jo24_banner
jo24_banner

قمة شرم الشيخ… نهايةُ حربٍ أم بدايةُ هندسةٍ جديدة للمنطقة؟

زياد فرحان المجالي
جو 24 :


فيما كانت آخر طائرات الأسرى تحطّ في مطار بن غوريون، كانت الأنظار تتجه إلى شرم الشيخ، حيث يلتقي العالم على أمل إعلان نهاية الحرب الأطول في تاريخ الصراع بين إسرائيل وغزة. لكن ما يبدو "ختامًا” للبعض، يراه آخرون بدايةً لهندسةٍ جديدة للمنطقة، تُرسم فيها خرائط النفوذ قبل أن يجفّ رماد الحرب.

1. لماذا شرم الشيخ الآن؟
تأتي القمة في توقيتٍ سياسي شديد الحساسية: إدارة أميركية تريد قطف ثمار «اتفاق الرهائن–الهدنة»، ومصر تستعيد موقع الوسيط المركزي، وتركيا وقطر تحضُران بصفتهما رافعتين أساسيتين لمسار التهدئة والتمويل، وأوروبا تبحث عن مقعد داخل ترتيبات ما بعد الحرب.
جوهر الانعقاد ليس احتفاليًا بقدر ما هو «ترتيبي»: آليات وقف إطلاق النار الدائم، ترتيبات أمن الحدود، آلية دولية للإعمار، و«حوكمة» مدنية—فلسطينية الطابع—تحدُّ من نفوذ حماس دون أن تنفجر غزة إلى فراغٍ أمني.
هذا هو الإطار العام الذي نقلته وكالات وصحف دولية قبيل الافتتاح.

2. نتنياهو بين «صورة الصقور» و«فتوى الغياب»
قبل القمة بساعات، تضاربت الأنباء في إسرائيل حول مشاركة نتنياهو: تقارير تؤكد حضوره مع ترامب، وأخرى تنفي، إلى أن حُسم الموقف باعتذاره عن المشاركة «بسبب بدء عيد سِمعَة توراة».
لكن الغياب لم يكن بريئًا. فحكومة نتنياهو التي قدّمت الحرب كمعركةٍ وجودية، لا تريد أن تُقرأ مشاركتها كـ«تسليمٍ سياسي» بترتيباتٍ تُقوّي السلطة الفلسطينية وتُضعف نفوذ اليمين.
الغياب إذًا رسالة مزدوجة: داخلية لحلفائه المتشدّدين، وخارجية لعواصمٍ تدفع باتجاه "إدارة مدنية فلسطينية” لغزة.
دوافع الغياب تتوزع بين:
حساب داخلي: خشية اتهامه بالتنازل أمام الضغوط الدولية.
مسافة تكتيكية من ترامب: حاجةٌ للتوازن مع واشنطن دون الارتهان الكامل.
غطاء ديني–دبلوماسي: استخدام العيد لتبرير قرارٍ سياسي بامتياز.

3. حضور محمود عباس… تمثيلٌ ووظيفة
في المقابل، وصل الرئيس محمود عباس إلى شرم الشيخ للمشاركة في القمة، وفق ما أكدت وكالة الأسوشييتد برس.
تحضر السلطة الفلسطينية لا لأنها الأقوى ميدانيًا، بل لأنها "العنوان المقبول” دوليًا لإدارة ترتيبات اليوم التالي. مشاركتها تمنح القمة شرعية سياسية ومالية، وتُمهّد لتولّيها إدارة جزء من الملفين المدني والاقتصادي في غزة.
لكن حضور عباس ليس بلا كلفة. فالشارع الفلسطيني يراقب خطابه عن "رفع الحصار” و"المعابر” و"العدالة”، وسط خوفٍ من أن يتحول السلام إلى "هدوءٍ فوق ركام”.

4. جدول أعمال القمة: بين الممكن والمفلت
أولًا – وقف إطلاق النار:
القمة ستُحوّل الهدنة إلى "وقف نار دائم” بمراقبة دولية. نجاح ذلك رهن بقدرة الأطراف على ضبط الحدود وتجفيف أسباب الانفجار الاقتصادي والإنساني.
ثانيًا – آلية الإعمار:
مشروع صندوقٍ دوليٍّ تديره عواصم عربية وغربية، بإشراف مؤسسات تنموية، سيكون جوهر الصراع القادم: من يدفع يقرّر. من يدير الصندوق يملك مفتاح "الحوكمة” في غزة.
ثالثًا – الأمن والحوكمة:
المطروح تدريب قوة أمنٍ فلسطينية برعاية مصر والأردن، مع رقابةٍ دولية خفيفة على الحدود، وربط رفع القيود بتحسّن الأداء الأمني. لكنّ هذه المعادلة الدقيقة مهددة دائمًا بسوء الفهم بين غزة وتل أبيب.

5. أين تتموضع إسرائيل في غياب نتنياهو؟
الغياب لا يعني انقطاع النفوذ. فإسرائيل ستشارك بثلاثة مسارات غير معلنة:
1. العسكري–الأمني: عبر أجهزة التنسيق والرقابة الميدانية.
2. الاقتصادي: من خلال شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات.
3. السياسي: عبر التنسيق اليومي بين مكتب ترامب ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
تل أبيب تريد أن تمسك بمقود "اليوم التالي” من وراء الستار، لا من منصة القاعة.

6. تركيا وقطر ومصر… مثلث الرافعات
مصر تبقى بوابة الجغرافيا وضابط إيقاع المعابر، وقطر تملك الرافعة المالية والاتصالية مع غزة، وتركيا تجمع بين "لغة الشارع” وميزان المصالح.
وجود هذا الثلاثي، إلى جانب العواصم الأوروبية، يمنح القمة وزنها العملي وفرصتها الوحيدة لتوليد "ائتلافٍ ضامن” لا مجرّد بيانٍ سياسي.

7. اختبار الشارع: فرحٌ مشوبٌ بالحذر
الفرح الشعبي بإطلاق الأسرى يقابله قلق من أن يكون الثمن "هدوءًا فوق ركام”.
إن لم تُترجم القرارات إلى واقعٍ ملموس في حياة الناس خلال أسابيع، فستتحول التهدئة إلى عبءٍ سياسي على الجميع.
السؤال الذي يتردّد في غزة والضفة: هل يعود الأمن قبل العدالة؟ أم أن العدالة شرطٌ لسلامٍ لا يُلغيه أول تفجير؟

8. سيناريوهات ما بعد القمة
السيناريو المتفائل: بيانٌ صلبٌ يتضمن آليات تنفيذ وجدولًا زمنيًا واضحًا، وتفويضًا مصريًا بإدارة المعابر.
السيناريو الرمادي: بياناتٌ فضفاضة دون التزاماتٍ محددة، ما يعني عودة سريعة للتوترات.
السيناريو المعقّد: تصاعد خلافاتٍ حول الدور الفلسطيني والإسرائيلي، وإدارة أميركية تحاول إبقاء التفاهمات حيّة بحدّها الأدنى.
قمة شرم الشيخ ليست احتفال نهاية، بل ممرٌّ إجرائي نحو وضعٍ انتقالي طويل.

نجاحها مرهونٌ بثلاثة شروط أساسية:
1. التنفيذ الواقعي لا البلاغي.
2. تحسين حياة الناس سريعًا في غزة.
3. تثبيت توازن ردعٍ يمنع انهيار الهدنة.

وبين حضورٍ فلسطيني رسمي وغيابٍ إسرائيلي على مستوى القيادة، تُدشّن القمة بداية لعبةٍ دقيقة: كثير من الألغام، قليل من الوقت، وعيونٌ مفتوحة على كل معبرٍ وكل كلمةٍ في البيان الختامي.

تحديث الحضور – (الإثنين 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025 – عمّان)
بنيامين نتنياهو: لن يحضر القمة. أكدت رويترز والرئاسة المصرية اعتذاره بسبب العيد اليهودي.
محمود عباس: وصل بالفعل إلى شرم الشيخ للمشاركة في القمة التي تشارك في رئاستها مصر والولايات المتحدة.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير