه المهجرون - العطش ، الجوع ، الألم ، الاضطهاد - كل ذلك يعيشونه وحدهم ،لا يشاركهم فيه احد ،على عتبة حلم يبدو انه ابعد مما يحتمل ،وقد اوشكوا على لفظ انفاسهم الأخيرة  . 

انعدام كل أسباب النجاة لشعب مخذول ، واستمرار المجازر والانتهاكات، دفع دولا كبرى وجدت نفسها مضطرة للاعتراف  ب "الدولة الفلسطينية " ، وبحق هذا الشعب الصامد  بتقرير مصيره ، لا لأن الضمير قد استفاق أخيرا ، بل لأن المأساة أصبحت اكبر من ان تختفي خلف عبارات الشجب والتنديد . 

سحب الأيادي المتواطئة مع الاحتلال والداعمة له ، وتعريتها أمام العالم، وتعزيز التعاطف الإنساني مع أطفال غزة المجوعين ،  كفيل باضعاف هذا الكيان المارق ، حتى لو وقفت اميركا خلفه بكل قوتها ، فالمعادلة قد تنقلب  ، والأوراق على طاولة المفاوضات قد تتبعثر حين يصبح الرأي العام أداة مقاومة بحد ذاته . 

دعوات حركة المقاومة الباسلة بجعل الثالث من آب يوما إنسانيا عالميا للوقوف مع شعب غزة المناضل ، ليست سوى استعادة  للذاكرة ، البعيدة والقريبة ، بأن هذه الحرب التي حرقت البشر والحجر مضى عليها قرابة العامين ، راح ضحيتها الكثير من الشهداء ،جلهم من النساء والأطفال ، استخدم فيها المغتصب الصهيوني كل أسلحة الدمار الشامل ضد شعب أعزل .

تحريك الرأي العام الدولي لايقاف المحرقة الصهيوينة ، وإخماد شلال الدم ، هو محاولة أخيرة لإنقاذ من تبقى ، وحتى لا يموت الميت مرتين : مرة بالقصف ، ومرة بالنسيان . 

ماتت الأم ومات معها وجعها ، رافقها علي الذي لم يفرغ من صلاته ، لكن الأختين الممسكتين بايدي بعضهما ، فما زالت نبضات قلبيهما تصرخ من تحت الخيمة المحترقة ، تبحث عن حياة لم تكتمل .

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير